يكتبها: جمال كرماوي في عقر ديار الصحفيين.. في حيّ الغزالة يعلو صوت إمام الجمعة مستهدفا جيران المسجد.. لينهش لحم الصّحفيين.. وليصف الإعلام ب«الرّجس» الذي يجب تجنّبه.. هم منافقون وكفّار.. وشرعا يحل قتلهم ولكن لا يجب على المسلمين قتلهم اقتداء بالرّسول... ومن المصلّين كان هناك صحفيون أصابتهم الصّدمة... الإمام قال: «آه لو يعود عمر بن الخطاب فيقطف رؤوسهم ويُريحنا»... الله نعرفه بالعقل وهناك من يميّز وينسّب الأشياء ولكن كلام الإمام قد يسقط في آذان تتلقف الرّسالة بالخطإ المتحمّس وتمرّ إلى التنفيذ... في جلّ الحالات التي رصدناها يقال أنّ المتحدّث لا يقصد وإنّما جرّته الحماسة إلى التجاوز اللّفظي وما قاله غير ما فهمه المتلقي... هذه «الحجّة» مردودة على أصحابها لأن الأمر يتكرّر... ويزداد حدّة كلما طلع مسؤول وندّد بالإعلام واتهمه ب«معاداة» الحكومة... صحيح أن الإعلام ليس مقدّسا ومن واجبه أن يتقبّل النقد ويطوّر نفسه ولكن الحث على القتل وإدماج السّياسة في المسجد وشيطنة الإعلام كلها أساليب فاشلة بقدر ما هي خطر على البلاد... والعباد.. ولا أظنّ أنّ خطاب الترويع والتهديد قد يليّن الوضع.. والدّاعون إلى هذا يسيرون في طريق مسدود يتأكّد من خلالها أنّ طرفا ما خسر معركة التواصل والاتصال مع الوسيط الأساسي في التعاطي مع الإعلام وبالتالي مع الرأي العام.. في زمن عمر بن الخطاب لم تكن هناك صحف ولا إذاعات ولا تلفزات ومن العيب أن نسمع إماما خارج سياق التاريخ يهدر دم الإعلامي لأنه حامل خبر.. لا حامل حطب يتوعّد به الأئمة.. السّماوات المفتوحة هذا زمانها والقرية الكونية لا تحتمل هذا الخطاب.. وما تعرضت له المساجد من فوضى بدأ يفرز تداعيات خطيرة.. المسجد لله والشارع للسياسة وإذا تم الخلط فإن الدّين يفسد السّياسة والسّياسة تفسد الدّين.. نريد مجتمعا يفكر لا مجتمعا يُكفّر...