عرضت أمس قناة «الجزيرة» الوثائقية وشركة «اوريزون فيلم» الفيلم الوثائقي الروائي «صالح بن يوسف جريمة دولة» بنزل افريكا بالعاصمة، أعقبه حوار مع مخرجي هذا العمل وبحضور عدد من الوجوه السياسية في تونس وبعض من افراد عائلة المرحوم «صالح بن يوسف». وتضمن الفيلم زهاء 160 مداخلة لقرابة 16 شخصية بين مؤرخين (عدنان منصر الناطق باسم الرئاسة التونسية واستاذ التاريخ بجامعة سوسة،محمد ضيف الله استاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية، سالم الابيض، عروسية التريكي...) وأصدقاء وشهود العيان على الفترة التي مر بها «صالح بن يوسف»(عمر الشاذلي، محمد الصياح الوزير السابق ومدير الحزب الحاكم في عهد بورقيبة...) وعدد من افراد عائلته(نجلة وزوجته صوفية بن يوسف..)،هذا وقد تم تصوير الفيلم في كل من ولاية تونس وصفاقس وجربة وسوسة،متضمنا 6 مقاطع درامية...ليتم عرضه على قناة «الجزيرة» الوثائقية يوم 7 افريل 2012 اي بعد حوالي السنتين من التفكير في صياغته واعداده. وتناول الفيلم حياة «صالح بن يوسف» السياسية منذ نشأته حتى تاريخ اغتياله، حيث اكدت اغلب الشهادات ان نشأة صالح بن يوسف كانت نشأة متوازنة تجمع بين الهوية والحداثة وذلك لما اجتمع في هذه الشخصية من تجذر بأصول الدين الإسلامي الحنيف واللغات الاجنبية التي يتقنها، خاصة وانه ينتمي الى شريحة من الاغنياء والاعيان. وتقصى الفيلم أغلب ردهات العمل السياسي ل «صالح بن يوسف» منذ تأسيسه للشعبة الطلابية بباريس حتى اغتياله بمدينة فرانكفورت الالمانية من قبل جماعة الحبيب بورقيبة حسب شهادات الفيلم ، اذ جاء في الفيلم ان عودة صالح من فرنسا تزامنت مع انضمامه للحزب الدستوري الجديد الذي أحكم السيطرة عليه في ما بعد لما يتمتع به الرجل من قدرة على الاقناع والتعبئة والاتصال مع الجماهير، ليودع في اكثر من مناسبة السجن لتخوف الحبيب بورقيبة على منصبه منه نظرا لأنه ما فتئ ينظم مؤتمرات الحزب في كل مرة يخرج فيها من السجن (مؤتمر ليلة القدر1946، مؤتمر دار سليم 1949، مؤتمر صفاقس1959...). وتناول الفيلم ايضا الفترة النضالية لصالح بن يوسف ومقاومته للاستعمار الفرنسي،بدءا بانضمامه الى حكومة «شنيق» او ما يعرف ب «الحكومة التفاوضية» كوزير للعدل. إلاّ أنها حكومة فشلت في الضغط على الحكومة الفرنسية مما اضطر بن يوسف الى الهرب الى بلجيكيا بعد حملة من الاعتقالات التي لحقت عددا من زملائه في الحكومة.. الأمر الذي اضطر «المجاهد والشهيد» إلى اتخاذ سبيل المقاومة المسلحة بعد عودته من القاهرة التي كان فيها صديقا حميما للرئيس «جمال عبد الناصر» وللمقاومة الجزائرية أيضا، وهو الأمر الذي أحدث شرخا آخر بينه وبين الرئيس بورقيبة. خلاف يعقبه خلاف، اضطر الرئيس الحبيب بورقيبة إلى إرسال مجموعة لقتل صالح بن يوسف تخوفا من امتداد شعبيته حد إزاحته (الحبيب بورقيبة) من كرسي الحكم ومن رئاسة الحزب الحر الدستوري الجديد حسب الشهود ،معتبرين إياها جريمة دولة لأنها استهدفت رجل دولة منتخب. تأثر حدّ البكاء ! مشاهد الفيلم الدرامية أثرت في الحضور وخاصة منهم زوجة «صالح بن يوسف» ومخرج الفيلم «جمال الدلالي» اللذين تفاعلا بالبكاء لما بعثه فيهما الفيلم من إحساس بالظلم والاضطهاد الذي رافق تلك الفترة خاصة بتعذيب الأبرياء من اليوسفيين وسجنهم وتصفيتهم (حادثة صباط الظلام...)، قبل أن ينتقل اللقاء إلى حوار تم فيه الإنصات إلى جل المتدخلين الذين اجمعوا على ضرورة إصلاح التاريخ «المغلوط» الذي يلقن في المدارس والمعاهد وضرورة رد الاعتبار ل «أبطال هذه المرحلة وشهدائها» والإسراع بمحاسبة المسؤولين عما حدث من انتهاك و تعد وسفك دماء.