كوابيس.. كواليس... على الوزن نفسه.. ويكفي تعويض اللام بالباء ليدخل المرء عالم المفزعات المرعبات. لذلك أصبحت عندي حساسية مفرطة تجاه الكلمة الثانية التي تحيلني، بمجرد سماعها، إلى أختها في الوزن ودلالات الرعب والحزن.. وتمنيت زيارة الدكتور سليمان الأبيض وأنا مستعدّ حتى لشرب قهوة عند جارته العرّافة جنات، عسى أن أجد علاجا لكوابيس اليقظة التي تنتابني هذه الأيام. تسأل لاعبا عن عثرة فريقه فينطق بالكلمة السحرية: إنها الكواليس! وتلتفت إلى المدرب فتأتي الإجابة الساحقة: إنها الكواليس! وتستنجد بالمسؤول فيصرعك بالجواب الماحق: إنها الكواليس! ألم أقل في البداية إن هذه الكلمة سحرية؟ فهي تكفي المرء مؤونة الجواب المطوّل والشرح المحلل.. وهي جامعة لكل المعاني.. لقد حققنا، في هذا المجال، ما لم يقدر عليه المبدعون في المجال الكروي وأثبتنا أننا لا نقلّ ذكاء ودهاء عن الآخرين بعد أن توصلنا إلى ابتداع هذه الكلمة الشافية والكافية في كل الحالات ولكلّ الأوجاع... ونظرا للقيمة البلاغية التي تتضمّنها هذه الكلمة وتأثيرها في الأجواء وتلطيفها، فقد أصبح جاريا أن تسمع ابنك يحييك ردّا على نوبات الغضب واللوم: إنها الكواليس يا أبي! وآخر مثال لهذا الذي يحدث ويتكرّر ما سمعته على لسان السيد حسين قندورة رئيس فرع كرة اليد للنادي الإفريقي إثر انسحاب فريقه من الدور نصف النهائي للبطولة الإفريقية للأندية، حيث قال: انهزمنا نتيجة ما حدث في الكواليس! هكذا إذن!؟ انهزم الإفريقي.. وهو الذي لم يرتكب أي خطإ أو هفوة! انهزم لأن الكواليس لعبت مع الزمالك وتولّت نيابة عنه تسجيل الأهداف الخ! ما هذا المنطق؟ وإلى أين نسير بمثل هذا التفكير؟ قد يكون للكواليس دورها ولكن ذلك لا يفسّر لوحده الخيبات، وإن الموضوعية تدعونا إلى تحليل الأمور بتبصّر حتى لا نبقى غارقين في مستنقع التأويلات الخاطئةوالتي لا يمكن أن تصلح أخطاءنا أو تقوّم مسارنا. لنترك الكواليس لأهلها ولنعمل، كلّ في اختصاصه، على اجتثاث هذا التفكير السقيم وأن نكرّس كل الجهود لهزم «الكواليس» على الميدان حتى لا تصاب كرتنا بالهلوسة والكوابيس مدى الزمان. وتأسّيا بسيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه الذي قال: لو كان الفقر رجلا لقتلته... أقول: لو كانت الكواليس رجلا لقتلتها! ويبقى نصف الكلام.. ومني عليكم السلام...