قيل قديما ثلاثة أشياء لا تعود أبدًا: »الكلمة إذا انطلقت والثقة إذا ضاعت والحبيبة إذا خانت«. ما يتعلّق بالحبيبة الخائنة موجود في كلّ الكتب الارضية تقريبا في قصص العشّاق والمحبّين.. ومايتعلق بالثقة الضائعة هو الوجه الآخر للخيانة فإن كانت بين الافراد فهي تستوجبُ التقريع واللّوم والهجران وقطع الصِّلاَت. وإنّما أوردت تلك الحكمة للحديث عن الكلمة التي تنطلق فلا تعودُ أبدًا إلى الحلق أو القصبة الهوائية حيث تمرّ من تفّاحة آدم »Pomme d'Adam« في درس الصّوتيات ومخارج الحروف... والحروف نوعان نوع ميّت ونوع حيّ، والحروف الميتة هي التي تتشكّل منها كلمات الحبّ لأنّها تُعاشُ ولا تُقال فقد قال نزار قبّاني: »كلماتنا في الحبّ تقتل حبّنا إنّ الحروف تموت حين تُقالُ« ونوع من الحروف يظلّ حيّا اذا تشكّل في كلمات مثل فعل »كُنْ« الذي تشكّل من حرفيْن فخلق العالم! ❊ 2 ❊ تذكّرت هذه الكلمة التي تنطلق مثل سهم لا يعودُ. فهي تخرج ليكون قرارها في العقول أو النّفوس أو الكتب والاوراق او تكون مزروعة في الصدى بلا قرار او جواب، لكنّ الكلمة التي خرجت للشعوب هي الكلمات التي غيّرت التاريخ مثل كلمات »أحبّك يا شعب« للزعيم الخالد فرحات حشاد او »ارفع رأسك يا أخي« لجمال عبد الناصر أو »شعب لا يرقص، شعب لا يثور« لكارل ماركس أو »نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت« لعمرالمختار، أو »إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابدّ ان يستجيب القدر« لابي القاسم الشابي. أو »متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امّهاتهم أحرارا« لعمر بن الخطّاب. أو »لو كان الفقر رجلاً لقتلته« لعلي بن أبي طالب... وغيرها من الكلمات التي غيّرت وجه التاريخ لكن اين التاريخ والشعب من كلمات خرجت ولن تعود قالها السيد فرحات الرّاجحي وزير الداخلية السابق؟ كلماتٌ حرّكت كل شيء تقريبًا، حرّكت التّنين النائم والاسد الهرم من عرينه والطيور من أوكارها والجرذان من جحورها والالسن في أفواهها.. إنّها كلمات ليست كالكلمات نحن لسنا معها او ضدّها ولكنّها كلمات حركت التاريخ وغيّرت مسار هذا الشعب واعادت طبخ الاجندات واسقطت أناسا ورفعت اخرين ربّما تكون كلمات السيد فرحات الراجحي (أشهر شخصية وطنية بعد الشهيد محمد البوعزيزي الآن) هي بداية اليقظة للنخبة السياسية والثقافية والأكاديمية في تونس بعد 14 جانفي ونحن في انتظار المزيد من الاسرار والخفايا في حكومات غبار تحرّكها رؤوس الاموال الكبيرة والامبريالية العالمية (التي وضعت تونس ضيف شرف مع الدول الثمانية الكبار!) ❊ 3 ❊ أعود إلى الكلمة، لماذا انتظر السيد فرحات الراجحي كل هذا الوقت ليقول كلماته ثم يعتذر تحت الضغوط والتهديد؟ لكنّي اتذكّر بقوّة هذه المرّة قولة الكنديّ »إنّ البلاء مُوكّلٌ بالمنطق« أي بالمنطوق والملفوظ وما يخرج من عظم اللّسان إذا كان للّسان عظم! وربّما »يموتُ الفتى من عثرةٍ بلسانه« كما قالت العربُ. كان القدامى يتحدّثون عن هجرة الطّيور أمّا المعاصرون فيتحدّثون عن ! ❊ 4 ❊ كتبت منذ أسبوع عن ندوات صحافيّة ميّتة مع الوزير الاول المؤقّت في حكومة غبار وقتيّ... وصرختُ في وجه الصّحافيين أن لا يحضروا ندوات مع العجائز.. فإذا هم يشاركون في جريمة أخرى تهينُ الصّحافيين الذين ألقى بهم عجوز الغبارفي مزبلة التاريخ فوداعًا مرّةً أخرى للكلمات التي لن تعود إلى حلقي. ❊ 5 ❊ كلّ البوقات الجديدة هي نفسها البوقات القديمة التي تقول إنّ فرحات الرّاجحي يكذب! وأنا أقول إنّه لا يكذب إلى أن يثبت خلاف ذلك! لأنّي لستُ بوقًا للرّاجحي أو لغيره!