بين حركة تشعر بوجع هذا الشعب لأنها ولدت من رحم المعاناة والظلم وعانت ويلات الاستبداد وبالتالي هي تريد فقط القليل من الوقت لتبدأ برامجها وتنفذ مشاريعها التي وعدت بها ذات يوم شعبا ملّ الوعود الزائفة والخطابات المنمّقة والشعارات البنفسجية وبالتالي يتعطّش لغد أفضل فيه الكثير من العدالة وحتى القليل من الديمقراطية. وبين حركة يقال أنها غامضة تعيش «ازدواجية» في الخطاب وتخطّط للبقاء في السلطة وبالتالي لا تتوانى في شنّ عصا خفية يطلق عليهم اسم «الميليشيات» وهم عصابات ليسوا ككل العصابات ينشطون في العلن ويشتمون صبحا ومساء كل من يخالفهم الرأي ويكيلون التهم لمن يصدع بالرأي المخالف أو ينبش بكلمات لا تعجب بعض السادة؟ يضربون ويتعقبون من ينقدهم ليعنّفوا ويشتموا ويعيثوا في الأرض فسادا... أيهما يا ترى «النهضة» ؟ تراها تلك التي قمعت لسنوات وعاش قادتها في سراديب السجون بعد أن نكلّ بهم وشرّدت عائلاتهم ؟... أشخاص عانوا الويلات وعذبوا عذابا أليما بعضهم فقد عائلته وآخرون بحّت أصواتهم من شدّة الصراخ والقهر لكن لم يسمعهم أحد، كان كل من يقترب منهم متهما وكل من يزورهم عدّوا وبالتالي هجّروهم وعاشوا في الخفاء ومن أسعفه الحظ منهم هاجر في الظلام الدامس برّا أو متنكرا وتنقل من بلد إلى آخر ليعيش سنوات المنفى بلا وطن ولا أحباب ولا عائلة وكانت العودة للوطن حلما صعب المنال ولمس تراب تونس حلم يقظة ربما الآخرة أقرب منه للتصديق وبالتالي لا يمكن لمظلوم ألاّ يشعر بالظلم ومقهور ألاّ يشعر بالقهر... وبين حركة يقال أنها لا تسمع لا ترى ولكن أحيانا تتكلم فتتفجر الأوضاع وتثير بمواضيعها الجدل، صدرها سرعان ما يضيق بالمعتصمين فتلجأ لضربهم بالعصي و«الكريموجان» تفرّقهم كالذباب الركيك الذي يأبى المغادرة ويظلّ «يطنطن» إلى أن يشعر الآخر بوجوده لكن عوض تهدئة الخواطر وسماع صوت المظلوم والتحاور يرفع شعار «العصا لمن عصا» فيكون الحلّ في القوة فلا سبيل للعصيان ومن أعجبه الأمر ومن لم يعجبه "فليشرب من ماء البحر". فأيهما يا ترى «النهضة»؟ حكومة تؤمن بالعدالة وبالأمر بالمعروف والحسنى وتشعر بالضعفاء وبالتالي شعارها «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا»... وهذا ما يجعلها تنأى بنفسها عن السرقات ولا تبيح لنفسها ولا لقادتها الحرام فلا خوف من النهب ولا السرقات التي شكلت «عقدة» للتونسيين بعد حجم المسروقات التي شاهدوها وأمام هول ما رأوه من أموال تنهب وأوراق نقدية من فئة الخمسين دينارا ومجوهرات نفيسة وأخرى باهظة الثمن وخزائن لِمَا يلهف في السرّ والعلن فأصبحوا يتوجسّون من لهف قوتهم والضحك عليهم مرتين؟ عرفناها كحزب ديني إذن لا الأموال قد تغريها لأنها تعرف الحكمة من تبوئها عرش السلطة ولا المجوهرات مهما كانت قيمتها ستجعلها تأخذ من متاع الدنيا شيئا... وبين حكومة أخرى يقول البعض أن السلطة أبهرتها بأضوائها الساطعة فالواجهة تقوى وورع والخفاء مناصب توّزع وتركات تقسّم وسّيارات تستغلّ وامتيازات للعائلات والأصهار، تعيينات للمقربين ومناصب للموالين فلا يهمّ العدالة طالما أن الحكاية «مؤقتة» فالوقت من ذهب والنفس أمّارة بالسوء فقطر صديقة والتعاون ممكن حتى مع «اسرائيلي» أمريكا تملي القرارات والطّاعة واجبة لمن يريد كسب الصداقة والحنين يبقى لأصدقاء الأمس وحلفاء الماضي ولا بد من التفكير في «المصالح» والمصالحة لأن الغد والمستقبل آتيان ؟ فأيهما يا ترى «النهضة» ؟ دولة مدنية تؤمن بالديمقراطية ولا تنادي بتعدّد الزوجات ولا تدعو للخلافة الراشدة، مع النقاش طالما أن باب الحوار مفتوح لها من سعة البال ما يشبه صبر أيّوب، برنامجها واضح وهدفها التنمية والتشغيل لكن أنهكها الكائدون وأتعبتها المعارضة التي لا تريد التعاون، البعض يزرع لها الأشواك و«التجمعيون» لها بالمرصاد، البعض يحيك المؤامرات ويستقوي بالأجنبي لإسقاطها وقطع الطريق أمام المساعدات لكن بمجهودها وعلاقاتها مع الأحباب وأصحاب البرّ والإحسان جمعت القروض والهبات وستبدأ حملتها في التشغيل ومساعدة الفقراء والحالمين بالتخفيضات بعد غلاء المعيشة والبداية كانت بالبيض والبطاطا والبقية في الطريق. وبين أخرى يقال «أنها تمنح المسّكنات لإسكات الأفواه الجائعة والأصوات المندّدة بخيبة المسعى لأنه لم يتغير شيء وهو ما جعلها تختلق الأزمات فكلما هدأت الأوضاع يفجرّ بعض قادتها قنبلة لتكون محور نقاش وإن لم يكن لا هذا ولا ذاك تنغصّ الاحتفالات وتزرع الميليشيات ويجب أن يكونوا من المغرمين بالفيديوهات و«التصوير الرقمي» وخاصة الركض والشتم في المظاهرات... فأيهما يا ترى «النهضة» ؟ هل هي ذلك الحزب العريق والحركة التي فازت بانتخابات شفافة ونزيهة كانت نتيجة الكدّ في الشموس وتوزيع البيانات وإقناع الناخبين ببرنامج يشبه حكاية ألف ليلة وليلة عفوا «مائة يوم وليلة» وبعد نتائج أذهلت «المتابعين» ترّبعت على عرش الحكومة فسمعنا كلمات «الغنوشي» الموزونة «جدّا» وخطابات «الجبالي» الواقعية والتي تتحدث عن عدالة وتنمية فكل «التطمينات» جميلة لوعود ونوايا طيبة. لكن التطاول على الحكومة لا يليق و«الفايسبوكيون» لا يريدون للحكومة أن تبدأ المشوار فبدأوا يتحدثون عن أموال وزّعت لشراء أصوات الناخبين وبرامج لقنّت للمسنين لشراء أصواتهم ووثائق تشبه «الويكيليكس»قرصنت من هنا وهناك وبدأت النتائج واضحة حتى قيل أنها في «قمة الشفافية». فأيهما يا ترى النهضة؟ إن كانت الأولى فقد فوّت الشعب على نفسه فرصة تاريخية لأنه أدار لها ظهره وكال لها من التشكيك الكثير ولم يترك لها الوقت لتعمل وتحقق ما وعدت، غفل عن مزاياها وركز فقط على النقائص واهتم بالتصريحات الجوفاء التي لا تغني ولا تسمن من جوع بل تزيد من هيجان الشعب وتثير دوما الجدل العقيم . وإن كانت الثانية فهي حكومتنا فقد هربنا من «القطرة لنقع تحت الميزاب» فبعد أن خلنا أننا ودّعنا ظالما مستبدا وسارقا لا يشبع وقعنا في مطب أقوى وشرك أعظم. فأيهما يا ترى «النهضة» ؟.