إن المسؤولية تداول بين الأفراد والأجيال، وهذا التداول يفرض حدا أدنى من التعامل الحضاري بين الخلف والسلف.. وهنا أتحدث طبعا عن الانتقال الطبيعي الذي يتم فيه التداول في ظروف عادية. وبقدر ما يتحلى الخلف بالخصال الفكرية والأخلاقية السليمة يكون الانتقال سلسا وتتم الخلافة في ظل التوافق والتوادد. هذا من حيث التصور النظري، أما على مستوى التطبيق فحدث ولا حرج.. إذ لاحظنا أن عملية الانتقال للمسؤولية قلما تتم في أجواء عادية وودية. والدليل على ذلك أن التصريحات التي تتبع التنصيبات تخرج من أفواه أصحابها كالصواريخ العابرة لكل الاعتبارات.. الإنسانية، ويحوز المجال السياسي قصب السبق في هذا المضمار. وقد بلغ الأمر ببعض الوزراء حد التصريح بأنهم وجدوا «وزارتهم خرابا». مشيرين بذلك إلى ما اتسم به أسلافهم من سلبية وعجز عن تصريف الشؤون العامة!.. هذا المثال.. واحد من عشرات تؤكد أننا نعاني من عُقدة السلف في كل المستويات.. من أبسط الوظائف الإدارية إلى أعلى المناصب السياسية.. وقد مرت العدوى إلى القطاع الرياضي، حيث استشرت هذه الآفة وتحولت إلى ممارسة يتفنن أهل القطاع في تزويقه وتلوينه وفق الأهواء. فكلما صعد رئيس جديد إلى سدة التسيير في ناد رياضي لا نسمع منه إلا التذمر والتشكي من «التركة» التي ورثها والمثقلة بالهموم والسموم.. وكذلك الشأن بالنسبة إلى الإطار الفني.. إذ يجتهد الخلف في تشويه سمعة السلف.. فلا شيء يعجب.. الخطة الفنية تجاوزتها الأحداث واللاعبون تائهون وتركيبة الفريق غير متجانسة إلخ.. وتواصلت هذه الأفعال القصدية ضد الأسلاف حتى كدنا نيأس من العثور علي مثال واحد يرفض مثل هذا الميز والحيف الممارسين ضد السابقين..وفجأة يطل علينا أحد الفنيين الشبان ليعطي الجميع درسا في التواضع والاعتراف لمن سبقه بما بذله من جهد وما قدمه لفريقه وللاعبيه.. إنه المدرب الشاب عمر خذيرة الذي تسلم المقاليد الفنية لفريق الترجي الرياضي التونسي لكرة اليد عن الممرن القدير سيد العياري. فقد سمعته يقول ويعيد إثر انتصار فريقه في دربي العاصمة ضد النادي الإفريقي: إن ذلك هو نتيجة العمل الكبير الذي قام به سلفه القدير!».. قالها.. وكررها.. وفي ذلك درس وأي درس لبعض المتعالين الذين يقولون لنا بسلوكهم «إش يا ذبانة..» (والبقية تعرفونها) وأن الدنيا «توفى» بعدهم.. وهم مخطئون لأنهم لا يريدون أن يصدقوا المقولة «لو دامت ليغرك ما آلت إليك».. أليس جديرا بالخلف أن يعطي السلف حقه وأن يواصل ما بدأه غيره في كنف الاحترام لإنجازاته مهما كان حجمها، فالعاجزون وحدهم يصرون على تقزيم من سبقهم وحتى من حولهم ليظهروا في ثوب الأبطال أصحاب الإنجازات التي لا تطال!.. ويبقى نصف الكلام.. ومني عليكم السلام..