أثارت الدعوة التحريضية التي وجهها زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري للتونسيين بالانقلاب على حزب «النهضة» استياء النخبة السياسية في تونس ورفضها التدخل في شؤون البلاد داعية الجميع الى ضرورة الالتفاف حول مبادئ الثورة وتقديم مصلحة تونس لتفويت الفرصة. وكان الظواهري قد شنّ في تسجيل صوتي هجوما عنيفا على حزب «النهضة» بسبب تخليه عن المطالبة بأن تكون الشريعة الاسلامية مصدرا للتشريع في الدستور، معتبرا هذا الموقف «مخالفا لصريح القرآن» داعيا التونسيين الى الانقلاب على حزب «النهضة». وقال «يا شرفاء تونس ويا احرارها ويا اهل الغيرة فيها لقد سقطت الاقنعة وانكشفت الوجوه. هبوا لنصرة شريعتكم. حرضوا شعبكم على هبة شعبية دعوية تحريضية لنصرة الشريعة وتأييد الاسلام وتحكيم القرآن (...) قولوا للشعب المسلم في تونس ان شريعتك توأد حية كما وئدت في تركيا، انصروا قرآنكم ودافعوا عن سنة نبيكم ولا ترضوا بغير الشريعة بديلا". واعتبر مراقبون تصريحات الظواهري خطيرة جدا وقد تعطي الضوء الأخضر لانصار القاعدة ( التيار السلفي الجهادي) في تونس بالتحرك وشن هجمات على مواقع حكومية وسياحية مؤكدين أن تحذيرات وتهديدات الظواهري قد تخلف آثارا سلبية على الأوضاع التونسية سواء على المستوى الأمني أو السياسي أو حتى الاقتصادي. "التونسية" استطلعت آراء النخب السياسية اعتبر الجيلاني الهمامي ان تصريحات الظواهري تهديد صريح للاستقرار النسبي في تونس ودعوة الى خلق حالة من الاقتتال بين التونسيين وهي دعوة معادية لتونس ولمصلحة شعبها الذي يتطلع الى الاستقرار والامن والتنمية. وقال الهمامي «أعتقد ان هذه التصريحات الخطيرة من شأنها أن تشجع القوى اليمينية المتطرفة التي تدعي امتلاك الحقيقة على استعمال العنف واستدراج الشعب التونسي الى متاهة الخوف والارهاب». ودعا التونسيين، الذي يثق في وعيهم وذكائهم، الى عدم الاكتراث بمثل هذه الدعوات الصادرة عن أوساط مشبوهة من صنع الامبريالية الامريكية والتركيز على مصالح الشعب التونسي. نبحث عن رضا شعبنا فقط من جانبه قال عبد الحميد الجلاصي الناطق الرسمي لحزب «النهضة» ان حركتهم اسلامية وسطية معتدلة تنطلق من المرجعية الاسلامية لا شك وتعتز بذلك ولكنها تنطلق من ذلك وفق منهجية تجديدية تؤكد الثوابت ولا تحل حراما ولا تحرم حلالا وتفسح النظر في مجال المصالح التي ما جاءت في الرسالة الاسلامية الا لتحقيقها قائلا «الاسلام جاء لسعادة الناس في دنياهم وآخرتهم". وأضاف الجلاصي أن «النهضة» حركة تونسية والاسلام راعى الخصوصيات ما لم تتعارض مع أصوله وكلياته و«النهضة» تبنت الفصل الاول من دستور 59 لانه بتأكيده أن الاسلام دين الدولة يحدد اطارا ومرجعا للتربية والثقافة والتشريع ولان الاكتفاء بهذا الفصل يحقق مقصدا عظيما من مقاصد الشارع وهو حماية الوحدة الوطنية في مجتمع مسلم ولا أحد يحق له أن ينكر عليها ذلك. كما يجنب البلاد التصدعات الثقافية الحادة فيهدد السلم الاهلي ويفشل الثورة. وأكد الجلاصي أنه " ليس من حق أي كان التشكيك في التزامنا بمرجعيتنا". ونفى الجلاصى اتهامات الظواهري بأن حركة «النهضة» تبحث عن رضا امريكا والاتحاد الاوروبي.. قائلا « نحن لا نبحث الا عن رضا شعبنا وأمتنا وخدمة مصالحهما العليا وفي اطار ذلك نتفاعل مع الجميع من موقع الندية بل ان فهمنا الوسطي للاسلام هو الذي سينقل أمتنا من موقع الهامشية والانحطاط والتبعية الى موقع المفاهيم الجادة في صياغة المستقبل الانساني المشترك". وقال أن الرسالة الاسلامية جاءت رحمة للناس كافة وبالتعبير القرآني "رحمة للعالمين". ونفى الجلاصي معرفته بدوافع الظواهري الحقيقية قائلا «لا أعلم دوافعه لمثل هذه التصريحات والادعاءات» داعيا التونسيين الى اليقظة والتوحد وعدم الخوف قائلا «ما دُمنا متلاحمين لا خشية علينا من أي كان» مؤكدا أن «الخطر يأتي دائما من الاحتقانات الداخلية". وعبر الجلاصي عن استبشاره بمشاركة الشباب المتدين في العمل الجمعياتي والمنظماتي والحزبي (أي السماح لكل صاحب فكرة ان يروجها في اطار من المنافسة السلمية دون اكراه أو فرض ) مؤكدا ان «هذا التمشي الحكيم والراشد سيفكك الالغام ويهمش التهديدات من أي طرف كان". الالتفاف حول الحكومة قال عبد الله العبيدي أن تصريحات الظواهري تحتم على التونسيين اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الالتفاف حول الحكومة الشرعية وعموما حول الشرعية في بلادنا قصد التصدي للارهاب الذي يدعو اليه هذا الرجل. واعتبر العبيدي أن حتى «النهضة» التي يشترك معها أغلب الطيف السياسي في الاعتدال واذا كانت اليوم محل تهجم من طرف الظواهري فإنه يرى فيها تونس المعتدلة أكثر مما يرى فيها حركة دينية متطرفة. وأكد العبيدي أن التونسيين مؤهلون اكثر من غيرهم لتولي شأنهم السياسي بأنفسهم وتحديد اولوياتهم ومصالحهم والنمط المجتمعي الذي يبتغونه داعيا الى ضرورة مد الجسور بين مختلف العائلات السياسية في تونس طالما أن هذه العائلات تحترم الشرعية والقانون وتلتزم بالمثال الحضاري الذي اختاره الشعب لنفسه، نافيا تأثير تصريحات الظواهري على عموم التونسيين لكن دعاهم الى حماية تونس من ويلات التطرف التي عاشتها وتعيشها الكثير من البلدان والشعوب من حولنا. وختم العبيدي قائلا «تونس لن تتحول الى افغانستان". لا للتدخل الأجنبي رفض محمد خوجة، رئيس حزب الاصلاح ذو الخلفية السلفية، أي تدخل من طرف خارجي في شؤون البلاد. وقال «مبدئيا نقبل النصيحة من أي طرف لكننا لا نقبل التدخل في الشؤون الخاصة للبلاد او نظامها أوكيفية تسيير شؤون العامة كما لا نقبل التهديدات مهما كان مصدرها". واضاف خوجة أن الحزب مازال مصرا على ضرورة اعتماد الشريعة مصدرا للتشريع في الدستور لكن هذه المسائل لا تأتي الا عن طريق النقاش والحوار وهي الوسيلة الوحيدة لإقناع الناس. ورفض خوجة تهديدات الظواهري وتحريضه للتونسيين ضد بعضهم البعض داعيا اياهم الى الالتفاف حول مبادئ ثورتهم وترك الخلافات الايديولوجية جانبا مؤكدا ان مصلحة البلاد فوق كل اعتبار.