يكتبها: أبو يوسف قامت الدنيا ولم تقعد حول تسليم البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية وانبرى كلّ طرف يدافع عن موقفه ويقدّم المبرّرات القانونية والسياسية والأخلاقية للعملية ويكيل، في الوقت ذاته، التهم للأطراف الأخرى وانتقل الصراع إلى قبّة المجلس الوطني التأسيسي الذي لم يجمع على رأي منذ انتصابه بقصر باردو. صراع لن يمكّن من استرجاع المحمودي الذي سيلقي ما سيلقى من تعذيب وتنكيل حسب البعض أو من معاملة حسنة ومحاكمة عادلة حسب البعض الآخر، ولكن هل يضرّ الشاة سلخها بعد ذبحها? على كل ستثبت الأيّام القادمة وجاهة هذا القرار من عدمه. في الأثناء أعلنت الحكومة، وبشكل مفاجئ، عن قرارها بتمتيع جميع مواطني بلدان المغرب بما يسمّى بالحرّيات الخمس أي «حرية التنقّل ودخول التراب التونسي بمجرّد الاستظهار ببطاقة الهويّة، والعمل دون ترخيص من وزارة التشغيل، والإقامة دون الحاجة إلى بطاقة إقامة، والحقّ في التملّك، والمشاركة في الانتخابات البلدية بعد التنصيص على ذلك في الدستور الجديد». إجراء هام وخطير في نفس الوقت لأنّه يتعلّق بحاضر البلاد وبمستقبلها في محيط مغاربي مايزال يشهد الكثير من الريبة بين أعضائه وصراعا خفّيا بين الجزائر والمغرب حول قضّية الصحراء الغربية، التي استعصى حلّها حتى على الأممالمتحدة، وهو صراع أدّى إلى قطع العلاقات بين البلدين الشقيقين وتعطيل مسيرة الاتحاد المغاربي بداية من سنة 1994 أي خمس سنوات بعد إمضاء اتفاقية مراكش في فيفري 1989. إنّ تحقيق الوحدة المغاربية حلم لطالما راود مواطني البلدان الخمسة منذ سنوات عدّة، وضع لبنته الأولى مؤتمر طنجة الذي جمع حزب الاستقلال المغربي، الحزب الدستوري التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية من 28 إلى 30 أفريل 1958، وقد جسّدت مقرّرات المؤتمر «هذه الإرادة الوحدوية المغاربية من خلال وضع الأسس لتحقيق وحدة المغرب العربي عن طريق مؤسسات مشتركة». ولكنّ الأحداث التي أعقبت استقلال البلدان المغاربية ومنها بالخصوص «حرب الرّمال» بين المغرب والجزائر سنة 1963 والصراع القائم بين البلدين منذ 1976 حول قضيّة الصحراء الغربية أعاقت تقدّم انجاز هذا الحلم. ولئن استبشر مواطنو البلدان الخمسة باتفاقية مراكش فإنّ آمالهم في تحقيق الحلم المغاربي قد انكسرت بعد فترة وجيزة من الزمن لتندثر في كثبان رمال الصحراء. إنّ القرار التونسي بفتح الحدود بداية من غرة جويلية القادم والشروع في تطبيق مبدأ الحريات الخمس بصورة أحادية ولئن يعتبره البعض «خطوة إيجابية ومنسجمة مع روح الثورة ودليل على تشبث تونس بمطلب استعادة روح المغرب العربي الكبير واضطلاعها بمسئولياتها كاملة في هذا المجال» فإنّه، من جانب آخر، ينطوي على مخاطر عدّة إذا لم يكن متبوعا بقرارات مماثلة من طرف بقيّة البلدان. فتونس هي البلد الأصغر مساحة من بين البلدان الخمسة إذ تمثل مساحتها 163.610 كلم مربّع مقابل 2.381.741 كلم مربّع للجزائر و 1.759.540 كلم مربّع لليبيا و 1.030.700 كلم مربّع لموريتانيا و 710.580 كلم مربّع للمغرب(باعتبار الصحراء الغربية). ومن حيث السكان فهي تأتي في المرتبة الثالثة بحوالي 11 مليون نسمة بعد الجزائر( حوالي 36 مليون نسمة) والمغرب (حوالي 32 مليون نسمة) وقبل ليبيا (حوالي 6.5 مليون نسمة) وموريتانيا (حوالي 4 ملايين نسمة). أمّا التركيبة السكانية لبلدان المغرب العربي فتتشكّل من «عنصر عربي وأمازيغي ويتغلّب سكان المغرب بأغلبية أمازيغية والتي يبلغ حولي 22 مليون أمازيغي من مجموع سكان المغرب الذي يبلغ حوالي 32 مليون والبقيّة من عنصر عربي وبعض الآلاف من اليهود. أما الجزائر فالعنصر العربي هو الغالب والذي يبلغ 28 مليون عربي والبقية من عنصر أمازيغي من مجموع سكان الجزائر الذي يبلغ 36 مليون نسمة. أمّا تونس وليبيا فأغلبية سكّانهما من العرب والبقية من أمازيغ. أمّا سكان مويتانيا فأغلبيتهم من عرب وأمازيغ والبقية أفارقة» ومن جهة أخرى فإنّ الموارد الطبيعية تختلف من بلد إلى آخر وبقدر ما تتمتّع به الجارتان ليبيا والجزائر من موارد نفطية فإنّ موارد تونس في هذا المجال محدودة بنفس محدودية مساحتها الفلاحية والتي يمنع على غير التونسيين تملّكها تماما مثل الجزائر التي تحجّر على غير مواطنيها امتلاك أراض فلاحية، وبجدر التذكير بالصعوبات الجمّة التي حالت دون تسوية وضعيات بعض المواطنين الجزائريين الذين كانت لهم أملاك فلاحيه في تونس قبل استقلال بلدهم وذلك بعد صدور قانون 12 ماي 1964 القاضي بتأميم جميع الأراضي الفلاحية التي هي على ملك الأجانب. سوف لن أتحدّث عن اختلاف القوانين والثقافات حيث أنّ تونس تتميّز عن بقيّة البلدان المغاربية باعتماد مجلّة أحوال شخصية رائدة في حين أنّ تعدّد الزوجات مايزال قائما في بقية البلدان ولو بطريقة جدّ مضبوطة أحيانا،كما تتميّز بنسبة تمدرس عالية وبأقلّ نسبة أميّة في المنطقة بفضل السياسة التربوية والتعليمية المنتهجة منذ الاستقلال والتي أتت أكلها، لأترك الأمر إلى أهل الاختصاص. ولكن في المقابل يقول العارفون والمحلّلون أنّ هذه المبادرة التونسية المفاجئة والغير مسبوقة ستكون لها انعكاسات كبيرة على الأوضاع الداخلية للبلاد التي تشكو من الهشاشة في جميع الميادين وخاصّة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية منها. فنسبة البطالة في صفوف الشباب مرتفعة و هي ظاهرة متفشّية في بقية بلدان المنطقة وبالتالي فما هو مدى استعداد الحكومة لاستيعاب باحثين جدد عن العمل و الذين قد تتجاوز أعدادهم الآلاف في حين أنّها عاجزة، بحكم محدودية الإمكانيات بالخصوص، على توفير الشغل للتونسيين. كما أنّ هيكلية الاقتصاد التونسي وهشاشته لا تساعد على فتح المجال أمام باعثين صغار جدد للاستثمار في تونس. أمّا عن الأوضاع الاجتماعية فالمسألة ستكون لها انعكاسات أخرى بحكم تركيبة المجتمع التونسي التي حدّدت ملامحه مجلّة الأحوال الشخصية والذي يشهد حراكا كبيرا ومتسارعا أحيانا قد يصعب عليه «هضم» الوافدين الجدد. ولكن الانعكاسات الأخطر ستكون بدون شك على الوضع الأمني في البلاد ولا ندري هل أنّ لوزارة الداخلية التونسية منظومة أمنية متكاملة تسمح لها بالتعرّف على هوية المجتازين لحدود البلاد بمجرد الاستظهار ببطاقة الهويّة لبلدهم الأصلي خاصّة في ظل أوضاع أمنية دقيقة وفي ظل بداية تواجد مجموعات إرهابية على الحدود وكيف يمكن للأجهزة الأمنية التأكّد من عدم تسرّب عدد من المحسوبين على التيارات الإرهابية وتلك المتشددة داخل التراب التونسي؟ وتبقى عديد الأسئلة مطروحة، لماذا أقدمت الحكومة على اتخاذ هذا الإجراء بهذه السرعة وقبل انعقاد القمة المغاربية المنتظرة? هل درست مليا عواقبه، من حيث أنّه قد يرتهن مستقبل البلاد وهويّتها ويجعلها عرضة لعديد الأخطار? هل أنّ القوانين التونسية الحالية تسمح بتجسيم مبدأ الحريات الخمس? هل عرضت الحكومة هذا القرار على مصادقة المجلس الوطني التأسيسي? هل يحقّ لحكومة مؤقتة، وإن كانت شرعية، اتخاذ قرار بمثل هذه الخطورة والذي يفترض عرضه على الاستفتاء الشعبي العام، باعتبار الشعب صاحب السيادة، كما هو معمول به في البلدان الديمقراطية? وما مدى تقبّله من طرف البلدان المغاربية الأخرى? أم تلك مسائل أخرى لا يحقّ للآخرين بمن فيهم الشعب الخوض فيها. موسوعة ويكيبيديا