ضمن لقاءات منتدى التقدم لحزب الوحدة الشعبية نصف الشهرية والتي يديرها «العادلان» عادل حاج سالم وعادل القادري، نظم المنتدى لقاء حول موضوع «اتحاد المغرب العربي». الأسئلة حول الموضوع كانت عديدة وطرح الأجوبة وجيهة .والحضور مقنع ومقتنع. السؤال الأساسي: لماذا لم ينطلق فعلاً اتحاد المغرب العربي؟ ولماذا بقيت القرارات مبتورة؟ مرت 21 سنة على تاريخ تأسيسه منذ 1989 ولم تنفذ من مشروعاته وعددها 37 أكثر من 7 اتفاقيات. ما هو المغرب العربي؟ هل هو فكرة؟ أم وجدان؟ ما الذي يجمعه؟ البحر؟ الصحراء؟ الياسمين؟ الناس؟ لغة واحدة؟ وطنية؟ دين واحد؟ هل هو هوية؟ وحدة؟ حياة إجتماعية؟ قومية؟ إحتياجات إقتصادية؟ المغرب هو كل هذا . وأشياء أخرى. أو بالأحرى كان المغرب كل هذا. وكأن وجود الإستعمار ساعد على وحدة المغرب العربي. الوحدة المغاربية كانت موجودة عبر العلاقات العائلية والإجتماعية للعائلات المهاجرة. في كل بلد في المشرق هناك حي المغاربة حيث يقطن سكان المغرب العربي ويتزاوج الصبايا والشباب. يحتفلون ويحزنون معاً في بلد يعتبرونه بلدهم الروحي، لكن الذاكرة الجماعية تجمعهم عادات وتقاليد. جدتي في دمشق تزوجت خمس مرات، أربعة أزواج كانوا من تونس، المغرب، الجزائر وليبيا. قدمت لي أكبر هدية فأينما حللت. أجد أهلا وعشيرة.أنا نفسي بحكم إقامتي في الشمال الغربي فترة .تابعت دراستي الجامعية في جامعة باجي مختار بعنابة. عبر الحدود التونسيةالجزائرية والحدود التونسية الليبية كان التبادل التجاري نشيطاً .ثم الحدود الجزائرية المغربية نفس التبادل . في باب الوطنية المشتركة بلا حدود. أحداث ساقية سيدي يوسف جمعت القطرين تونسوالجزائر. في معركة الجلاز توفي 18 ليبيا شاركوا في المعركة. وفي مظاهرة الإحتجاج لمقتل فرحات حشاد سقط 104 شهداء مغاربة. لسنا بحاجة لتأكيد الرابطة بكل مجالاتها ومعانيها . الحدود لم تكن موجودة ، وكأن إستقلال البلدان المتجاورة جعل كل منهم يتقوقع ضمن فقاعة المصلحة الخاصة . ابتدأت الحدود المعنوية والمادية تترسخ ، لم تعد المصالح مشتركة .ولا التطلعات واحدة. أصبح لكل تاريخ يريد أن يرسمه منفصلاً عن تاريخ جاره.وإنهارت أوضاع العلاقات الجماعية. الوجدان والتاريخ والروابط العائلية والمصلحة الإقتصادية، المشاكل والآفاق والحلول المستعصية، كلها تربط هذه الرقعة من الأرض. فلماذا لا يمكن دعم هذا الحلم المغاربي؟ لماذا أصبحت هذه البلدان تهتم بمشاكلها الداخلية فقط والتي هي شبيهة. وأسهل حلها جماعة. لماذا تنفي الآخر وتخشاه؟ لماذا هذا الخوف من الجار ما زال موجوداً عند أصحاب القرار اليوم، هم جيل مخضرم عاش فترة الإستعمار وفترة ما بعد الإستعمار، هل هو خوف من الماضي وخذلان الماضي، هل سننتظر أجيالاً أخرى ليست لديها عراقيل داخلية تحملها من الماضي وتجترها. الذاكرة لا تمحى بين عشية وضحاها، ما زالت الشظايا القديمة بين ليبيا وتونس والوحدة الموؤودة. والصحراء الغربية تشتت معنى الإتحاد بين الجزائر والمغرب . مخلفات تبقى شئنا أم أبينا. لكن شعوب المغرب العربي خسرت كثيرا جراء فشل أنظمتها في إطلاق اتحاد قوي يصمد أمام الخلافات السياسية والنزاع حول القيادة. يكفي أن المواطن المغربي يشتري البنزين بسعر يعادل سعره بالجزائر 8 مرات ويشتري المواطن الجزائري منتوج الأسماك بسعر قد يزيد عن سعره بالمغرب بعشرين مرة، ونفس الشيء بالنسبة لكثير من المنتجات الفلاحية والأدوية ومنتجات الصناعة الغذائية. وعلى صعيد الاستثمار، خسرت دول المغرب العربي كثيرا جراء سياسة توظيف فوائضها المالية في السندات الخارجية بسبب تراجع الفائدة في النظام النقدي الأمريكي. وكان من الأنجع، اقتصاديا، أن تخصص تلك الموارد المالية للاستثمار في دول المغرب العربي ضمن خطة مشتركة للمشروعات التي تتطلب أسواقا واسعة. وتعمل الجزائر حاليا على بناء مصنع لتركيب السيارات موجه لجزء من الطلب الداخلي، ويعمل المغرب في نفس الاتجاه، وهكذا يساهم البلدان بشكل منفرد على تحطيم قاعدة الاستفادة من مزايا الإنتاجية الحدية لرأس المال، فضلا عن تفويت فرصة الاستفادة من سوق مشتركة حجمها 70 مليون نسمة إذا استثنيا أسواق بقية دول المنطقة والسوق الافريقية. كما أطلقت الجزائر مشروع الطريق السيار شرق غرب بميزانية رأسمالية ضخمة وهو مشروع سيفقد كل قيمة اقتصادية خارج التبادل التجاري البري بين دول الساحل المغاربية وهو تبادل لا يضمنه سوى اتحاد قوي مزود بنظام إنتاج وتسويق منافس. وتخسر دول المغرب العربي سنويا ما يعادل 3 بالمائة من مجموع ناتجها الداخلي كفرصة ضائعة من منظومة الاتحاد بحسب تقديرات البنك العالمي وهي خسارة كبرى لا أحد يستوعبها في مشهد التنافس الدولي والإقليمي على تحقيق أكبر مردودية ممكنة من السياسات الاقتصادية التي بإمكان الدول انتهاجها. نحن شعوب نتعامل بالعاطفة فلنسأل سؤالاً في هذا المجال: هل الشعوب الأوربية تحب بعضها أكثر مما نحب نحن بعضنا؟ أم أنه يجب أن نلغي العاطفة لينجح الإتحاد؟ أسئلة تطرح كل يوم. من المسؤول عن تقهقر كل قرارات عمل مشترك. لكن السؤال الحقيقي : هل حقاً نريد لهذا المغرب العربي أن يتحد؟