هل تعتبر المساجد أماكن عبادة فحسب أم هي فضاءات لتلقين الدروس وتنمية الفكر البشري؟ هل بات المواطن اليوم متنصلا من مسؤوليته في الدفاع على بيوت الله خوفا من ردة فعل بعض المتشددين؟ وهل للمسجد دور بعد الثورة؟ ماهي الإشكاليات والآليات لتجنب ظاهرة تسييس بيوت الله؟ كيف يمكن تحقيق انضباط الأئمة والوعاظ على المنابر في شهر رمضان الكريم؟ما المسؤولية التي تتحملها وزارة الشؤون الدينية إزاء استخدام أئمة للمساجد كمنبر للدعاية الحزبية والعمل السياسي؟ هل سيكون الحزب الحاكم حزبا دعويا داخل هذه الفضاءات ام انه سيتعامل معها بغية التوظيف السياسي؟... هذه جملة من التساؤلات التي تم طرحها خلال المائدة المستديرة التي نظمها أمس حزب «الأمان» والتي خصّصت للنقاش حول مدى الالتزام بحيادية المساجد عن كل التجاذبات السياسية والتوظيف الإيديولوجي لفائدة هذا الطرف او ذاك عملا بقوله تعالى «أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا»، خاصة أن «شهر رمضان الكريم، الذي يتعارض مع المشاكل التي تدفع بالساحة السياسية إلى المجهول ، بات على الأبواب ولا تفصلنا عنه سوى بعض الساعات القلائل»-على حد تعبير الأزهر بن الحبيب بالي رئيس حزب «الأمان»-. وتعتبر هذه المائدة المستديرة باكورة سلسلة من الموائد المستديرة التي ينظمها حزب «الأمان» بعنوان «الأمان في الشأن العام»،كما تميزت بتعدد الأطراف المدعوة للحوار والنقاش وتبادل الآراء ومن ذلك نذكر ممثلا عن رئاسة الجمهورية وممثلا عن وزارة الشؤون الدينية وعبد الرؤوف العيادي عن «حركة وفاء» ومحمد صالح الحدري عن «حزب العدل والتنمية» و«حزب العمال» وجبهة الجمعيات الإسلامية وحركة الخيار الثالث وحزب «الإصلاح والتنمية» وجمعية دار الحديث الزيتونية... وافتتح رئيس حزب «الأمان» السيد «الأزهر بالي»، سلسلة المداخلات بكلمة أكد من خلالها أن هذه المائدة المستديرة تتنزل في إطار إحساس حزبه بضرورة «الإشارة ووضع الإصبع على إحدى المعضلات والمشاكل الاجتماعية التي تدفع الساحة السياسية إلى المجهول ومنها مشكل كيفية الحفاظ على بيوت الله التي صارت منابرها فضاء للدعاية الحزبية والعمل السياسي»-على حد تعبيره-. لا يمكن أن يتواصل إنزال الأئمة من على المنابر... وفي إشارة منه إلى ما باتت تعانيه المساجد من مشاكل من قبيل الاعتداء على الأئمة وإنزالهم من على المنابر والاعتداء على المصلين وترويعهم، قال بالي: «إن أحداث العنف التي طالت عددا من المساجد كانت آخرها أحداث الجامع الكبير بصفاقس لا يمكن حلها إلا بالمحاججة والمناقشة والمعاملة بالحسنى»، ليضيف رئيس المكتب السياسي لحزب «الأمان» السيد اسكندر الرقيق قائلا: «لا يمكن أن يتواصل إنزال الأئمة من على منابر المساجد من طرف بعض الأهالي الذين ينظرون إليهم (الأئمة) على أنهم مجرد حرس وعسس النظام القديم خاصة بعد عام ونصف العام من اندلاع الثورة، وهي لظاهرة خطيرة على الثورة لما لها من قدرة على التنظير للفرقة ونشر لثقافة العنف والتعصب والتشدد...». مشكل سياسي بالأساس ! كما أكد رئيس حزب «الأمان» أن مشكل لا حيادية المساجد يعتبر مشكلا سياسيا بالأساس، قائلا: «اعتبره مشكلا سياسيا لان البلاد يحكمها حزب ترعرع في المساجد وهو حزب لا يزال حاضرا بقوة في المساجد حيث انه يراوح بينها وبين مقراته» وطالب بالي من حركة «النهضة» أن تبرهن أنها حركة تركت الفضاء الديني وخرجت للفضاء المدني حتى تخوض العمل السياسي. قرار «النهضة» سيقودنا إلى معركة غير متكافئة ! وأضاف بالي: «إن حسم «النهضة» وإصرارها على عدم الفصل بين العمل الدعوي والعمل السياسي خلال مؤتمرها الأخير يعني أنها لا تريد أن تخسر مصدر قوتها ووقودها الانتخابي ومخزونها الاستراتيجي، وهذا سيقودنا الى معركة غير متكافئة وضبابية المعالم»،ليطالب بالي من الحزب الحاكم ان يتحلى بالنية الصادقة في الفصل بين العمل الدعوي والعمل السياسي من خلال الفصل بين المساجد ومقرات الحزب. كما طالب اسكندر الرقيق بتفعيل مبدإ الاستقلالية في تسيير المساجد وضمان مبدإ الحيادية وفرضه بالقانون ان لزم الامر وفرض مراقبة دورية على الانشطة الدينية ومراقبة دور الوعاظ والائمة وإشراف وزارة الشؤون الدينية على تنظيم انتخابات لهيئة تدير المسجد واختيار امام خمس وامام جمعة خطيب...مضيفا: «ان في هذه الانتخابات تفعيل للممارسة الديمقراطية القاعدية في تسييرها للشأن العام والحفاظ على حيادية المساجد هو من كبريات الشؤون العامة».