يكتبها منير بن رمضان عرفت العلاقة بين حكومة «الترويكا» واتحاد الشغل حالة من المد والجز، وتنطبق عليها مقولة لينين الشهيرة «خطوتين الى الوراء ..خطوة الى الأمام». وذلك على خلاف التصريحات المعلنة من الجانبين، والتي يعلنان فيها عن تمسكهما بالحوار بغاية الوصول الى التأسيسي لعقد اجتماعي وفاقي، على قاعد «لا غالب ولا مغلوب». والعمل بالتالي على تجنب «التصادم» لأنه ليس في مصلحة لا القصبة ولا ساحة محمد علي. وهذا ما اكد عليه حمادي الجبالي في الحوار الذي بثته مؤخرا القنوات التلفزية المحلية. والذي ورد في سياق يتسم بالتوتر في العلاقة بين الحكومة والمنظمة الشغيلة، على خلفية ما أصبح يعرف ب«بقضية نقابيي مستشفي الهادي شاكر بصفاقس»، والتي أعادت العلاقة الى المربع الأول. وتجدر الاشارة الى أن بوادر «التوتر» كانت قد برزت منذ الاجتماع الأول بين الاتحاد وحكومة الجبالي. والجميع يستحضر تلك «المناوشة» بين بعض أعضاء المكتب التنفيذي ولطفي زيتون الوزير المستشار لدي رئيس الحكومة. وهو ما أثر على ظروف و«بيئة» انطلاقة الحوار بين الطرفين، بل حكمت مسار العلاقة الى اليوم. في ذلك اللقاء الذي استمر أكثر من أربعة ساعات توصل الطرفان الى الاتفاق على بعث لجنة وطنية تتكوّن من 5 نقابيين و 5من ممثلي الحكومة تلتقي بصفة دورية بمعدل مرة في الشهر لمتابعة الملفات محل التفاوض. وأكدت لنا مصادر قريبة من الحكومة والاتحاد، أن فريق الجبالي أطلع النقابيين على حقيقة الوضع الصعب الذي تمر به البلاد، في محاولة منه لكسب ود المنظمة الشغيلة من جهة ومصارحتها بالحقيقة كما هي ماثلة في الواقع وبالتالي دعوة الشغالين الى تفهم الشأن الجاري في حواراتهم ولقاءاتهم التفاوضية. وجاء رد المنظمة الشغيلة في غير انتظارات الحكومة. وقد اختارت القيادة النقابية أن يكون جوابها ب «نعم...لكن»، أي أنها لن تقدم شيكا على بياض للحكومة أولا و»لا تنوي عرقلتها» ثانيا. كما طغت على اللقاء – ثم على اللقاءات التي تلته- أجواء من الشحن المتبادل بسبب الاختلاف في التقييم وفي التعاطي مع الأحداث اضافة الى وجود مواقف ما قبلية لدى كل طرف، ما عمق «أزمة الثقة» الموجودة أصلا. والتي تغذت بالخصوص من الاختلاف الذي برز في السابق بين بعض مكونات الترويكا –حزب المؤتمر- والقيادة النقابية السابقة التي لم تقطع من حيث التصورات والمنهج مع القيادة الجديدة التي أفرزها مؤتمر طبرقة. ولا يخفي سواء من خلال التصريحات أو المواقف أو تعدد «المبادرات» أن قيادة المنظمة الشغيلة تبحث عن «دور» سياسي يتجاوز سقف بعدها الاجتماعي الى «شريك» في ادارة الشأن العام بعد سنوات طويلة من الابتعاد عن الحقل السياسي. مستفيدة في ذلك من تراجع أداء الأحزاب، التي قد يكون البعض منها اختار نقل المعركة الدائرة بين النهضة والأحزاب، الى معركة بين النهضة والاتحاد مستفيدة في ذلك من «الرصيد الرمزي» للمنظمة النقابية. كما أن بعض رموز ساحة محمد علي وخاصة تلك المحسوبة على اليسار، يعملون بالليل والنهار على ايجاد علاقة متوترة بين الحكومة والمنظمة الشغيلة، بسبب حالة الاصطفاف السياسي والايديولوجي التي تميز المشهد السياسي العام في البلاد. وفي هذا الاطار تتهم الحكومة في السر والعلن تحرك بعض مكونات ما أصبح يعرف ب «ماكينة» الاتحاد لارباك «حكومة النهضة»، وان كان هذا لا يحسب على القيادة النقابية ولا يلزمها. ولعل هذا ما يفسر تكاثر بل تناسل الاضرابات بكيفية بدت وكأنها «مدبرة بليل». وتوزعت بصفة «محكمة» جهويا وقطاعيا. وأعادت للمتابعين قوة وفاعلية «الماكينة» التي «هدد» القيادي السابق عبيد البريكي ب«تشغيلها» في رده على الاتهامات التي وجهتها لجنة مقاومة الفساد برئاسة المرحوم عبد الفتاح عمر الى عدد من القيادات النقابية ومن بينها الأمين العام السابق عبد السلام جراد. وفي انتظار تبين الخط الأبيض من الأسود، فإن العلاقة بين الحكومة وقيادة الاتحاد ليست في أحسن أوضاعها، لكنّ الطرفين يدركان جيدا ضرورة الحفاظ على شعرة معاوية.