التونسية – قليبية- محمد الصادق الأمين افتتحت مساء الأحد الدورة 27 لمهرجان قليبية الدولي لفيلم الهواة بدار الثقافة بقليبية، وهي دورة تتزامن مع الاحتفال بالذكرى الخمسين للجامعة التونسية للسينمائيين الهواة التي تخرّج منها (لا تخرّج منها حسب أستاذنا المنجي الشملي) عدد من أهم السينمائيين التونسيين باختلاف أجيالهم، بمشاركة 18دولة و48 فيلما في أقسام المهرجان بين مسابقات(المسابقة الوطنية مدارس، المسابقة الوطنية هواة ومستقلين والمسابقة الدولية) ولقاءات (بابا ديوب من السينغال ودومينيك والون من فرنسا وشفيع أغا محمديان من إيران) وورشات (أفلام التحريك بإشراف زهير محجوب والفيلم الوثائقي الإبداعي بإشراف وليد الطايع) وندوة عن خمسينية الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة وسهرات خاصة عن فلسطين وسينما الأحياء بداكار... وبالمناسبة نسأل القائمين على المهرجان- وهم في ما يبدو شبان متحمسون مؤمنون بأن السينما الملتزمة قادرة على أن تمنح للحياة معنى يغيب عن إدراك إخواننا الذين لم يأتوا من المريخ - نسألهم عن سبب حذف مدينة قليبية من التسمية الرسمية للمهرجان الذي عرف منذ ميلاده بأنه مهرجان قليبية الدولي لسينما الهواة أو فيلم الهواة، فلماذا أصبح اليوم «المهرجان الدولي لفيلم الهواة» لتكتب قليبية بخط ضامر على الهامش والشيء ذاته في تسمية المهرجان بالفرنسية والإنقليزية في مختلف المحافل. فلماذا سقطت قليبية من العنوان؟ هل هو مجرد سهو غير مقصود أو أن ذلك يؤشر لإمكانية ترحيل المهرجان إلى مكان آخر لعله يكون أكثر استعدادا لاحتضان هذه التظاهرة الاستثنائية؟ وهنا علينا أن نكون واقعيين وبعيدا عن الشعارات والمجاملات التي لا تقدم أو تؤخر: فما هي صلة المهرجان اليوم بقليبيةالمدينة والناس؟ أما عن علاقة المهرجان بالسلطة المحلية فهي بين مدّ وجزر، ففي السنوات الماضية كانت المسألة مرتبطة بشخصية رئيس البلدية ومزاج والي نابل وهل هما من أحباء السينما أم لا، فبلدية قليبية لم تمنح إلى غاية يوم إفتتاح الدورة 27 فلسا واحدا للمهرجان الذي رصدت له وزارة الثقافة منحة قدرها 45 ألف دينار بزيادة عشرة آلاف دينار عن الدورة الماضية فضلا عن تكفل الوزارة بتذاكر سفر الضيوف وخدمات التنقل من العاصمة إلى قليبية والتجهيزات الصوتية والضوئية وهو مجهود لا يترك لنا أي مجال للوم وزير الثقافة مهدي مبروك كما علّق على ذلك أحد ضرفاء مهنتنا. لقد كانت قليبية جزءا أصيلا من المهرجان ولا شك أنّ أصحاب الذاكرة الحيّة لم ينسوا عروض منتصف الليل بمقهى سيدي البحري التي تم التخلي عنها دون موجب لنجد شبيها لها في مهرجان «كان» الذي أحدث قسم «سينما الشاطئ». ولكن بمرور السنين بتنا نلاحظ هشاشة العلاقة بين قليبية ومهرجان يفترض أنه يحمل إسمها وقد بلغ الأمر في الدورة الماضية حدّ التشكيّ من بعض سلوكات المهرجانيين من طرف بعض الأهالي... من السهل جدا أن نلقي بالمسؤولية على طرف دون آخر ولكن الواقع يبيّن أنّ كل الأطراف مسؤولة عن قطع حبل الصرّة بين قليبية ومهرجانها، بدءا من الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة وقليبية ممثلة في مجلسها البلدي ومكونات مجتمعها المدني النائية بنفسها عن المهرجان. صحيح أن كثيرا من شباب المدينة تابعوا سهرة الافتتاح ولكن لأية غاية؟ فقد رأينا البعض ممتدا على المقاعد وكأنه مستلق على أريكة البيت أو قبالة الشاطئ ولن نعلّق على المفردات التي كانت تشنف الآذان بين مجموعات جاءت لكل شيء إلا للفرجة . ولا شك سادتي أن كل من زلّت قدمه في سهرة الأحد الماضي ودخل دورات المياه (بعبارة أكثر وضوحا، المراحيض) هاله ما رأى؟ ولعل الصور المصاحبة تغني عن كل تعليق، فالنور مقطوع والماء أيضا. أما عن بقية التجهيزات فهي إما مهشمة ملقاة على الأرض أو هي متعفنة بعد أن تراكمت فيها الأوساخ والفضلات البشرية، وعليكم أن تتخيلوا الروائح الكريهة المنبعثة منها، ثم ما قولكم ومسرح الهواء الطلق ذو المقاعد الإسمنتية قد غصّ بالمتفرجين ومن بينهم ضيوف من القارات الأربع؟ أين مدير دار الثقافة بقليبية (قليبية التي منع فيها يوسف الصديق من إلقاء محاضرة فتمسك بإلقائها في الشارع) هل أضناه التنقل من مكتبه لتفقّد دورة المياه وهي لا تبعد عنه سوى عشرة أمتار؟ وأين جماعة المهرجان ؟ كيف يسمح هؤلاء لأنفسهم بتنظيم مهرجان دولي يرفع شعار الحرية والنضال والدفاع عن القضايا العادلة وهم يعجزون عن تهيئة دورة مياه تليق بالاستعمال الآدمي؟ ما الذي حدث ليصاب هؤلاء بالغفلة أو الغفوة؟ لنطو هذه الصفحة القاتمة ولنعد إلى حفل الافتتاح. ما رأيكم في أن الحفل الذي كان يفترض أن ينطلق في التاسعة والنصف ليلا تأخر لأكثر من ساعة لتصعد الشابة بديعة البوحريزي بقيتارتها لتغني ما اشتهت هي، فيما ظل بعض الشبان ممن دخلوا المسرح لغايات أخرى غير الفرجة يهتفون بإسم بديعة بطريقة مستفزة غير بعيدة عن هتافات الملاعب المهجورة بفضل «الويكلو». غنت بديعة البوحريزي وهي ترتدي قميصا أسود اللون خط عليه «ما تطيحنيش» وقامت بديعة بتفسير هذه العبارة فإذا بها توجه حديثها لأصحابها تنصحهم بالتخلي عن تعاطي «الزطلة» حتى يتجنبوا إهانة البوليس لهم وعرضهم على الاختبار إلى أن يتغير القانون؟ أي نعم يا جماعة الخير وتصبح «الزطلة» حلالا بائنا، وأوصتهم بمواصلة النضال وبعدم «تطييح رؤوسهم» للبوليس بسبب تناولهم للزطلة(نوع من أنواع المخدرات، في ما يحكى). ومع احترامنا لبديعة في ما تقدمه، بعضه جيد ومتميز فضلا عن عفويتها على الركح، فإنها لم تتعامل بحرفية مع سهرة الأحد الماضي. فقد بالغت في الحديث عن عائلتها عند تقديمها لشقيقيها (وهما أيضا من عالم الموسيقى يغنيان الراب) ولم تلتزم بالوقت المخصص لها(45 دقيقة). أكثر من ذلك فبعد أن أعلنت عن أنها الأغنية الأخيرة وانسحاب الفرقة الموسيقية وصعود المنذر القلعي العائد بعد غياب لتنشيط السهرات السينمائية إلى الركح، أصرّت بديعة على غناء «الشيخ الصغير» (تذكرت الزين الصافي إبن مدينة قليبية، ألم يكن جديرا بأن يكون في سهرة الافتتاح؟)... هل تعرفون ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة أن انطلاق عرض الأفلام المبرمجة للافتتاح (وهي أشرطة من المغرب وإيران والبرتغال) تأجل إلى ما بعد منتصف الليل والنصف؟ فهل يعقل مثل هذا التعامل الهاوي في أقدم مهرجان سينمائي عربي وإفريقي؟ صحيح أننا سلّطنا الضوء على ما هو سلبي لأننا ندرك مسبقا أن البعض منّا تخصص في التزيين من باب آداب الضيافة، دون أن نغمط المهرجان حقه في التنويه والإشادة (لا المناشدة) لأنه يظل منبرا للسينما البديلة في تونس بشكل خاص وفي كثير من دول العالم. ولأننا نحبّ هذا المهرجان ونتابعه منذ منتصف التسعينات نلفت النظر إلى مظاهر لا تليق لا بالمهرجان ولا بقليبية ولا بتونس بدءا بقصة «المراحيض» هذه! هوامش: من أبرز وجوه حفل الإفتتاح النائب بالمجلس الوطني التأسيسي خميس قسيلة الذي كان محاطا بعدد من السينمائيين والصحافيين. تابع حفل افتتاح علاء الدين أيوب ومحمد المديوني (مدير أيام قرطاج السينمائية الذي خصنا بحوار شامل سننشره لاحقا) وإبراهيم اللطيف الذي سيعود إلى باريس لاستكمال عمليات إنهاء فيلمه الروائي الجديد هز يا وزّ وعادل معيزي(الشاعر) مرفوقا بزوجته الصحفية عضو المكتب التنفيذي لنقابة شارع الولاياتالمتحدة الزميلة سلمى الجلاصي وخالد البرصاوي (أحد قدماء سينما الهواة)... فضلت الكاتبة العامة للمهرجان السيدة منيرة بن حليمة كاهية مدير إدارة السينما متابعة حفل الإفتتاح بعيدا عن الصفوف الأمامية. تم تخصيص ركن لجمع توقيعات الحاضرين على نصّ «عهد تونس» للحقوق والحريات الذي اشترك في إعداده عدة هيئات ومنظمات من بينها الإتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان وجمعية النساء الديمقراطيات والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين. وينص العهد على مبادئ أساسية هي الحق في حياة كريمة والحق في الحماية والأمان والحق في الإختيار الحرّ والحق في المساواة وعدم التمييز والحق في المواطنة والمشاركة والحق في التنمية الإنسانية والحقوق الفكرية والثقافية والإبداعية والحق في بيئة سليمة ومتوازنة والضمانات (تسعة مواد). يتردد أن وزير الثقافة مهدي مبروك –المتحمّس للمهرجان حسب ما قيل لنا من أحد مساعديه- سيحضر حفل الاختتام.