يكتبها: منير بو رمضان تواترت النقاشات داخل المشهد السياسي، حول إمكانية دخول البلاد في نذر «أزمة شرعية»، بعد 23 أكتوبر القادم، تاريخ مرور سنة على انتخاب المجلس الوطني التأسيسي، الذي أوكل له ادارة المرحلة التأسيسية. والذي كان أولى لبنات مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تلت الثورة وبرغم تباين التقييمات فإنها عرفت تقدما هاما باتجاه عودة الشرعية إلى مؤسسات الدولة. بل أنها تميزت ب «سلاسة» فاجأت كل المراقبين للمشهد السياسي التونسي في الداخل والخارج. ما جعل المراقبين يشيرون الى أن البلاد قد تجاوزت كل مخاطر «الردة». خاصة بعد انطلاق جلسات انعقاد المجلس واعداد تنظيم مؤقت للسلط . وحصول اتفاق على توزيع الرئاسات الثلاث، وعلى التركيبة الحكومية المتكونة من أحزاب الترويكا الفائزة في انتخابات 23 أكتوبر. غير أن التجاذبات بل التباينات الكبيرة في المواقف والتصورات، التي عرفتها أشغال المجلس التأسيسي، وتأخر أو تباطؤ المؤسسات التأسيسية الحكومة والرئاسة والمجلس التأسيسي في تحديد خارطة طريق انتخابية، وغياب لكل مظاهر التوافق، حول المسائل الخلافية وخاصة شكل الحكم القادم، أعاد اثارة الشكوك وعمق أزمة الثقة بين النهضة وبقية الأحزاب بما فيها شركاؤها في الحكم . واتضح أن طريق حركة النهضة لفرض شكل الحكم في المرحلة التأسيسية أو بعدها ليس سالكا أو معبدا كما تصورت الحركة أو خيل اليها، حيث اتجهت خطابات وممارسات قياداتها الى محاولة «فرض» النظام البرلماني الذي يعطي «دكتاتورية» لرئيس الوزراء في تسيير البلاد. ويبرر قادة النهضة انتصارهم للنظام البرلماني، «بأنه يقطع الطريق على عودة الدكتاتورية» مثلما أكد ذلك راشد الغنوشي في أكثر من مناسبة. وفي الواقع فان هذا الاختيار يعبر عن توجه من النهضة الى تصفية حساباتها مع النظام الرئاسي السابق أكثر منه اختيار عقلاني أو قانوني أو سياسي لادارة شؤون الحكم في المستقبل. وكذلك محاولة للاستفادة القصوي من الأغلبية التي تحصلت عليها والتي منحتها «أحقية» تشكيل الحكومة في فرض خياراتها وخاصة في الحقل السياسي، وبالتالي الانفراد بادارة المرحلة القادمة. وهذا «المخطط النهضاوي» يلاقي معارضة قوية من بقية الأحزاب بما في ذلك المتحالفة مع النهضة، وبرز أساسا من خلال رفض المنصف المرزوقي مسعى النهضة في «اعادة انتاج العهد البائد»، وهو تصريح كاد يعصف بالترويكا . كما أن هناك شبه اجماع داخل النخب التونسية على أن تقاسم الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة، من خلال اختيار نظام رئاسي معدل هو الأسلم من بين النظم السياسية للحالة التونسية. وقد ازداد الاجماع على رفض النظام البرلماني، بعد تجربة ترؤس النهضة للحكومة خلال الأشهر التسعة الأخيرة. ويرى خصوم الاسلاميين أنه كان على النهضة أن تحصر دور الحكومة المؤقتة في تسيير أو تصريف الأعمال، مع بعض الصلاحيات في إدخال إصلاحات ضرورية لضمان النجاعة على اعتبار أن الأولوية أو التفويض الشعبي هو لكتابة الدستور من خلال تصويت بأغلبية محترمة وليس للتأسيس لديمومة الحكم. وهو وضع ترى المعارضة أنه وضع ساهم في إعادة إنتاج هيمنة الأغلبية، وتنمية الاستقطاب السياسي والايديولوجي. ان الأداء السياسي لحركة النهضة، حكمته الى حد بعيد «الاحتفائية» المبالغ فيها بالفوز الانتخابي، وكذلك غياب تقاليد العمل المشترك، رغم بعض مظاهر «الواقعية» . وتشير تسريبات عن سير عمل الحكومة، الى أن وزراء النهضة هم الذين يتحكمون في مساراتها ونتائجها، بل أن الحكومة تتهم «بأنها حزبية وتخطط للاستحواذ على كل مفاصل الدولة»، وهذا ما يفسر تتالي وتصاعد الاحتجاجات على كل التعيينات، وهي احتجاجات طغى عليها في الكثير من المناسبات طابع «المناكفة السياسية»، على اعتبار وأنه من حق الحكومة ممارسة صلاحياتها ومنها التعيينات. ان أداء النهضة في الحكم، طغي عليه البعد الحزبي، وبرز جليا بأن إرادة الهيمنة التي تتخبأ وراء منطق الأغلبية هي المسيطرة والموجهة للفعل السياسي النهضوي. وهذا ما يكشف عن نقص في الخبرة السياسية وكذلك عدم توفر الإسلاميين على أدبيات في السياسة ومنهج الحكم، تكون الموجه أو المرجع لأدائهم السياسي ولإدراكهم لطبيعة المرحلة، التي تفرض «فتح مجال المشاركة السياسية في إدارة المرحلة والانفتاح على أوسع نطاق من الفعاليات السياسية». فالشرعية الانتخابية لا يمكن أن تكرس هيمنة الأغلبية، فالديمقراطية الحديثة لا تهمش دور الأقلية التي هي بدورها مدعوة الى التعالي عن خلافاتها والالتقاء ضمن تحالف جبهوي للحد من «زيغ» الأغلبية وتقديم البدائل.