توجد حدود للحريات ولكن الدستور ليس مجلة جزائية.. ليس من مصلحة «النهضة» الذهاب إلى الاستفتاء.. دوام الشرعية مطلوب لضمان استمرارية الدولة حاوره: محمد بوغلاّب أثارت مسودّة الدستور جدلا واسعا في الساحة السياسية خاصة بعد إعلان لجنة الخبراء برئاسة الأستاذ عياض بن عاشور (الرئيس السابق للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي) عن تخلي اللجنة نهائيا عن مهامها بداية من 27 أوت الماضي بعد تراجع الرئاسات الثلاث عن اتفاق ينص على تأسيس لجنة خبراء في إطار قانوني جديد. والأستاذ سليم اللغماني، (من مواليد 12 نوفمبر 1957، حائز على جائزة رئيس الجمهورية في يوم العلم عن شهادة الدكتوراه سنة 1990) عضو هذه اللجنة منذ كانت صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، هو إبن الشاعر الكبير أحمد اللغماني الذي سبق له أن أدار الإذاعة الوطنية، وكرّس القسم الأكبر من تجربته الشعرية لصديقه الحبيب بورقيبة حتى أنه أصدر ديوانا شعريا بعنوان «سي الحبيب»، ولم يسلم الرجل من التضييق والحصار زمن بن علي، وقد كرّمته الإذاعة التونسية سنة 2008 بمناسبة الدورة الأولى لمهرجان الإذاعة التونسية (وهو مهرجان قبر بعد دورته الثانية بفعل مسؤول بالصدفة وجد نفسه صاحب القرار الفصل في الإذاعة، فعبث بالمؤسسة وبمصائر من فيها وما فيها على هواه، فجمّد هذا وتشفّى في ذاك، ولما سقط وليّ نعمته بعد 14 جانفي وجد نفسه أسير مكتب بجانب دورة مياه كان مخصصا للشعبة المهنية في موقع عمله الأصلي). استقبلنا الأستاذ سليم اللغماني في بيته الأنيق والبسيط ليكون معه هذا الحوار.. في اجتماع لجنة التوطئة والمبادئ العامة بتاريخ 4 سبتمبر تم توجيه انتقادات لعياض بن عاشور – المتخصص في القانون الإداري - وجماعته بسبب تسرّعكم في نقد مشروع مسودّة الدستور وبدا وكأن موقفكم هو رد فعل على رفض المجلس الوطني التأسيسي منحكم وضعية قانونية ؟ - الأستاذ عياض بن عاشور قادر على أن يتحدث عن نفسه ومواقفه بمفرده، لكن في ما يخص الندوة التي انتظمت بتاريخ 22 أوت الماضي، فقد كانت بمبادرة من الجمعية التونسية للقانون الدستوري التي يرأسها الأستاذ فرحات الحرشاني. وهو عضو لجنة الخبراء أيضا؟ - نعم، ولكن أردت التدقيق فالجمعية هي التي قامت بدعوة مختلف الأطراف المساهمة في الندوة، أما وصفك لأعضاء لجنة الخبراء بأنهم جماعة بن عاشور فهو لا يزعجني بالمرّة مهما كان القصد من إطلاق هذا الوصف. أنا أسأل هل من السابق لأوانه أن ننظر في مشروع الدستور؟ هذا مشروع خرج للعموم –وإن كنت لا أعرف كيف تسرّب من داخل المجلس- ونحن ندرك أنه مشروع مسودة فلماذا يحرم الناس من إبداء الرأي فيه «شنوّة إلي يمنع تعدد الآراء؟» فربما نتفطن نحن وغيرنا لأشياء لم يتفطن إليها النواب فلا شيء في تقديري يحول دون مساهمة المجتمع المدني في تحديد معالم الدستور. المجلس التأسيسي هو وحده صاحب الشرعية فمن أنتم لتزاحموا نواب الشعب في مهامهم الكبرى ذات الأولوية وهي كتابة الدستور؟ - لا أحد ادعى أننا سنكتب الدستور أو أننا نريد كتابة دستور أو نريد مزاحمة السادة النواب، أنا مواطن تونسي وأستاذ قانون عام فهل أمسّ من شرعية المجلس وهيبته حين أبدي رأيي؟ لا يمكن لأحد أن يمنع المجتمع المدني من الإدلاء بدلوه في هذا الموضوع فهو شأن عام، لا تنس أن هناك مشاريع أحيانا فردية للدستور ولا أعرف أين الإزعاج في ذلك للمجلس ؟ لا ينبغي أن تصبح الشرعية مسألة كليانية تفيض على كل شيء. لماذا أصبحت مسألة الشرعية بمثابة قميص عثمان( هو قميص الخليفة الثالث عثمان بن عفان الملطخ بدمه بعد اغتياله، رفعه معاوية ابن أبي سفيان في معركة صفّين ليحرّض جنوده على القتال)؟ - ذلك أمر مفهوم، فقد ظهر مشروع المسودة للعموم في سياق طرحت فيه مسألة الشرعية بعد 23 أكتوبر 2012 وأصبحت اليوم قضية مركزية. وقد سمعت من أحدهم محتجا على إبدائنا الرأي في مسودّة الدستور، يسأل هل للأساتذة إصلاح المسودات؟ أقول لصاحبنا بحكم تجربتي كأستاذ أن الطالب في كثير من الأوقات لا يتمكن من إنهاء ورقته فيقدم المسودة للإصلاح، فالأستاذ يصلح المسودات كذلك. في تقديري، لو يتم مقاربة موضوع إبداء الرأي في المسودة من وجهة نظر عقلانية لتمّ تجاوز كثير من الإخلالات لا أرى عيبا في التنبيه إليها. لماذا هناك حساسية قطاع واسع من نواب المجلس من نشاط لجنة الخبراء والحال أنه تمت دعوتك في شهر ماي من قبل لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما للاستماع إلى آرائك؟ - بصفة شخصية لا يوجد أي إشكال في علاقتي بأي كان، الحديث الذي دار بيننا كان إيجابيا وردود الفعل كانت طيبة، كانت حصة ممتعة فعلا، ولكن هل يدعوني ذلك إلى الصمت؟ أما عن قصة الحساسية فبصراحة لست متخصصا في البسيكولوجيا، ولكن أنا واع أن هناك حساسية لعدة أسباب لعل من أبرزها أن هؤلاء الخبراء كانوا ضمن لجنة الخبراء في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التي كانت محل جدل سياسي وعرفت انسحاب بعض الأطراف السياسية في وقت ما، وكنت أعتقد أن وثيقة 15 سبتمبر2011 التي أمضى عليها أحد عشر حزبا قد تجاوزت هذا الإشكال بالتعهد بأن يتم إعداد الدستور في أجل لا يتجاوز السنة، ما أستغربه هو الخلط بين الأساسي والثانوي فالحساسيات موجودة حتى في العلاقات بين البشر ولا ينبغي ان تحول دون التعاون. قدم المقرر العام للدستور الحبيب خضر روزنامة جديدة تتضمن تاريخ 8 سبتمبر موعد الإنتخابات القادمة و1ماي لتنظيم الإستفتاء في صورة عدم توصل المجلس التأسيسي إلى توافق على مشروع الدستور، فما هو تعليقك على ما ورد فيها خاصة وأن عياض بن عاشور حذر من إمكانية حدوث انقلاب في صورة الالتجاء للاستفتاء؟ - لن أتحدث عن موقف الأستاذ بن عاشور، موقفي هو التالي، هناك تنظيم مؤقت للسلط العمومية نظم طريقة المصادقة على الدستور وقد ورد الإستفتاء ضمن هذا النص القانوني فالرأي السياسي لا ينفي وجود قاعدة قانونية، ولا أحد صرح بأنه يريد الذهاب إلى الاستفتاء بما في ذلك «النهضة». وأريد أن أوضح تقنيا متى يمكن أن نبلغ الاستفتاء، ففي صورة عدم التوصل إلى توافق حول طبيعة النظام السياسي - وهي إحدى النقاط الخلافية في المجلس - سيطلب من الشعب إبداء رأيه في النظام الرئاسي المعدل، فما سيعرض على الاستفتاء لن يكون مشروع «النهضة»- و«النهضة» كما تعرف أقلية لا أحد يساندها في النظام البرلماني الأحادي- وستكون مدعوة لدعوة الناس للتصويت ب«لا» وذلك سيؤدي إلى إعادة صياغة الدستور برمته، فهل «النهضة» قابلة لدخول هذا المسار الذي سيفقدها مكانتها الحالية لأن المجلس الحالي سيعتبر منحلا؟ كما أنه في أغلب الأحيان يحمل التصويت في الاستفتاءات على «نعم» خاصة أن التصويت ب«لا» سيدفع بالبلاد إلى مرحلة انتقالية جديدة لا يرغب فيها أحد، هذا هو تصوري، الاستفتاء وارد قانونيا ولكن سياسيا لا مصلحة لأحد في ذلك. كما أعتقد أنه لا أحد له الصلاحية لتحديد روزنامة الانتخابات اليوم في غياب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لأنها الوحيدة القادرة على تحديد آجال الانتخابات ولا بد أن تكون هيئة عليا لا تكريما لها بل لأنها - في ما يخص المسار الانتخابي- لا بد أن تعلو كل الهيئات الأخرى، أي أن تكون لها السلطة الترتيبية وسلطة زجرية، أكثر من ذلك، لا بد أن تكون لها صلاحيات في ما يخص الأمن بمعنى أنها تعلو الإدارة والأمن والأجهزة السياسية في ما يخص الانتخابات، وكل من يعلن عن مواعيد انتخابية من خارج الهيئة لا صلاحية له وهو كلام من قبيل الثرثرة السياسية. قانونيا، هل تنتهي شرعية المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر القادم؟ - لا بد من التمييز بين الشرعية (قانونا) والمشروعية، فالمجلس منتخب من قبل الشعب لسن دستور، ماهي السلطة الوحيدة التي تعلوه؟ هي الشعب، وسبق لي أن قلت هذا منذ أشهر، من هذا المنظور لا معنى للقول بأن المجلس تنتهي شرعيته في 23 أكتوبر إلا إذا اعتبرنا أن الشعب إنتخب أعضاء المجلس التأسيسي على أساس الأمر الذي حدد مدة المجلس بسنة ( يجتمع المجلس الوطني التأسيسي يومين بعد تصريح الهيئة المركزية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للاقتراع ويتولى إعداد دستور للبلاد في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابه)، الأمر في حد ذاته لا قيمة له قانونيا أمام المجلس التأسيسي لأنه صادر عن سلطة غير منتخبة ولكن إذا اعتبرنا أن إرادة الناخب كانت انتخاب هذه الهيئة في حدود سنة فهذا ليس من باب التحليل القانوني بل من باب التحليل النفسي وهو في ما فكّر الناخب عندما إنتخب، وبالتالي هناك نظريتان الأولى أن السلطة التأسيسية المنتخبة تعلو إرادتها السلطة المؤسسة – غير المنتخبة- التي دعت إلى الانتخابات ومن هذا المنظور فالمجلس سيد نفسه ولكنه ليس سيد نفسه بالنسبة إلى الشعب وهنا لا تسقط شرعية المجلس بعد 23 أكتوبر القادم، أما النظرية الثانية فتقول إن الشعب انتخب المجلس التأسيسي على أساس أنه ملتزم بكتابة الدستور في غضون سنة وفي هذه الحالة تسقط شرعية المجلس بعد 23 أكتوبر. ما هو موقفك كرجل قانون؟ - لا يجب( يعيدها ثلاث مرات في غمزة لقائل السلام عليكم ثلاث مرات) أن نطرح مسألة الشرعية لأننا سنجد أنفسنا في نفس الوضعية التي عشناها في الليلة الفاصلة بين 14 و15 جانفي 2011، هل هي حالة شغور وقتي(الفصل 56 من الدستور) أو حالة فراغ؟ ليلتها تدخلت في التلفزة الوطنية وقلت بأن ما نعيشه هو شغور وقتي لأن الفراغ يعني نهاية استمرارية الدولة، ليس هناك ما هو أخطر من الفراغ الدستوري.. ولكن هذه القضية هي التي تشغل الناس اليوم؟ ما نفع قولك لا يجب طرح الموضوع؟ - أؤكد مرة أخرى أن دوام الشرعية مطلوب لضمان استمرارية الدولة يوم 24 أكتوبر أنت تفتح بابا للمجلس ليمطط إقامته في قصر باردو ما شاء له؟ - لا، بالنسبة لي، المسألة لا تتعلق بشرعية المجلس بل بمشروعيته، صحيح أن المجلس لم يتبن في التنظيم المؤقت للسلط العمومية أجل السنة، لكن يوم 23 أكتوبر 2012 سينتهي إتفاق 15 سبتمبر 2011 حيث التزمت الأحزاب سياسيا وأخلاقيا بأجل السنة، فالالتزام السياسي ليوم 15 سبتمبر لا بد من إعادة النظر فيه، لذلك لا بد من تحديد وفاق حول مسار انتقالي جديد بتحديد خارطة طريق ووفاق سياسي متجدد، المشكل لا يتعلق بالشرعية قانونا لكن لا شك أن هناك أزمة مشروعية بحكم عدم الالتزام بالاتفاق السياسي السابق. هل أنت منتم حزبيا؟ - لا. هل من الوارد أن تنخرط في حزب ما؟ - لست منخرطا في أي حزب وذلك لا يعني أنه ليست لي أفكار سياسية «ما نتصورش نكون في حزب». أي الأحزاب أقرب إلى أفكارك السياسية؟ - أفكاري السياسية هي دولة مدنية ديمقراطية تنبني على حقوق الإنسان ودولة القانون أي أن أفكاري ليبرالية بالمعنى الفلسفي للفكر الليبرالي، في حدود ما أقول ألتقي مع كل الأحزاب التي تتبنى هذا الطرح. في جريدة «المغرب» بتاريخ 5 سبتمبر تحدثت عن حضور الدين والمقدس في مسودة الدستور، لماذا تعترض على تجريم الاعتداء على المقدسات الدينية والحال أننا في مجتمع مسلم يغار على دينه؟ - أظن أنّي قلت إن الدستور ليس مجلة جزائية وليس مجالا للتجريم، ولا يعني ذلك أنه لا توجد حدود لكل الحريات وإن كان لي رأي في كيفية صياغة حدود الحريات وشروطها حسب المعايير الدولية ويكفي العودة إلى المعاهدات الدولية حول حقوق الإنسان التي صادقت عليها تونس، «إنت تعرف وانا نعرف» أن هناك مشروع قانون لتجريم المس بالمقدسات في أدراج المجلس التأسيسي تقدمت به كتلة حركة «النهضة» وهو يثير عدة أسئلة وعليه عدة مؤاخذات من حيث تحديد المصطلحات من ذلك ماهية الأفعال التي تعد اعتداء على المقدسات. ما موقفك من التنصيص على تجريم التطبيع مع الصهيونية والكيان الصهيوني في الدستور؟ - مبدئيا أنا ضد التجريم في الدستور كمنهج وهذا يصح على كل المواضيع، الدستور ليس مجالا للتجريم، لأنه يختلف عن المجلة الجزائية. يبقى السؤال، من الذي يطبّع؟ أي من هو الطرف المؤهل للتطبيع ؟ هل أنا وأنت من سيتخذ قرار إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل؟ تجريم التطبيع يعني أن الدولة التونسية ممنوعة من التطبيع مع الكيان الصهيوني وهذا لا معنى له في غياب آليات التجريم. ثانيا، الدستور نص دائم والعلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين متحركة وحسب رأيي فصاحب القرار الأول والأخير في طبيعة العلاقة مع إسرائيل هو الشعب الفلسطيني وليس الشعب التونسي أو الشعب الجزائري، وإذا أردت تجريم التطبيع فعليك أن تجرم وزير الخارجية أو رئيس الحكومة أو رئيس الدولة ولكن» قلي كيفاش». ما موقفك من مقترح البعض دسترة المجلس الإسلامي الأعلى؟ - مسألة غير متفق عليها إلى حد الآن، ما أقوله إن الدستور سيتضمن إحداث محكمة دستورية تنظر في مدى تطابق القوانين التونسية مع الدستور، بالتالي المؤهل قانونيا للنظر في هذه المسائل هو المحكمة الدستورية. أنا لا علم لي بطبيعة سلطة المجلس الإسلامي الأعلى وهل هناك تداخل في مهامه مع مهام المحكمة الدستورية وهل سيكون استشاريا ؟ إن لم يكن هناك تداخل بينه وبين المحكمة الدستورية فلا يوجد أي إشكال. ما موقفك إزاء مؤشرات من قبيل الدعوة إلى إحياء نظام الأحباس وديوان الزكاة وإرجاع التعليم الزيتوني الأصلي؟ - أعتقد أن هذه بوادر ظهور الخلفية الدينية لحركة «النهضة»، يمكن أن تضيف إليها موضوع التبني والصيرفة الإسلامية وغير ذلك كثير.. وهذه مسائل لا يحسمها الدستور بل يحسمها ميزان القوى السياسي بعد الانتخابات التشريعية، إذا كانت ل«النهضة» الأغلبية في حدود احترام الدستور يمكنها أن تنظر في ما شاءت من قوانين. ما أهمية إحداث محكمة دستورية؟ الم يكن كافيا الإبقاء على مجلس دستوري؟ - «وين ترى فيه» المجلس الدستوري؟ الداعي لإحداث المحكمة الدستورية أن الدستور يظل حبرا على ورق في صورة غيابها. هل هي الخير كله؟ - لا شيء في القانون الوضعي يمكن أن يكون الخير كله، وحتى الذين يتصورون أن الدستور سيحدد واقع الحياة السياسية يفرطون في التفاؤل، ولكن في منظومة دستورية تعتمد مبدأ دولة القانون لا بد من محكمة دستورية تنظر في دستورية القوانين، ومن النقاط الإيجابية أنه وقع الاعتراف للمحكمة في مسودة الدستور بالنظر في دستورية القوانين قبل ختمها وبعد ختمها حتى من قبل المواطنين - إذا كانت لهم حقوق ذاتية في التظلم- وهو أمر لم تبلغه فرنسا إلا في نهاية التسعينات. ما هي أهمية الاختلاف في التسمية بين «برلمان» و«مجلس الشعب» (كما ورد في مسودة الدستور)؟ - هو اختلاف في التسميات ولا يؤثر، المهم أن يكون أعضاؤه منتخبين انتخابا حرا شفافا. في 26 فيفري 2002 كتبت مقالا بعنوان «تعبير عن رأي سياسي» عبرت فيه عن موقفك الذي وصفته بالمنزلة بين المنزلتين» بشأن اعتزام بن علي تنظيم الإستفتاء سنة 2002، وقلت إن رحيل بن علي سيكون كارثة على تونس وانه لا يوجد بديل ذو مصداقية في أفق 2004 وان التجديد لبن علي بدورة إضافية(2004-2009) ضرورة وبأنك ستصوت بنعم في استفتاء 26 ماي 2002؟ وهذا الموقف مازال يلاحقك كسقطة في تاريخك؟ - لا تقلق لهذا الأمر إذ يبدو أنه سيظل يلاحقني في المستقبل أيضا، وأريد أن أشكرك لأنه لأول مرة أُسْأَلُ حول هذه النقطة بشكل رصين. فعلا كتبت هذا المقال الذي تضمن مساندتي المشروطة للاستفتاء بإصلاح ديمقراطي واغتنام السبع سنوات القادمة لتصحيح المسار للقيام بتحول ديمقراطي. إن معنى النص الذي كتبته واضح، مساندة مشروطة بشرطين أولها أن تكون مدة رئاسية إضافية وحيدة وثانيها أن تستعمل هذه المدة لتحقيق انتقال ديمقراطي. بمجرد عدم تحقق الشرط الأول بحذف شرط السن القصوى للترشح للرئاسة، سحبت علنا مساندتي بمناسبة اجتماع للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بتاريخ 3 ماي 2002 ألقى فيه الأستاذ عياض بن عاشور محاضرة حول بطلان الاستفتاء على تعديل الدستور أي قبل إجراء الاستفتاء وترأس ذلك الاجتماع السيد مختار الطريفي. كما ساندت علنا ترشح ممثل المبادرة الديمقراطية السيد محمد علي الحلواني في الانتخابات الرئاسية لسنة 2004 في بيان نشر بتاريخ 8 أكتوبر 2004 مع عدة شخصيات وطنية (من بينها عبد المجيد الشرفي وجورج عدّة وكمال الجندوبي وحمادي الرديسي، قمر بن دانة، لطيفة الأخضر.. ) وشاركت في ندوة تلك الصائفة في نزل أميلكار نظمها مرشح المبادرة الأستاذ محمد علي الحلواني. إن الخطأ الذي ارتكبته هو أنني لم أع بأن نظام بن علي لم يكن يُرجى منه شيء، خطأ صححته وها هو يقدم اليوم على أنه خطيئة. مع إحترامي لموقفك، هل كان يرجى شيء من بن علي سنة 2002 لتحقيق تداول سلمي على السلطة؟ كما أنك بموقفك قزمت المعارضة التي ترشحت أكثر من مرة ضد بن علي ؟ - حين كتبت مقالي كان في تصوري أن المعارضة مازالت غير جاهزة لتسلم الحكم، وعندما صدر مقترح الإستفتاء على تعديل الدستور تضمن حذف السن القصوى للترشح بما يسمح لبن علي بالاستمرار مدى الحياة في الحكم، صرحت بموقفي المعارض للاستفتاء على الملأ دون أي تردد، كتبت المقال نعم ولكني تراجعت عنه والاعتراف بالخطإ فضيلة. ألا ترى في موقفك الأول سذاجة سياسية؟ - قل ما شئت، أنا أصفه بالخطإ، لكني كنت أحلم بأن تدخل تونس مرحلة جديدة، وتصورت في لحظة ما أن بن علي أدرك أن عليه أن يمهد بتحقيق الانتقال الديمقراطي، لست سياسيا محترفا، أنا أستاذ تعليم عال زمن بن علي وبعد 14 جانفي وبعد 23 أكتوبر 2012.. لماذا لم يسمع عموم الناس بتراجعك ومساندتك لترشح محمد علي الحلواني سنة 2004؟ - لأن الناس تسمع ما تريد أن تسمعه. في النهاية رجال قانون هم من قدموا لبن علي التخريجات القانونية لاحتكار السلطة؟ - بطبيعة الحال، لكن لا ينبغي الوقوع في التعميم لأن من ضمن رجال القانون كثيرين عارضوا بن علي وتعرضوا للمضايقات. كيف ترى دور الجيش في الحياة السياسية؟ - موقع الجيش الطبيعي في الثكنة، ومن حسن حظنا أن الجيش التونسي نأى بنفسه عن السياسة. هناك تجارب في العالم يتدخل فيها الجيش في الحياة السياسية؟ - لابد من تحييد الجيش عن العمل السياسي، في حالة أزمات قصوى عند انقطاع الشرعية يمكن أن يقوم الجيش بعمل سياسي رغم أنفه. هل أنت مع إلغاء عقوبة الإعدام وتضمين ذلك في الدستور؟ - في العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية خيّرت الدول بين إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها بشروط ، نحن في تونس لم نطبق عقوبة الإعدام منذ سنوات، وقضية الإبقاء على هذه العقوبة أو إلغاؤها مسألة اجتماعية لا بد أن يكون حولها وفاق، فإذا أبقينا على عقوبة الإعدام علينا أن نستمر في الامتناع عن تنفيذ العقوبة في انتظار التحولات الاجتماعية. لا أريد أن تصبح هذه القضية نقطة خلافية ومعضلة جديدة، في مشروع المسودة هناك تنصيص على عقوبة الإعدام ينقصه بعض التدقيقات كمنع إعدام من هم دون سن الثامنة عشرة على سبيل المثال(الأطفال) النساء الحوامل كما ورد في العهد الدولي لحقوق الإنسان. لا أريد أن تكون مسألة خلافية تعوق سنّ الدستور. كيف ترى التركيبة المثالية للمجلس الأعلى للقضاء؟ - لا بد أن يكون ممثلا للقضاة ولأطراف أخرى مثل المحامين والمجتمع المدني على ان تكون الاغلبية للقضاة المنتخبين. ما الذي ورثته عن أحمد اللغماني؟ - ورثت عنه حبّ الوحدة، أنا إنسان فرداني وربما كان هذا من عيوبي. هل الوحدة هي العزلة؟ - هي الاعتزال بكل أبعاد الكلمة حتى من وجهة نظر تاريخ الفكر الإسلامي، كما تعلمت منه الشهامة والتواضع.. هل تكتب شعرا مثله؟ - كتبت ولكنه شعر الأطفال. هل أنصفت تونس أحمد اللغماني؟ - (يبدو عليه التأثر) أكبر ظلاّم لأحمد اللغماني هو بن علي الذي لم يغفر له صداقته المتواصلة لبورقيبة إلى آخر يوم من حياته بأن رثاه. حاول بن علي الاتصال بوالدي وجلبه إلى دائرة المؤلفة قلوبهم ولكنه امتنع عن ذلك.