هم شباب في مقتبل العمر، قد يكون أحدهم شقيقك أو جارك أو قريبك... كان سلوك بعضهم بعيدا كل البعد عن الإنتماءات الدينية فهناك من كان موغلا في السهريات وغارقا في الملذات، لكن فجأة تحوّل إلى سلفي، لحية ولباس أفغاني أو رياضي وتختلف الألبسة لكن الخطاب واحد ... فجأة اصبحوا شديدي التدين وقد يصل الأمر بالبعض منهم إلى رفض الآخر، بعضهم قد يحاول التأثير على المحيط العائلي لكي لا تخرج شقيقته متبرجة أو دون خمار والبعض الآخر يبقى معتدلا ولا يقبل الإكراه... سلوكات مختلفة لكن أعداد المنتمين لبعض التيارات السلفية في تزايد مستمر. فكيف يصبح بعض الشباب سلفيا؟ ما هي المراحل التي يمرّ بها البعض ليتغير سلوكه ونمط حياته كليا ؟ ماذا عن «الدمغجة» والتلقين؟ وكيف يصبح البعض مجرد أبواق يرددون خطابات الآخرين دون وعي وتفكير ؟ هل يمكن أن يصل التطرف بالبعض إلى حد تحولهم إلى قنابل موقوتة ؟. «التونسية» بحثت عن وجوه سلفية والتقتها وتحدثت اليها وخرجت بالتحقيق التالي: سليم بن عبد السلام بائع فواكه جافة قال ل «التونسية»: «أنا أصيل «جندوبة» من مواليد 1978 وأعمل حاليا بالعاصمة بعد الإستقرار بها منذ ما يزيد عن 13 سنة، كنت أدرس لكن شاءت الأقدار أن لا أكمل دراستي بعد فشلي في الحصول على «الباكالوريا» فلجأت إلى تكوين في مجال الحلاقة وتحصلت على «دبلوم» ورغم فتحي لمحل حلاقة فإن سيرتي في السابق لم تكن حسنة وكنت أعاقر الخمر ولا أتوانى عن السهر وأحب كثيرا الملذات، وللأسف لم أحافظ على المحلّ فتراجعت مداخيلي وتقهقرت تجارتي، بل أكثر من ذلك دخلت السجن بتهمة تعاطي المخدرات وحكم عليّ بسنة سجنا. وتساءلت لماذا إخترت هذا الطريق؟، راجعت نفسي ووجدت ان الطريق الوحيد للخروج من هذا الطريق هو الدين... لم أصلّ في السجن لكن عندما خرجت قررت تغيير نمط حياتي والصلاة واصبحت أتردد على المساجد وكان ذلك مع بداية الثورة في تونس». وأضاف عبد السلام: «الإقتناع كان بقرار شخصي، لكن ساهمت العائلة في مزيد إقناعي بهذا الطريق وتعرفت لاحقا على عديد الأصدقاء في المساجد وتزوجت وتغيرت حياتي كليا». وأكد أنه من خلال تجربته الشخصية وبالأخص بعد الخروج من المساجد كانت بعض الأطراف تحاول من خلال الندوات واللقاءات التي تنظمها التأثير على الشباب فتأتي الدعوات لحضور الإجتماعات ويقولون لك اليوم هناك «مأدبة» في بيت فلان، وأشار إلى أن هناك عديد الأفكار المتشددة والظلامية وبالنسبة لهؤلاء من لا يصلّي فهو «عدو» وهناك من يقول لك بين المسلم والكافر «ترك الصلاة» ويرددون «فلان كافر» ولكن هذا التوجه لم يقنعه، وخير الإعتدال . وقال: «هناك أطراف لينة وتعاملاتها أكثر إنفتاحا من الآخرين وحتى طريقة إلقائهم للخطابات مقنعة ويمدونك بالحجج والآيات القرآنية ثم يتركون لك حرية الاختيار». ولاحظ عبد السلام ان هؤلاء الدعاة لا يتحدثون عادة في السياسة، ومن خلال تجربته الشخصية وحديثه مع اصدقائه إعتبر أن هناك من يطلبون منهم التأثير على عائلاتهم للصلاة أو يقولون لهم مثلا «أصلح شقيقتك فأنت مسؤول عليها أمام الله فلا تتركها متبرجة وعليك بمراقبة هندامها وثنيها عن هذا الطريق»، ولم ينكر عبد السلام وجود أناس متطرفين لديهم نوعية من الخطاب المائل للتشدد وهو ما يعتبره غير مقبول، فتونس أرض دعوة وليست أرض جهاد والجهاد له مكانه فنحن مسلمون بالفطرة» كما يقول. وقال: «لم ألاحظ تغيرا في سلوك اصدقائي ممن تحولوا إلى سلفيين نحو الأسوأ فأغلبهم تحولت حياتهم نحو الأفضل، ففي حي التضامن ومباشرة بعد الثورة لولا السلفية لحصلت «كوارث» فقد حمى السلفيون الممتلكات والعباد وفئة كبيرة منهم أنقذت الناس وهم الذين رفعوا الفضلات في حي التضامن عندما إمتلأت الأحياء بالأوساخ». وقال عبد السلام: «أنتمي للسلف الصالح وإخترت الإقتداء بسنة الرسول، ورغم ترددي على المساجد لم أجد أي إمام يدعو للجهاد ما عدا «الحلقات» التي تنظم في البيوت من حين إلى آخر وقد سبق وحضرت إحداها وسمعت شخصا يدعونا للجهاد لكن الجهاد في فلسطين وبلدان اخرى كسوريا». وإعتبر «خليفة السياري» وهو سلفي عايش مختلف التيارات، أن الشباب التونسي عاش تقريبا تجربة واحدة. فالنظام السابق لم يتح له فرصة الإختيار بل جفف الينابيع وبالتالي كان هناك توجه إلزامي وكان الإختلاف حسب المحيط فإن كان أصدقاؤك من تيار سلفي معين فستكون مثلهم وبالتالي الأغلبية الساحقة من الشباب التونسي لم يكن لهم فرصة الإختيار بل إنقادوا إلى التيارات، وبحكم تعرفه على شتى التيارات قال: «هي تصب في إتجاه واحد رغم إختلاف التفاصيل» . وقال «خليفة»: «كنت أبيع الأشرطة الموسيقية وأتابع عالم الموسيقى وما يعرف ب «الدي دجي» وحصل المنعرج في حياتي عندما توّفي شقيقي في حادث قبل أسبوع واحد من زواجه وذلك في 1999، وهو ما جعلني أعرف معنى الموت فقد زلزل الحادث حياتي التي كانت قائمة على السهريات والملذات. وأكد خليفة ان ذلك الحادث دفعه الى مزيد البحث والتعمق في المسائل الدينية فعندما تضيق الدنيا بالإنسان يحاول البحث عن تلك الحلقة المفقودة 'وقال :»غيرت المحل إلى محل لبيع الأناشيد الدينية وكان المنعرج الحقيقي في حياتي لأني كنت أظن أن الصلاة ستحرمني من عديد الاشياء لكن وجدت أن حياتي الآن هي أفضل بكثير من السابق خاصة وأن تفكيري أصبح نحو الأحسن وإيجابيا أكثر». وأشار: «بدأت مسلما عاديا ثم توجهت نحو دعوة التبليغ ثم دخلت إلى التيار الجهادي ثم إخترت التيار السلفي العلمي قبل أن أخلص في النهاية إلى أن الشخص لا بد أن يكون وسطيا ومعتدلا خاصة أننا في تونس لا نملك الطائفية صحيح «المشارب» مختلفة وكل يعرض منهجه ولكن من يقنعك اكثر هو الذي ستتبعه، فمشروع الأغلبية خيري والبعض يريد ان يعم هذا الخير على الجميع لكن الطريقة هي التي تختلف». واعتبر أنه مهما اختلفت التيارات فالفارق يكمن في طريقة إيصال الفكرة،ولن يكون ذلك بالإكراه فالتونسي مثقف وواع ولكي تقنعه بشيء عليك بالحجة . وقال: «أغلب السلفية الجهادية ظهروا بعد الثورة بعضهم كان في مجال الاجرام وعندما إلتزموا لم يكونوا صادقين ولكن من إلتزم بالدين في السابق وتعرض للسجن والقمع والتعذيب فلن يحاول فرض شيء على الآخرين بالقوة لأنه تضرر من تلك الممارسات». وأكد ان عمليات «الدمغجة» قد تحصل في اليابان (من باب «التندر») لكن لا يمكن أن تحصل في تونس أو تجد انتشارا كبيرا، وقال عندما التزمت واخترت هذا الطريق كان ذلك عن قناعة شخصية، لكن البعض كان يعتقد ان هناك من أثّر علي، فالمخابرات التونسية من أقوى المخابرات والمواطن يشي بغيره ويبلغ الامن إن وجدت جماعات متطرفة وبالتالي التأثير يحصل بالأخص من خلال القنوات الأجنبية وقال: «من خلال تجربتي الشخصية كنت أخصص مبلغا ماليا للإتصال بالمشايخ في السعودية والإستئناس بأفكارهم لكن لاحظت ان الوضعية مختلفة فماهو حرام لديهم حلال لدينا وبالتالي وصلت الى استنتاج ان علماءهم مختلفون عنا وأحيانا إجابتهم قد «تدخلك» في متاهات وبالتالي اقتنعت بأني في حاجة إلى شيخ تونسي يعرف بلادي ويعرف وضعي جيدا وواقعي ويجيب عن اسئلتي وبالتالي أهل مكة أدرى بشعابها». وأكد ان من يتحولون إلى مجرد «أبواق» لترديد بعض الخطابات لا يعون حقيقة ما يفعلون وسلوكهم المتطرف ينم عن جهل كبير وقال مثلا كان لي صديق غير متدين ومفسد وعندما تدين أصبح يلوم على فلان وفلان ويقول «كافر» فسألته: «نفس الأشياء كنت تقوم بها فلماذا تصفه بالكافر، أترك له الفرصة مثلك ليعرف الطريق الصحيح» وبالتالي فإن «الجهل» وراء بعض السلوكات كما أن التجاذبات السياسية والاحزاب هي التي أثرت على الشباب ليقوموا ببعض التصرفات وهناك من يمنحونهم حتى المال لكي يحققوا غاياتهم ولا تستقر البلاد . وكشف خليفة أنه سبق وتحدث مع قيادات في السلفية الجهادية ومنهم من لا يصلي وبالتالي هناك من يدعمهم لغايات معينة. أما الشاب «أيمن الورغي» سلفي لكنه كان في السابق لاعب كرة قدم في أندية مختلفة كالإفريقي والترجي ومغرم بالأنشطة الرياضية، فقد تغيرت حياته بعد أن سلك إتجاه العبادة والقطع تماما مع الماضي. وعن تجربته قال: «وصلت في مستواي الدراسي إلى الخامسة ثانوي لكن بسبب الظروف المادية لم أواصل دراستي، وطلبت الهداية من الله خاصة بعد أن تعرض صديقي وجاري إلى حادث قاتل وهو مخمور وإستغربت ساعتها كيف كان بجانبي قبيل لحظات ثم فقدته بتلك الطريقة؟ وتذكرت الآية التي تقول ما معناه «بادر بالتوبة ان الموت يأتي فجأة». وحول دخوله السلفية قال: «إطلعت على عديد الكتب مثل «رياض الصالحين» وأحاديث رسول الله وإستمعت إلى عديد الخطب لكن وسيلة الإتصال الأكثر رواجا كانت «الفايسبوك» للإتصال بشيوخ السعودية وهناك شخصيات تأثرت بها مثل السعودي محمد حسان والتونسي «أبو عياض» و«خميس الماجري» وتأثرت بهؤلاء لأني رأيت أنهم على حق. فتونس اليوم هي بلاد «دعوة» ومن يحاول إخافة الناس بالسلفيين أقول لهم إن السلفيين لا يخيفون الناس فهل يخيفك مخمور ومجرم أم سلفي ؟وأعتبر أن من يرشد إلى طريق الجنة وينهى عن طريق النار انسان يحبك ولا يريد ان يلحق بك الضرر». وقال: «نتلقى دروسا في العقيدة وحفظ القرآن بمعدل 3 مرات في الأسبوع ونتطرق إلى المعاني مثل ما معنى «لا إله إلا الله» وليس إلى مواضيع خطيرة أو ممنوعة بل لمعرفة أساسيات الدين، فلكي تتمكن مثلا من إقناع إنسان بالصلاة عليك أن تعرف بعض الأساسيات وتعرف كيف تجيب عندما يسألك شخص ما». وقال الفئات التكفيرية تنتمي إلى الخوارج وهم يكفرون شارب الخمر وتارك الصلاة والزاني ... لكن القوة لا توصل إلى الإقناع ونقول دائما «ربي يتوب عليهم»، لكن مثلا أحاول بالحسنى إقناع شقيقتي بعدم التبرج لأنها عرضة للانتهاكات...». واعتبر «امين»ان هناك مجرمين يرتدون الأقمصة ويتخذون «السلفية» جبة للتغطية على جرائمهم وقال مثلا قابلت صديقا كان يحضر لقاء للسلفية ويرتدي لباسا افغانيا فعانقته إعتقادا مني بأنه تاب لكنه صدمني قائلا إنه «لازال يشرب الخمر» وقال: «هناك من يستغل بعض الاحداث للتخريب وممارسة العنف باسم السلفية». وأشار أمين أن الجهاد لا يمكن أن يكون في تونس بل هو ممكن فقط في البلدان العربية لأن العرب اخوة فمهما كان البلد فإننا إخوة وإن مسست عربيا مسلما في سوريا وفلسطين أو أفغانستان فان الدفاع عنه واجب ومن ثمة فإن كل انسان يبتغي الموت على حق وفي سبيل الله فإن أسهل طريق للجنة هو الموت في الجهاد ولا يمانع في نيل ذلك الشرف خاصة أن الموت حق. وقال «نوفل ساسي» ناشط إسلامي إنه بدأ الصلاة في سن 16 ومنذ السبعينات كان يتابع الخطاب الإسلامي ويتردد على المساجد ويحضر حلقات النقاش وإعتبر أن بدايات الإلتزام بالنسبة إليه كانت منذ ذلك الوقت، وأضاف: «المواقف تختلف وسلوكات الإنسان تتغيّر بحكم العمر». وأكدّ ان هناك العديد من الشخصيات التي تؤثر في حياة الإنسان ولكنّهم ليسوا بالضرورة شخصيات «معروفة» فمثلا قد تجد أستاذا يؤثر فيك أو صديقا أو أي طرف آخر. وقال: «في السابق كنا نعتبر ان هناك سبيلا واحدا، ولكن فيما بعد قد تتاح للإنسان مناهج وأفكار متعددة، لكنها تشترك في الإلتزام بالإسلام ثم على الشخص لاحقا الإختيار». وإعتبر «ساسي» أن إستقطاب الشباب يقع من عديد الأطراف فنظام بن علي ترك تصحرا كبيرا لدى فئة الشباب، وبالتالي هناك تنافس كبير لإستمالة الشباب، واشار إلى أن «المتطرفين» موجودون من الجانبين فعديد الأحزاب مثلا تحاول إستقطاب الشباب ليسايرها ولكي يتبع منهجها ويرى محدثنا أن التركيز على إستقطاب الشباب ليس إعتباطيا، فالشباب له طاقة خلاقة وبالإمكان توظيف تلك الطاقة وقال: «ما أخشاه ليس تأثير السلفية على الشباب بل تأثيرات أخرى أكثر خطورة لأن هناك الكثير من التضخيم في الحديث عن الظاهرة السلفية وذلك للتغطية على قضايا أخرى». وقال ان هناك «سلفيين» هم ضحايا السلفيين المتشددين وان هناك سلفيين ضحايا أيضا «التجمع» وبالتالي أصبح السلفيون بمثابة «الشماعة» التي تعلق عليها الأخطاء . وأكد أنه يوجد سلفيون حقيقيون ولكن هناك من يضع لحية صناعية ويتم تأجيرهم لتنفيذ عمليات لفائدة أطراف سياسية وهؤلاء يتقاضون مالا للقيام بالتخريب والتكسير، ولم يخف «ساسي» أنه تحدث عمليات غسيل المخ و«الدمغجة» في بعض المساجد وحتى في غير المساجد وحتى من خلال القنوات الفضائية ويعتبر بعضها مؤثرا وللأسف بعض الشباب يسير نحو «الضياع» والمجهول وقال: «من يتبع طريق السلفية الحق فهو يتجه نحو الطريق الصحيح». وأضاف: «لو خيّروني أي طريق يسلك إبني عندما يكون في الجامعة طريق المخدرات أو السلفية فأنا أحبّذ أن يختار «السلفية». وردّا على دمغجة بعض الشباب الذين سرعان ما يصبحون كالآلة في أيادي بعض الجماعات المتطرفة قال: «هذا ليس خاصا بالإسلاميين... التأثيرات موجودة من جميع الأطراف تماما مثل تأثيرات اليسار فهناك مناهج تفكير مختلفة والدمغجة قد تحصل لدى الناس بوسائل مختلفة». وترى السيدة منى أن سلوك وتصرفات قريبها السلفي تغيرت في الفترة الأخيرة وقد أصبح يحمل أفكارا ظلامية حتى أن والدته نصحته بالإبتعاد عن مثل هذا السلوك ولكنه عندما حدّث الجماعة التي ينتمي اليها بما قالته والدته قالوا له ان والدته «كافرة» وطلبوا منه إقامة الحد عليها وأنه هو الذي يتعين عليه تنفيذ ذلك، لكن بواسطة مجهودات العائلة أدرك أنه كان سيرتكب حماقة كبرى وإبتعد عن هؤلاء المتطرفين. ويرى سامي براهم باحث في الحضارة العربية أن التأثر والتحول في سلوك بعض الشباب يقع إما داخل السجون حيث ربط بعض الشباب الصلة ببعض الجماعات ووجدوا أنفسهم في علاقة مع السلفية الجهادية وقد تكون العلاقة صادقة ويحدث التأثر والتغيير لكن لا يكون جذريا لأن التواصل الإنساني عادة لا يغير سلوك الآخر أو ان تتواصل العلاقة ويحدث «التأسلف». وقال أن هناك صنفا يتم إستقطابه وبالأخص من التيارات الجهادية لأن هذا التيار بصدد تكوين «حزام» ليحيط به نفسه ولا يمكن تكوينه إلا من الفئات الشاببية وخاصة الفئات الهشة لأنها مفتوحة على الإنحراف ويسهل إستقطابها. وقال براهم: «لاحظنا كباحثين تغيّرا كبيرا في الخطاب السلفي بين ما قبل الثورة حيث كان الخطاب موغلا في الأخلاقية والسلوك الإسلامي النقي وأصبح بعد الثورة خطابا له مضمون إجتماعي كالفقر والتهميش وموجها للمحرومين من التنمية، وبالتالي فإن التيار السلفي عندما يستقطب بعض الفئات الشبابية يعرف مسبقا أن هذه الفئات لن تتبنى فعلا الفكر السلفي وان لها نزوعا إنحرافيا لكن لغايات دعوية قد يقبلون بهذا الصنف من الشباب . وأكد أن هناك فئة وجدت في تقمص مظهر السلفي طريقة للتخفي لتجنب الملاحقة وقال قد نجد أشخاصا فصاميين لهم مظهر سلفي لكن سلوكهم إنحرافي «مخدرات خمر»... وهناك صنف يتلقى إحاطة ودعما ماليا من السلفيين وهو ما لاحظناه في بعض الأحياء الفقيرة حيث يقوم السلفيون بتمويل مشاريع صغرى للشباب ويساعدونهم على فتح محلات وبالأخص «الفريب» أو ان يكونوا باعة متجولين...فالإطار السلفي هنا يريد احاطة نفسه بحزام سلفي. وإعتبر سامي براهم أن التشخيص الأولي الذي وصل إليه أغلب الباحثين يبين أن التيار السلفي ينتشر في غياب التيارات الأخرى مثل الأحزاب والنخب الفكرية وبالأخص لدى الفئات الشعبية فيشعر الشباب ان التيار السلفي هو التيار الوحيد الذي يفكر في همومه ولديه «الإحساس». أما الأحزاب والجمعيات فهي بعيدة جدا عن هموم الشباب وبالتالي وجد الشباب نفسه في تواصل مع التيار السلفي من خلال الخيام والمساجد. واضاف:»الخطاب السلفي يركز على العاطفة ويستغل عاطفة الناس بمقاربة دينية وبالتالي ليس هناك فرص لبعض الشباب المستقطب لكي يخضع مضمون الخطاب للنقد ولأن هناك من لا يستمع لخطابات أخرى خاصة أن «النهضة» تكاد تفقد علاقتها بالشارع إذ يعتبر البعض انها خرجت عن ثوابت الدين لذلك لجأوا إلى الفضائيات والدعاة القادمين من الخارج الذين نجحوا في الترويج لخطاب معين خاصة وأن الشباب يعتبر ان الخطاب الرسمي في تونس لم يتجدد حتى لدى الأطراف الدينية. وقال براهم «في ظل غياب الفكر الآخر فإن الإستقطاب يطال عادة شبابا منضبطا وملتزما أو ما يعرف بالعقول السلفية فوراء كل سلفي متشدد سلفي تكفيري أو حداثي مستقيل أو تنويري صامت... وهناك فئة من السلفيين المجاهدين ممن شاركوا سابقا تحت لواء «القاعدة» وعادوا إلى تونس بعد الثورة بعد أن قضوا 15 و20 سنة في المهجر ولازالوا محملين بالذاكرة القديمة ولم ينخرطوا في الحياة لان ذاكرتهم معبأة ومملوءة بالمواقف الجهادية ولذلك هم يشكلون نقطة جذب وتأثير في الشباب في تونس لكن تونس ليست امتدادا ل «القاعدة» لأن «القاعدة» لا تثق في بناء جذور لها في تونس خوفا من الإختراق». وأكد براهم «ان الحلول الأمنية ستزيد الظاهرة مشروعية لأنها ستصبح ضحية وتحمل عقدة المظلومية وبما أننا في تونس ما بعد الثورة لا بد من المرور إلى الثورة الثقافية أو إستئناف الظاهرة الإصلاحية فقد كانت في الماضي المؤسسة الزيتونية جاهزة للرد على دعوات الوهابية في فترة ما لكن اليوم النخبة غائبة وتنامي التيار السلفي دليل على فشل النخبة فحتى النخب الجامعية عاجزة عن معالجة هذا الفكر وحتى فئة المثقفين فقد إختاروا أن يكونوا بجانب السلطة وبما أن الحريات الأكاديمية ليست محل جدل رغم المؤشرات الحالية المقلقة فإن النخبة ليس لها عذر لكي لا تستأنف مشروع الإصلاح».