شاهدت الشريط التونسي «الأستاذ» لمحمود بن محمود ضمن عروض مهرجان الدوحة السينمائي الذي يتزامن مع أيام قرطاج. كل العلامات تدل على تفاوت الامكانات المادية بين مهرجانين أحدهما عريق نافذ في محيطه العربي الافريقي والثاني يتحسس طريقا نحو التجذر في افق العالمية، علامات قد تكون بسيطة او بلا اهمية لدى البعض ولكنها ضرورية في نظري بدء بتصميم مواقف السيارات الأرضية لتفضي مباشرة الى قاعات العرض والمتطوعين الذين يستقبلون المتفرجين القادمين من وسط المدينة عبر حافلات مجانية ويوجهونهم الى القاعات، وصولا الى مكونات القاعة التي عرض على شاشتها الشريط وما توفره من جودة في الصوت والصورة وراحة في الجلوس، حتى الميكروفون اللاسلكي الذي تحتاجه اذا شاركت في الحوار مع المخرج والممثلين اثر العرض يصلك بسهولة وبمجرد الاشارة. هذا الجانب المادي نحن منهزمون فيه لا محالة اذا اردنا المقارنة، والمقارنة في مثل هذه الحالات تفرض نفسها فرضا، فأصداء الدورة الحالية لأيام قرطاج دون المأمول والصور التلفزيونية القليلة التي تصلنا عن هذا الحدث عبر شاشة الوطنية الاولى تتحدث بوضوح عن فشل تجمعت ربما عن غير قصد كل مكوناته. الفرق الجوهري بين المهرجانين يكمن في الرؤية الاستراتيجية: لماذا ننظم مهرجانا للسينما؟ انه سؤال يحتمل اكثر من اجابة، ولكن الاجابة الاهم ان يكون الحدث أداة لتوسيع قاعدة السينما الجماهيرية في ظل ما تشهده من انحسار بسبب تزايد أدوات الصورة الحاضرة بقوة في حياة الناس اليومية. هذا التوجه هو الذي تنطق به كل عناصر مهرجان الدوحة، فبرنامج الدورة كان جاهزا منذ اكثر من شهر ومعروضا على شبكة الانترنات لا في شكل ملخصات نصية قصيرة وإنما مصحوبا بالفقرات الترويجية للأفلام ذاتها، موقع الواب يقدم لك ذلك ويطلعك على اماكن العروض وتوقيتها واسعار التذاكر ويخبرك عن عدد الاماكن المتبقية في ذات العرض ويتيح لك امكانية شراء التذكرة الكترونيا، او ارشادك إلى الكيفية التي تمكنك من اقتناء تذكرة في آخر لحظة اذا ما كان العرض مزدحما دون ان يغفل عن توجيهك الى الفضاء الذي ستعرض فيه الأفلام مجانا في الهواء الطلق! قبل حوالي شهر من يوم الانطلاق توزعت في الفضاءات التجارية الكبرى اكشاك تحمل الشارات المميزة للمهرجان عمل فيها شبان متطوعون على استقطاب الفضوليين من الزوار بتوضيح البرنامج وشرح مزايا اقتناء التذاكر مبكرا بأسلوب تسويقي لا يختلف عن الأسلوب الذي يعتمده تجار المواد الاستهلاكية الاخرى. وتزامنا مع ذلك اجتاحت معلقات المهرجان كل واجهات العرض الاشهاري في الدولة اذ كانت المعلقة الاساسية صورة لاشخاص بصدد الفرجة ويحمل كل وجه من الوجوه ملامح وقسمات انفعالية مميزة، وتم تفكيك هذه اللوحة الأم الى عشرات اللوحات توزعت في الشوارع حاملة كل واحدة منها وجها من الوجوه بتعبير مختلف! كل هذه العناصر التنظيمية تدل على ان المهرجان يدرك التحديات التي اصبحت تحول دون اقبال الناس بكثافة على العروض السينمائية فصمم ليحمل السينما الى اليهم. واذا قارنا هذه الخطوات البسيطة غير المكلفة بما يحدث في أيام قرطاج السينمائية الأعرق في المنطقة الافريقية والعربية فإن سؤال الجدوى يطرح نفسه من جديد بكل إلحاح فما قيمة صرف أموال على حدث ثقافي يذهب جزء كبير منه هباء ولا يمكث منه شيء في الارض.