انتظرنا الكثير من الدورة الرابعة والعشرين لأيام قرطاج السينمائية خاصة أنها الدورة الأولى بعد الثورة. انتهت التظاهرة يوم السبت 22 نوفمبر بقاعة الكوليزي وظهرت النتائج التي لم تكن مفاجئة للمتابعين. لقد طرح الكثيرون ومنهم كاتب هذا المقال تساؤلات عديدة حول مستوى التنظيم والإخلالات الحاصلة بأكبر تظاهرة سينمائية عربية وإفريقية. هل استثمرنا الثورة التونسية و تونسالجديدة في أيام قرطاج السينمائية ؟ هل وظّفنا رمزية شارع الحبيب بورقيبة في نجاح هذه التظاهرة الفنية والسينمائية ؟ هل عاش التونسيون فعلا هذا المهرجان وتفاعلوا معه ؟ هل غيّر من نبض حياة التونسيين الرتيبة هذه الأيام ؟ والأهم من ذلك كلّه وهو لبّ الموضوع : هل تغيّرت الوجوه وأدوات التنظيم والمنظومة التي تسيّر القطاع الثقافي حتّى أصبحت وصيّة على الثقافة في بلادنا ؟ لماذا تغيّر منشّطو حفلتي الافتتاح والاختتام ؟ أسئلة عديدة تخامرني حتّى قلت في نفسي : هل سمع المشرفون على المهرجان بحدوث ثورة 14 جانفي في تونس؟ أرفض العدمية، لكن ما حصل بين حفلي الافتتاح والاختتام يجبرني على التأكيد على أن النظام القديم ومنظومته المعقّدة مازالت فاعلة وقويّة. لقد نشّط حفل الافتتاح الإعلامية المتميّزة مريم بن حسين التي تستحق مكانة في المشهد الإعلامي بسبب الفقر الذي تعيشه برامج المنوعات في التصوّرات والابتكار، ورمزي الملوكي الذي يقيم بالولايات المتّحدة ويعمل ب«كنال+» وهما من الوجوه التي لم تأخذ حظّها في العهد البائد، وقلنا بأنّها بداية جديرة بالتنويه وهو ما يحسب لوزارة الثقافة التي أرادت القطع مع الماضي، وكلنا يعلم الأسماء التي تقوم بهذه المهمة سابقا ومقاييس اختيارها. لكن الجميع لاحظ الحملة الشرسة التي شنّتها بعض الصحف الصفراء على مقدّمي حفل الافتتاح وهي حملة غير بريئة ممّا جعل المنظمين يختارون منذر القلعي لتنشيط الحفل الاختتامي، وهذا الأخير لمن لا يعلم كان مدير البرامج بقناة 7 سنة 2002 وبالتالي فالأمر مثير للدهشة والاستغراب وهو ما يؤكّد متانة المنظومة الإعلامية القديمة وتأثيرها الذي يظهر خاصة في التظاهرات الكبرى. تتحمّل لجنة التنظيم ووزارة الثقافة المسؤولية الكاملة في ما حصل من لخبطة وفوضى في الحفل الافتتاحي، لقد كان جديرا بتونس الثورة أن يكون الحضور بدعوات مضبوطة لمن يستحقّها من أهل المهنة فهو عرسهم ومناسبتهم إضافة إلى ضرورة استدعاء ضيوف كبار من الحجم الثقيل كما فعل أشقاؤنا بمصر في مهرجان الاسكندرية السينمائي عندما كانت النجمة الإيطالية والعالمية مونيكا بيلوتشي ضيفة شرف المهرجان لا أن نتخفّى وراء التقشف والشعارات الثورجية الفارغة. ينقصنا الابتكار والإبداع والنظرة الاستشرافية لأنّنا نعاني من فقر في الأفكار والتصوّرات. لقد كان من الممكن استثمار الشارع الرمز «شارع الحبيب بورقيبة» وجعله شارع السينما العربية والإفريقية طوال أيام المهرجان مثلما أصبح ميدان التحرير في مصر هو رمز الثورة المصرية. لولا فيلم «ديقاج» لمحمد الزرن لنسينا بأننا نعيش ثورة وكنت أتمنّى لو انكبّ المؤلفون والسينمائيون في بلادنا الذين أبدعوا سابقا في أفلام الإثارة الجنسية حتّى صرنا محلّ تندّر لدى الكثيرين أن ينجزوا عملا فنيّا حول اعتصام القصبة 1 والقصبة 2 اللذين صحّحا مسار الثورة وجسّدا وحدة التونسيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية في رفض كل محاولات الالتفاف على ثورتهم ويصبح العمل رسالة إيجابية للطبقة السياسية وللشعب التونسي بضرورة الوحدة ونبذ كل أشكال التفرقة والخصومات الإيديولوجية التي تنخر صفوف التونسيين في هذه الفترة الصعبة التي نعيش فيها توتّرا سياسيا واجتماعيا. أن يتأخّر عرض فيلم « ما نموتش» للنوري بوزيد فتلك فضيحة والأعظم من ذلك أن تتسرّب إشاعة خبيثة بأن الأمر مرتبط بتهديد السلفيين لعرض الفيلم، وقد تبيّن فيما بعد أن المشكل يتعلّق بخلل تقني وهو ما جعل وزير الثقافة يقول متهكّما: «السلفية التقنية هي التي أجّلت عرض الفيلم». يجب أن ينطلق التقييم من الآن استعدادا للدورة القادمة، ولابد من القطع مع الذين يحاولون ممارسة الوصاية الثقافية وكانوا أحد أركان النظام السابق. ورشة العمل مطالبة بتقديم تقرير متكامل ومقترحات جديدة للنهوض بأيام قرطاج السينمائية. نريد وجوها جديدة تمتلك تصوّرات وأفكارا من صميم ثورة الشعب التونسي الذي أبدع ثورة أدخلت العرب عصر الحداثة السياسية. الشباب وحده قادر على ذلك فمتى يتقاعد الشيوخ الذين أساؤوا للمهرجان ولتونس؟