بقلم: مصطفى قوبعة توجت جولة الحراك الأخيرة بين الحكومة المؤقتة والاتحاد العام التونسي للشغل بتوقيع الطرفين على اتفاق تمّ بموجبه إلغاء الاضراب العام المقرّر ليوم 13 ديسمبر 2012. وبصرف النظر عن ردود الفعل الآنية لبعض الأوساط النقابية والسياسية بعد قرار الهيئة الادارية إلغاء الاضراب العام، فإنّ قراءة متمعّنة بين سطور الاتفاق وللظرف العام، الذي تمرّ به البلاد توحي بطريقة مباشرة احيانا وبطريقة غير مباشرة أحيانا أخرى أن اتحاد الشغل قد خرج من هذه الجولة مرفوع الرأس. كما انتزع من الوفد الحكومي المفاوض ما أراد انتزاعه، وقد تجلّى هذا بالخصوص في عمق مضمون الاتفاق وفي حسن التعامل مع الظرف الوطني العام. أولا في مضمون الاتفاق: تضمن نص الاتفاق سبعة بنود جاءت في جلّها منصفة لاتحاد الشغل وهي على التوالي: 1 البند الأول: لما تؤكد الحكومة المؤقتة على مسؤوليتها دون سواها في حماية حق النشاط السياسي والمدني والنقابي فإنها تقر ضمنيّا بتقصيرها في تأمين هذا الحق وفي حمايته. 2 البند الثاني: لما تعبّر الحكومة عن إدانتها للاعتداء الذي طال مقرّ الاتحاد وتدين ضمنيا الجهات التي قامت به، وفي هذه الادانة اعتذار غير صريح وغير مباشر من الحكومة للاتحاد. 3 بالنبد الثالث: لما يتم الاتفاق على تكوين لجنة مشتركة بين الاتحاد والحكومة للتحقيق في اعتداء 4 ديسمبر المنقضي وعلى تحديد سقف زمني لعملها، يكون الاتحاد قد توفق في التصدي لمحاولة الالتفاف على مسار التحقيق في هذه الأحداث برفضه لجنة تحقيق مستقلة مبهمة التركيبة ولا تؤمن له شروط الحياد والموضوعية والجدّية المطلوبة. وتكوين هذه اللجنة بهذا الشكل فيه ايحاء كذلك بتقصير الكتابة العامة للحكومة في تطبيق احكام مرسوم 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات على خلفية تراخيها في التعامل الجدّي مع ما نسب في عديد المرات لرابطات حماية الثورة من تجاوزات، على أن يبقى مصير رابطات حماية الثورة مرتبطا بنتائج عمل اللجنة المشتركة وباستنتاجاتها النهائية. 4 البند الرابع: في انتظار مآل رابطة حماية الثورة كذات معنوية، أقرّ الاتفاق تتبع الأفراد بصفتهم الشخصية في مرحلة أولى وذلك من خلال الاحتكام الى القانون عموما وإلى القضاء خصوصا بتفعيل الاجراءات القضائية الكفيلة بمحاسبة من ثبت تورطهم في الاعتداء على مقر الاتحاد وعلى مسؤوليه وموظفيه. 5 البند الخامس وهو البند الأهم معنويّا، فيه ردّ اعتبار للاتحاد العام التونسي للشغل، وتثمين لدوره على جميع المستويات، وفي كل هذا تنزيه من الحكومة للاتحاد من كل ما نسب إليه بمناسبة حملات التشويه التي استهدفته. ثانيا في حسن التعامل مع الظروف الوطني العام: طعبا كان بإمكان الاتحاد العام التونسي للشغل أن يمضي قدما في تنفيذ اضرابه العام الوطني لولا ما طرأ من مستجدات خطيرة على طول جزء هام من شريطنا الحدودي مع الجزائر مع اقتراب موعد 13 ديسمبر، وأغلب الظن أن هذا المعطى «المفاجئ» أثر بدرجة كبيرة على قرار تنفيذ الاضراب من عدمه. فمعلوم أن تسلّل المجموعات الارهابية وما رافقه من اشتباكات مسلحة كانت دامية أحيانا مع سقوط شهيد من الحرس الوطني وعدد من الجرحى من العسكريين ومع تواتر الأنباء عن اكتشاف مخابئ لأسلحة ولذخائر حربية هنا وهناك في مناطق مختلفة من شمال ووسط الشريط الحدودي يستوجب تفرغا تاما للمؤسستين الأمنية والعسكرية للتعامل الميداني مع هذه الأحداث ومع تداعياتها على الوجه الأفضل. إن نجاح الاضراب العام الوطني لا يقاس فقط بحساب نسبة اقبال منخرطي الاتحاد فيه من القطاعين العام والخاص ولكن يقاس كذلك وبنفس الدرجة من الأهمية بالأجواء الأمنية العامة التي ينفذ فيها الاضراب العام. فاتحاد الشغل يعتبر نفسه في حالة تنفيذ الاضراب العام مسؤولا عن تحركات منخرطيه وعن أداء مسؤوليه في تأطير المضربين عن العمل وتحركاتهم دون سواهم، ولا يتحمل بالتالي مسؤولية انفلاتات أمنية خطيرة قد تسبب فيها الجهات المعادية له أو الفئات الاجتماعية المهمشة غير المؤطرة نقابيا وسياسيا وما أكثرها. وفي ظل تفرغ المؤسستين الأمنية والعسكرية لأداء واجبها في معالجة الأوضاع الطارئة على الشريط الحدودي بصرف النظر عن خلفياتها، فإنه يصبح من الصعب على هذين المؤسستين تأمين النظام العام وحماية الممتلكات العامة والخاصة على كامل تراب الوطن من أعمال التخريب والنهب التي قد تقع يوم تنفيذ الاضراب العام. وفي قراءة أخرى لالغاء الاضراب، فإن اتحاد الشغل بقراره هذا يبدي تضامنه المطلق مع المؤسستين الأمنية والعسكرية في مواجهة «المدّ الارهابي» الذي أصبح يهدد بمناسبة أو دون مناسبة سيادة وسلامة الوطن كما أمن الشعب. في هذا الظرف الدقيق يكون اتحاد الشغل قد تجنب السقوط في الفخ، وغلّب ما تقتضيه المصلحة العليا للوطن حسب منظوره، وأبقى، وهذا المهمّ، الأبواب مفتوحة أمام جميع الاحتمالات بدعوته الهيئة الادارية للانعقاد بعد أربعين يوما أي تقريبا يوم 26 جانفي القادم ليبني على الشيء مقتضاه وخاصة في ما يتعلق بتقييم ما آلت إليه بنود الاتفاق مع الحكومة.