أتمنى أن يبتعد السينمائيون العرب عن الإيديولوجيا.. التونسية- من مبعوثنا الخاص إلى دبي، مالك السعيد على هامش الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي، نظم عرفان رشيد-» العراقي الكردي» كما يقدم نفسه بحرص شديد على الترتيب - ندوة صحافية عن طريق «السكايب» جمعت عددا من الصحافيين والسينمائيين الحاضرين في المهرجان دعيت التونسية للمشاركة فيها وفي الضفة الأخرى كان هناك الفنان التونسي مصمم الحروف الراقصة نجا المهداوي والفنان التشكيلي الإيطالي أوغستينو فراري واللبنانية ماريا كارازون مباشرة من مسرح «ريدجيو كالابريا» المطل على مضيق ميسينا بجنوب إيطاليا بحضور أكثر من مائتي طالب في إطار تظاهرة ثقافية عنوانها «الحدود» تنظمها مؤسسة «هوركينوس أوركا»، وقد سجلت هذه الندوة حضور عبد الله بوشهري وهو منتج سينمائي كويتي شارك في إنتاج الفيلم العراقي «مطر وشيك» لحيدر رشيد في سابقة في العلاقات الكويتية العراقية منذ حرب الخليج الثانية. «التونسية» حاورت عرفان رشيد مهندس هذا اللقاء العابر للحدود، ويشغل عرفان خطة مدير البرامج العربية بمهرجان دبي السينمائي كما يتولى إدارة تظاهرة «بحر السينما العربية» بمدينة ميسينا الإيطالية. حين تسأل عرفان رشيد من أي مكان أنت؟ يجيبك بإبتسامة ودودة «أنا عراقي كردي» ويمضي مستغرقا في حديثه الذي لا ينتهي عن السينما وعن المسرح حبه الأول. يؤكد عرفان ان المسرح هو همه الأول، إلا أن السينما طغت على هذا الهم، ويستدرك قائلا إنه لن يهجر المسرح، بل سيعود إليه لأنه يحن إلى غباره وظلامه الدامس». ولد عرفان رشيد الفنان، والناقد السينمائي، والصحافي عام 1952 في مدينة خانقين. أحب الموسيقى، وكان يتمنى تعلم العزف على آلة الكمان، لكن رغبته اصطدمت بمعارضة العائلة، انتقل مع أسرته إلى بغداد حيث اتيحت له الفرصة بعد انهاء دراسته الثانوية، للدخول الى عالم المسرح، وفي عام 1972 التحق بقسم الفنون المسرحية في أكاديمية الفنون الجميلة، وتتلمذ على يد كبار المسرحيين العراقيين وشارك في عدد من المسرحيات ممثلا اضطر عرفان إلى مغادرة العراق عام 1978 بعد أن وجد نفسه أمام خيارين، أحدهما أصعب من الآخر، إما الانتماء الى حزب البعث أو الموت، فإختار الحياة خارج البعث وخارج العراق، خطط لحياة فرنسية ولكنه وقع في حب مدينة فلورنس الإيطالية حيث صنع حياته صحافيا ومنتجا إذاعيا وتلفزيا وكاتب سيناريو وناقدا سينمائيا، كما شغل خطة مسؤول الاعلام العربي لخمس سنوات في الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وعمل محرراً في القناة الإيطالية الناطقة بالعربية إلى جانب مساهمته في تأسيس وإدارة القسم العربي لوكالة الأنباء الإيطالية. كما اسس الموقع الالكتروني التلفزيوني »لانتيرن تشانال» الذي يرأس تحريره، وقد حاز عام 2004 على جائزة (إسكيا) وهي أهم جائزة ايطالية في مجال الصحافة والإعلام. عرفان رشيد تحدث ل«التونسية» في هذا الحوار.. ما ذا يمكن أن نعرف عن مؤسسة «هوركينوس أوركا»؟ «هوركينوس أوركا» هو في الأصل عنوان كتاب ضخم لكاتب صقلي هو «ستيفانو بازيلي» مكتوب بلغة شعرية خاصة ويعتبر من الملاحم المحلية ولم يترجم إلى لغات عديدة لصعوبته حتى على الإيطاليين أنفسهم. هل هو دانتي صقلية؟ (دانتي هو مؤلف كتاب الكوميديا الإلاهية سنة 1321 ) «خليني أغامر وأقول هذا الكلام،» إذ يحتفظ «ستيفانو بازيلي» بموقع مهم في المكتبة الإيطالية وتثمينا له أطلق إسمه على هذه المؤسسة ذات الطابع العلمي الثقافي وضمن مهرجانها الثقافي الذي ينظم سنويا في شهر اوت اطلقنا قبل سنوات قسما هو «بحر السينما العربية» الذي أديره وهو لا يشبه سائر المهرجانات بل نعتمد على «تيمات» إذ كانت تيمة الدورة الأولى «الإنسان، المواطن، الحدود» وفي السنة الموالية. «الكوكب إمرأة» ثم «الطفولة»، وفي السنة الماضية كان يفترض ان يكون عنوان الدورة «هل كان ربيعا عربيا حقا؟» وكنا نعتزم عرض الأفلام التي تعاملت مع ما يسمى بثورات الربيع العربي ولكننا اجلنا هذه الدورة إلى منتصف شهر فيفري القادم حتى يتاح لجمهور التلاميذ والطلبة متابعة المهرجان خلال العطلة، وقد اتاح لنا تأخير الدورة أن نتثبت من شكوكي وكثيرين غيري حول إمكانيات قدرة هذه الثورات على خلق ديمقراطيات. وتعمل مؤسسة «هوركينوس أوركا» على صعيد الفنون التشكيلية وبناء أرشيف بصري متوسطي لوضعه في متناول الباحثين، وهناك رغبة في تأسيس أرشيف السينما العربية، كما تساهم المؤسسة في مجال البحث العلمي في مجال الطاقة البديلة باستخدام التيارات البحرية. بدا لي مفاجئا أن يلتفت مهرجان دبي السينمائي إلى مؤسسة ثقافية في جنوب إيطاليا تهتم أساسا بالعلاقة بين ضفتي المتوسط؟ ربما كنت محقا في سؤالك، ولكن وجودي في المهرجانين أتاح هذا التواصل، أضف إلى ذلك أن مهرجان دبي يمكن أن يمثل دعما كبيرا لبحر السينما العربية الذي هو بمثابة معرض للسينما العربية، نحن لا ندعي بما ليس لنا، نحن لسنا مهرجانا كبيرا في ميسينا ولكن مهرجان دبي ينطلق من إيمانه بأن من أدواره توسيع مجالات التعريف بالسينما العربية والترويج لها في مختلف أصقاع العالم والأستاذ مسعود أمر الله آل علي وجه رسالة محبة للمشاركين في هذه الندوة عن طريق «الفيديو كونفرونس» قمت بتبليغها لهم.. كان حضور المنتج الكويتي عبد الله بوشهري في الندوة لافتا للإنتباه خاصة وأنه مساهم في إنتاج الفيلم العراقي» مطر وشيك» لحيدر رشيد؟ هذه سابقة أولى ومحاولة لإذابة الجليد بين البلدين. من الذي مد يديه للآخر؟ حيدر ام عبد الله؟ المخرج والمنتج صديقان منذ فترة طويلة. هل لأنهما من جيل الشباب الذي لا يحمل عبء موروث السنوات الماضية تمكنا من التقارب؟ كل واحد منا يحمل تاريخه الموروث، لا يمكن لهذا التاريخ بكل ما فيه أن يمحى بل يجب التعامل معه ويجب تجاوزه، ما يجمع بينهما أنها ترعرعا خارج بلديهما فحيدر رشيد وهو بالمناسبة إبني ولد وكبر في إيطاليا، وعبد الله بوشهري عاش لسنوات طويلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فكرة فيلم «مطر وشيك» بدأت بينهما في مهرجان «كان «ولم يكن عبد الله في البداية جزءا من المشروع ثم إلتحق بالفيلم، أما الوعي بأنهما بصدد إنجاز سابقة في العلاقات الثقافية بين العراق والكويت فجاء بشكل متأخر وربما لم ينتبها إليه إلا بإيعاز من طرف ثالث وهذا دليل على ان ما جمعهما هو الفيلم ولم تكن السياسة تشغل أيا منهما، وفي النهاية ما قام به حيدر وعبد الله واحدة من خطوات المصالحة الحقيقية بين البلدين. هل يمكن لهذه الخطوة بإنتاج فيلم عراقي كويتي أن تخترق حائط الثلج بين البلدين؟ أنا لا أقول يمكن، بل يجب، لا بد من خطوة أولى في مسار طويل، لا يمكن أن نغير الجغرافيا والتاريخ، ما حدث في التسعين مأساة يجب أن يتم تجاوزها، لا خيار لنا غير ذلك، نحن إخوة ولا يمكن أن نكون خلاف ذلك، كانت هناك علاقات ثقافية وطيدة بين المسرحيين والموسيقيين في البلدين، رقصة الليوة الكويتية كانت ترقص في بغداد وبعقوبة في الأفراح والأعياد، تلك الغمامة السوداء يجب أن تزال وإذا لم يدرك ساسة البلدين أهمية الثقافة في إزالة هذه البقعة السوداء فلن ننجح في تحقيق سلام ووئام شامل بين البلدين، علينا أن نبدأ بالثقافة وهو ما فعله حيدر وعبد الله في «مطر وشيك». هل تعتقد أن المطر وشيك فعلا؟ أنا أعتقد أنه وشيك، هو مطر قادم وسيحمل الخصب على الأقل على صعيد إبداع الشباب اما نحن انا وأبناء جيلي فعلينا ان ندرك بأننا عابرون وبأن العراق والكويت باقيان جيرانا رغم كل شيء، هناك جملة مكتوبة على بوابة القصر الأميري في الكويت شاهدتها عند زيارتي له سنة 1989 «لو دامت لغيرك لما آلت إليك»، علينا إذن أن نستوعب كسياسيين ومثقفين أن الأوطان باقية وعلينا أن نستفيد من زخات المطر حتى تزهر صحراؤنا. كم فيلما عربيا شاهدت بصفتك مديرا للبرامج العربية؟ أعتقد أننا بلغنا 650 فيلما شاهدناها كلها وبعضها شاهدناه اكثر من مرة، لم نترك اي فيلم إلا وشاهدناه. هل تذهبون إلى الأفلام أو تنتظرون قدومها إليكم؟ نذهب وننتظر، كثير من الأفلام سعى صناعها لعرضها على مهرجان دبي السينمائي وخاصة أفلام العرض الأول رغم كونه المهرجان الأخير في السنة من حيث موعد الانتظام. من هو صاحب القرار الأخير في إختيار الأفلام العربية؟ لجنة إختيار الأفلام العربية، القرار جماعي دائما في مهرجان دبي. وحين تختلفون؟ حين نختلف نتناقش. من نحن؟ نحن تشملني ضمن لجان إختيار المسابقات و«ليال عربية» ولجنة إنجاز.. هل كنت موافقا على قرار إستبعاد ثلاثة أفلام سورية من المهرجان بعد أن تم الإعلان عنها؟ لقد أصدر المهرجان بيانا رسميا في الغرض واكتفي بما ورد فيه لأنه كان واضحا. تتمسك بالبيان الرسمي؟ نحن نتناقش في كل شيء، وحين يتم إتخاذ أي قرار مهما كان، يصبح القرار موقفنا الجماعي، هذه هي طريقة عملنا في مهرجان دبي، في كثير من الأحيان بعضنا يوافق على برمجة فيلم لم يكن موافقا عليه عند مشاهدته له بشكل فردي، فخياراتنا دائما جماعية، ففي هذه القضية وغيرها لن تراني إلا مدافعا عن وجهة نظر المهرجان. هل تعتقد ان التغيير في رأس نظام الحكم في تونس أثر على السينما التونسية؟ وإن كان ذلك كذلك ففي أي إتجاه كان التأثير؟ - أعتقد أن الإطاحة برأس نظام الحكم وفر فضاء حرية سيمكن السينمائيين من تنويع تعبيراتهم والأصوات التي تم إسكاتها ستنطق أخيرا، أنا أتمنى فقط أن السينمائيين العرب يبتعدون عن الرؤية الإيديولوجية للأمور، هناك آلاف الأفكار في العالم إذا دخلت الإيديولوجيا أفسدتها، لنترك هذه الزهور تتفتح حتى نجد أنفسنا أمام حديقة غناء، أنا لا أريد أن أتحدث عن أي سينما عربية والمهرجان لم ينته بعد ولكني أفترض ان ينشر حوارنا إثر الإعلان عن النتائج، ما أردت قوله أن السينما التونسية. حققت خطوات مهمة وفتحت نوافذ جمالية جديدة بأفلام مثل «يا من عاش» لهند بوجمعة في صراع تلك المرأة المستمر من أجل البقاء قبل الثورة وبعدها، أعتقد أنه ستكون هناك وفرة في السينما التونسية التي لها تاريخ «أجيبلك إسم آخر، لما أشوف فيلم للمخرج الأسعد الوسلاتي او انيس الأسود أفرح وأتابعهم» لأنهم سيكتبون سفر السينما العربية خلال العشرية القادمة. في جملة نقدية، ماذا تقول عن فيلم «مطر وشيك» لحيدر رشيد؟ - فيلم عبر بصدق عن ألم كامن في ملايين من الشباب مثل حيدر يبحثون عن انفسهم يقول سعيد مهران بطل الفيلم «عندما تبلغ سن المراهقة تسأل مثل الآخرين ألف سؤال لكن من كان في وضعي يسأل سؤالا آخر إلى جانب الألف سؤال وهو من أنا؟ الفيلم طرح هذا السؤال بعمق.. ماذا تفضل ان ينادى مخرج «مطر وشيك» حيدر رشيد أو حيدر عرفان رشيد؟ - هو إختار لنفسه حيدر رشيد وأنا أحترم إختياره أريد أن يكون ظلي بعيدا عنه لأن ظلي سيكون ثقيلا عليه، لأن حيدر بعد فيلمه الثالث يستحق أن يمشي على قدميه لأنه أثبت قدرته كصانع للصورة السينمائية ،نحن الآباء بقدر ما نتمكن من تخفيف ظلنا على أبنائنا نحن نساعدهم.. وبقدر ما نضيق عليهم نتعبهم.. كل نقاش مع حيدر ينتهي بمعركة ومن الغد يطبع قبلة على خدي.. ذلك ما أحتفظ به..