أثار رفض الميزانية المبرمجة لرئاسة الجمهورية عديد الردود والتأويلات، فالبعض يعتبر هذا الرفض «سياسيا» في حين يرى البعض الآخر أن أسباب الرفض تعود إلى تضخم حجم الميزانية وأنه ارتفاع غير مقبول أمام محدودية الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية. ولئن اختلفت الأراء بين مندد بهذا الرفض ومساند له فقد تحسّست «التونسية» آراء بعض الأحزاب في الموضوع. حاتم الكلاعي: لا للتأويلات السياسية قال «حاتم الكلاعي» نائب بالمجلس الوطني التأسيسي عن كتلة «المستقلون الأحرار» ان رئاسة الجمهورية تبرعت في السنة الفارطة ب20 مليارا لفائدة التشغيل وبالتالي إن كان باستطاعتها «التخلي» عن هذا المبلغ فالمفروض ان تخفض من الميزانية لا ان تتولى الترفيع فيها . وأضاف «فوجئنا بالترفيع في ميزانية الرئاسة خاصة أن المصاريف هي ذاتها وعلى هذا الأساس تم رفض الميزانية وبالتالي لا داعي للتأويلات والحديث عن أبعاد سياسية أو محاسبة على النوايا مثل الحديث عن توظيف الأموال للحملة الانتخابية للرئيس». وأشار إلى انه لا يجب مقارنة ميزانية الرئاسة ببقية الميزانيات وبالأخص رئاسة الحكومة لأن نشاطها أوسع، واعتبر انّنا في بلاد ديمقراطية يحق فيها القبول والرفض وبالتالي لا يمكن المصادقة على كل ما يقدم من مشاريع . وأضاف : «خلافا لما يرّوج ان هذه المسألة تمس من صورة تونس في الخارج فإن الصورة إيجابية وتبين ان المجلس له القدرة على الرفض، مؤكدا انّ الترفيع مشط وغير مبرر». محمود البارودي: ميزانية مرتفعة واعتبر «محمود البارودي» عضو المجلس الوطني التأسيسي عن «التحالف الديمقراطي» ان التحالف تحفظّ على الميزانيات الثلاث أي ميزانية الرئاسة والمجلس والحكومة ويرى أنها مرتفعة وقال «من المفروض ان تكون ميزانية الرئاسة قد نوقشت داخل اللجنة وأنه إن كانت هناك تحفظات كان الأجدر مناقشتها سابقا لا ان تمر وتطرح في الجلسة وتقرر الأغلبية التصويت ب«لا» داخل المجلس». مضيفا: «نشعر انّ هناك اختلافات داخل «الترويكا» وكنا نأمل انّ يكون التنسيق أكبر خاصة أمام تمسك رئيس الجمهورية بالميزانية الحالية» . وأضاف: «ربما أرادت الأغلبية أن تبعث برسالة سياسية لتخفف من الضغط على الأغلبية الحاكمة» مؤكدّا انه لا يجب الزج بمؤسسات الدولة داخل التجاذبات السياسية والنأي بها عن الصراعات مهما كان نوعها لأن مثل هذه المسائل تهز الثقة في رئاسة الجمهورية». وقال ان الرئيس يمثل تونس بالخارج و مثل هذه المسائل تحط من قيمته» . وأشار البارودي إلى أن وراء هذا الرفض إشكال خاصة بعد قبول الترفيع في الميزانيات الأخرى ...فلماذا لا يتم الترفيع في ميزانية رئاسة الجمهورية ؟». فتحي الجربي: نعم لتقشف الدولة وقال «فتحي الجربي» عن «حركة وفاء» أن الزيادات مرفوضة لأن الدولة التونسية لازالت تعمل بالمنظومة السابقة أي بالكثير من النفقات في حين انه يتعين «التقشف» في ميزانية الدولة وليس مطالبة الشعب بالتقشف. وأكدّ «الجربي» أن البعض قارن بين ميزانية النظام السابق والميزانية الحالية ومرّد ذلك ان الرئيس الحالي ليس له صلاحيات في حين ان جميع الأنشطة في عهد «بن علي» كانت مركزة على القصر الرئاسي وكانت هناك الكثير من الحركة في «قرطاج» وجميع الوزارات تعمل تحت اشراف بن علي لذلك كانت الميزانية كبيرة. مشيرا إلى أن الترفيع في ميزانية المجلس الوطني التأسيسي منطقية لأنه يعتبرمركز الثقل ومهمته مراقبة الحكومة وباقي السلطات . وقال انه كان من الأجدر الاكتفاء ب20 مليارا لرئاسة الجمهورية للقضاء على المتمعشين والنفقات الإضافية . وأشار إلى أنه على الحكومة التونسية التخفيض من النفقات وفي عدد كتاب الدولة وتدعيم المداخيل. وحول اعتبار البعض المسألة مجرد حسابات سياسية قال: «ربما يكون هذا الأمر «عقابا» للمرزوقي وهي حسابات خاطئة وللأسف السياسة «قذرة»، لكن بهذه الطريقة تصبح المسألة برمتها خاطئة لأنه يجب تغليب مصلحة البلاد على باقي الحسابات» . الهادي بن عباس: لا قيمة لبقية المصادقات وأكدّ «الهادي بن عباس» الناطق الرسمي بإسم «المؤتمر من أجل الجمهورية»، ان حزب المؤتمر يعتبر هذا الرفض ناتجا عن خلل داخل النظام المؤقت للسلط لأنه لم يقع الاستماع إلى ممثلين عن رئاسة الجمهورية وهؤلاء كان باستطاعتهم مدّ اللجنة بكل المبررات وأسباب الترفيع في الميزانية من 71 مليارا إلى 79 مليارا . وإعتبر «بن عباس»ان الترفيع ناتج بالأساس عن الزيادة في أجور الموظفين حيث بلغت الزيادة 70 دينارا لكل موظف ومن الطبيعي أن تنعكس تداعيات الزيادات في الأجور على الميزانية . وقال ان رئاسة الجمهورية لها عدة نفقات لا يمكن التخفيض فيها، مذكرا بدور الرئيس في استقبال وفود من الخارج والزيارات التي يقوم بها ومصاريف الإدارة والأمن . وأضاف: «نأمل ان يتم التراجع عن هذا الرفض وإلا ستسقط الميزانية برمتها، معتبرا انه لا قيمة لبقية المصادقات إن لم يتم المصادقة على ميزانية رئاسة الجمهورية.وقال : «عند الرفض ستعود المسألة لرئاسة الجمهورية ويصبح الرئيس هو الجهة الوحيدة التي يخول لها التصرف وذلك إلى حدود شهر مارس». وأكدّ أن هذا الرفض هو بمثابة الرسالة السيئة للخارج ،نافيا ان تكون لتصريحات المرزوقي علاقة بهذا الرفض. وقال: «تم الاتفاق داخل «النهضة» وبالأخص بعد إنعقاد مجلس الشورى على ضرورة القيام بإصلاحات وبالتالي لو كانت هناك ردة فعل كما يعتقد البعض لما صادق مجلس الشورى على إحداث تغييرات داخل الحكومة». واعتبر انّ ميزانية «بن علي» وصلت في وقت سابق إلى 98 مليارا وقال : «شتان بين ذلك أي ميزانية بن علي وال 79 مليارا الحالية»، مضيفا أن نفقات الرئاسة تمتاز بالشفافية وهي من المؤسسات القليلة التي وضعت تفاصيل نفقاتها على موقعها الرسمي بطريقة واضحة وجلية. وطالب «بن عباس» بقية الأطراف بالنسج على هذا المنوال. العجمي الوريمي : لا ينبغي تسييس المسألة وقال «العجمي الوريمي» من حركة «النهضة» أنه لا ينبغي تسييس المسألة خاصة وان الأمر مرتبط بتقديرات النواب ومتطلبات كل سلطة معتبرا ان مركز الثقل لا يكمن في رئاسة الجمهورية . وأضاف: «ان التنظيم المؤقت للسلط يحدد بدقة دور الرئيس» واعتبر أن الحديث عن الزيادات في الأجور مسألة محسومة ولا يمكن ان تكون بحال من الأحوال سبب الترفيع في ميزانية الرئاسة وأشار إلى أن النفقات الاضافية التي تخرج عن نطاق الصلاحيات والمهام الموكولة لرئاسة الجمهورية يجب أن تذهب لوزارات أخرى وللمشاريع التنموية والاجتماعية . ونفى أن تكون أسباب الرفض «سياسية» وأكد أنه داخل كتلة «النهضة» هناك أناس يتحلون بروح المسؤولية ولا يدافعون عن أحزاب بل عن التونسيين عموما وبالتالي التسييس لا يستقيم وهو مرفوض . وأشار إلى أن الرفض موجه بالأساس لحجم الإنفاق ولا يعتبرموقفا من الشريك في الحكم أو لشخص رئيس الجمهورية الذي يعدّ أحد أركان النظام السياسي في بلادنا . واعتبر أن التضخم الذي كان موجودا في النظام السابق و الذي كان يسمح باستغلال أموال الدولة لتحسين صورة شخص كما كان يفعل الرئيس المخلوع انتهى وقال : «نحن اليوم في مسار جديد وهناك أولويات تنموية». واعتبر أن النواب يمثلون الشعب وبالتالي ليس هناك موقف سياسي تجاه رئيس الجمهورية وعلى جميع الأطراف ان تتقبل بصدر رحب مراجعة سياسة الانفاق.