سياسيون يحلّلون ويجيبون من يسطر السياسة في تونس ومن يحكم البلاد فعلا: حكومة «الترويكا» أم «حكومة مجلس شورى النهضة»؟ ورغم أن السيد فتحي العيادي رئيس مجلس الشورى بحركة «النهضة» قال ان التهديد بتنحية المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر هو موقف شخصي لا يلزمه الاّ هو فإن بعض الملاحظين السياسيين رأى في «التهديد» زلة لسان تكشف عمّا قد تطبخه «النهضة» في حال تطور الأمور إلى صدام بينها وبين حليفيها في «الترويكا». ولذلك تساءل البعض عما إذا أصبح مجلس الشورى «حكومة فوق الحكومة» بيدها القرار الأول والأخير في المشهد السياسي فيما رأى بعض المراقبين أنه في حال ثبوت ان مجلس الشورى هو «الفاتق الناطق» الذي يسطر سياسة البلاد ويعيّن ويعزل فإن ذلك يمثل مؤشرا على «ولادة دكتاتورية جديدة». «التونسية» طرحت الموضوع على نخبة من السياسيين وحصلت على أجوبة. «النهضة» تحكم محمود البارودي عن التحالف الديمقراطي قال إن اللخبطة بين الحزب والحاكم وأجهزة الدولة هي سيّدة المشهد السياسي في تونس مضيفا أن حركة «النهضة» هي من تسير دواليب الحكم في البلاد من خلال مجلس الشورى ملاحظا أن تصريحات فتحي العيادي تؤكد أن «النهضة» تحكم البلاد وأن مجلس الشورى «حكومة فوق حكومة الترويكا». واستبعد البارودي أن تكون «حكومة مجلس الشورى» بتحكمها في دواليب السياسة وخطوطها العريضة والكبرى مؤشرا لعودة دكتاتورية جديدة لأن التونسيين وأحزاب المعارضة واعون بهذا المخطط ولن يسمحوا به مشيرا الى أن دوائر معينة في حركة «النهضة» تسعى الى فرض دكتاتورية «معينة» وانها لم تنجح حسب رأيه. من جهة أخرى أوضح عضو «حزب التحالف الديمقراطي» أن حمادي الجبالي يواجه ضغوطا من طرف حركة «النهضة» وان تصريحاته الأخيرة التي قال فيها: «سأصارح الشعب بحقائق خطيرة» دليل على أنه «مستهدف». ورجح البارودي امكانية استقالة الجبالي. من جانب آخر فنّد محمود البارودي ما راج حول تحالف حزبه مع حكومة «الترويكا» مؤكدا أن حزبه لن يدخل في تحالفات مع الحكومة الحالية بل مع حكومة جديدة سيما بعد تمسك حركة «النهضة» بوزارات السيادة. راشد الغنوشي هو الحاكم بدوره أكد سمير الطيب قيادي «حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي» أن الحاكم الفعلي والحقيقي لتونس اليوم هو راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» مضيفا أن الغنوشي هو من «يسطر كل سياسات الحكم في البلاد وهو من يدير اللعبة من وراء الستار» مشددا على أن تسيير الغنوشي لدواليب الحكم في تونس «مؤشر خطير». وطالب بالتصدي «للمشاريع النهضوية الدكتاتورية المغلفة بغلاف ديني» ملاحظا أن الدكتاتورية الدينية من أخطر أنواع الدكتاتوريات. حتى لو جاء من مكة محمد براهمي رئيس «حركة الشعب» أشار بدوره الى أن المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية ومصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي لا يحكمان في تونس وأن الحاكم الفعلي هو راشد الغنوشي مضيفا أن «مجلس الشورى النهضوي هو الناطق الرسمي باسم الغنوشي». وأكد براهمي أن ما قاله فتحي العيادي رئيس مجلس الشورى كلام غير مسؤول وغير ناضج سياسيا ويؤزم الوضع أكثر «لأن المرزوقي وبن جعفر ليسا موظفين عند حركة «النهضة» حتى يوجه اليهما مثل ذلك الكلام» مشددا على أن «النهضة» أساءت تقدير وفهم الوضع في البلاد وأن مشروع «إعادة الدكتاتورية لن يمرّ في تونس حتى وإن رغبت حركة «النهضة» في ذلك» مؤكدا أن الشعب التونسي« لن يقبل بمستبدّ جديد حتى لو قدم من مكة وحمل على رأسه الكعبة المقدسة» على حدّ تعبيره. وأشار رئيس «حركة الشعب» الى أنه من واجب الجبالي مصارحة الشعب وكشف الحقائق وأن ذلك ليس مزية ولا منة مضيفا أن «رئيس الحكومة مستهدف ويلاقي صعوبات من قبل «النهضة» قد تدفع به الى الاستقالة» على حدّ قوله. دكتاتورية دينيّة ناشئة أما علي جلّولي عضو القيادة الوطنية ب «حزب العمال» و«الجبهة الشعبية» فقد قال من جانبه أنه «تبيّن بالكاشف أن الحكم الفعلي ليس بيد الترويكا بل بيد حركة «النهضة» التي استفردت بمقاليد ومفاتيح القرار من خلال مجلس الشورى وشخص راشد الغنوشي» مضيفا أن التحوير الوزاري الذي ملأ الدنيا وشغل الناس «أعلن عنه من طرف «النهضة» ومن طرف الغنوشي شخصيا في مؤتمر الحركة في جويلية الفارط» ملاحظا أن عديد القرارات الأخرى أعلنت عنها حركة «النهضة» لا أحزاب «الترويكا». وأكد علي جلّولي أن مجلس الشورى ومن ورائه الغنوشي هو من يسير البلاد وهو من بيده جميع الصلاحيات وأن هذا قد يؤدي الى ولادة دكتاتورية جديدة بدأت تطل برأسها منذ فترة على حدّ قوله وتحديدا من خلال كتابة الدستور وموقف حركة «النهضة» من كونية الحريات والحقوق ومن خلال التموقع في مفاصل الدولة وتدجين القضاء والأمن والادارة والاعلام (الذي مازال يتصدّى) اضافة الى النيابات الخصوصية وغيرها على حدّ قوله. وشدّد جلّولي على أن زلة لسان حمادي الجبالي عندما تحدث عن «الدكتاتورية الناشئة كشفت المشروع الحقيقي ل «النهضة» وعكست عقلها الباطن ونواياها الحقيقية مشيرا الى أن مشروع «النهضة» هو مشروع الحركات الاخوانية وانهم ليسوا حملة ديمقراطية وحقوق انسان بل حملة مشروع دكتاتورية مغلف بالدين وأنه أخطر أنواع الدكتاتوريات على حدّ تعبيره. موضحا في ذات الصدد أن «الشعب الملتاع من الاستبداد لن تنطلي عليه الحيلة» وأنه «سيقاوم الدكتاتورية» وان «ما يحدث حاليا من احتقان واحتجاج في الجهات دليل على هذه المقاومة الشعبية اضافة الى مقاومة أحزاب المعارضة في دحر المشروع الاستبدادي النهضوي على حدّ تعبيره مشيرا من جانب آخر الى أن حركة «النهضة» تتعامل بسياسة ليّ الذراع حتى مع حلفائها. «النهضة» تسيّر البلاد المولدي الفاهم عضو المكتب السياسي ل «الحزب الجمهوري» أوضح من جانبه أنه لم يعد خفّيا على أحد أن «النهضة» هي من تسيّر الوضع في البلاد وان هذا ما يفسّر «الارتباك والتناقض اللذين تميز بهما الأداء الحكومي» حسب رأيه مشيرا إلى أن «تدخل راشد الغنوشي وحركته في إدارة الشأن العام وراء الارتباك الحكومي» مؤكدا في هذا الخصوص أن رئيس حركة «النهضة» هو «من يدير عملية التحوير الوزاري والقضايا الكبرى في البلاد» على حدّ قوله. واستبعد الفاهم انفصال حزبي «المؤتمر» و«التكتل» عن «النهضة» مضيفا أن الائتلاف الترويكي غير متكافئ وأنه أضر ب «المؤتمر» و«التكتل» وان ذلك سيكون خير درس لهما على حدّ تعبيره. ملاحظا أن حركة «النهضة» «تقزّم الحليف قبل العدو لأن الأقربين أولى بالخطر» في حساباتها حسب رأيه. وعن امكانية ولادة دكتاتورية جديدة قال عضو المكتب السياسي ل «الحزب الجمهوري» «إن هناك مخاطر حقيقية وجدية للانزلاق نحو دكتاتورية جديدة سيما مع انتشار ظاهرة العنف والميليشيات والارهاب ومظاهر التهديد الصريح لأجهزة الدولة والجيش» على حدّ قوله. مستعدّون للتنازل عن وزارات السيادة أما محمد القلوي عضو مجلس الشورى بحركة «النهضة» فقال إن حكومة «الترويكا» هي من تسطر السياسة في تونس مضيفا أن «مجلس الشورى هو مؤسسة عليا بالنسبة لحركة النهضة لا الحكومة» موضحا أن «قرارات «النهضة» في خصوص المسائل الكبرى ترجع الى مجلس الشورى» ملاحظا أن ما صرح به فتحي العيادي حول تنحية المرزوقي وبن جعفر «ليس الكلام الأخير» لأن هناك أعضاء آخرين في المجلس وان تغيير الرئاسات الثلاث قرار تتخذه حكومة الترويكا لا فتحي العيادي ولا حتى راشد الغنوشي. وبين القلوي من جهة أخرى أن رئيس مجلس الشورى بحركة «النهضة» قال رغم ذلك كلاما قانونيا لأن من يريد الانسحاب من الوزارات ينسحب من الرئاسة على حدّ تعبيره مشيرا الى أن «الترويكا» تشكلت طبقا لاتفاق ثلاثي وان البعض الآن يريد الانسحاب من الائتلاف ولكن مع المحافظة على الرئاسات وهذا هو الاشكال على حدّ قوله. وأكد القلوي أن حركته طرحت التحوير الوزاري وفتحت أبواب الحوار وقدمت مقترحات لم يتوقعوها حتى إن رئيس الحكومة أعطى ل «المؤتمر» و«التكتل» حرية الاختيار في تشكيل الحكومة ولكنهما قدما شروطا تعجيزية على حدّ قوله. وأضاف القلوي أن حركة «النهضة» لا تتمسك كليّا بوزارات السيادة وأنها مستعدة لترك الحكم «وزاريّا» اذا كان الثمن هو مصلحة البلاد العليا مشددا على أن حركته تتعامل بتعددية وبديمقراطية داخل مجلس الشورى وأنه لذلك لا يمكن أن تمارس دكتاتورية في البلاد. وعن ماهية مجلس الشورى ومهامه أجاب محمد القلوي أنه: «مجلس أعلى سلطة بعد المؤتمر الأخير لحركة «النهضة» أي أعلى سلطة في الحركة وأن من مهامه البت في السياسات الكبرى في البلاد مثل الانتخابات ونوع نظام الحكم وغيرها... مضيفا أن رئيس مجلس الشورى يتخذ القرار بالتصويت وان مهمة تسيير المجلس تساعده فيها لجان من مختلف المجالات.