بإسدال الستار على فعاليات المؤتمر الوطني الخامس عشر للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية فجر يوم الجمعة الماضي، تكون منظمة الأعراف قد طوت صفحة أخطر أزمة تعرضت لها في تاريخها..أزمة استمرت نحو سنتين، كان الاتحاد خلالها في أوج العاصفة تتجاذبه الصراعات والخلافات مما أثر على دوره وعلى تأثيره في الساحة الوطنية . وبغلق قوس هذا المؤتمر تدخل منظمة الأعراف مرحلة جديدة ليست أقل صعوبة وتعقيدا عن التي سبقتها، في بلد تمثل فيه قضايا الاستثمار والتشغيل والتنمية الجهوية محور كل الاهتمامات، مرحلة من المفترض أن تلعب فيها المنظمة التي تمثل القطاع الخاص دورا رئيسيا حتى تكون في مستوى انتظارات الشعب التونسي. في شهر ماي من سنة 2011 وحين أعلن عن تولي السيدة وداد بوشماوي رئاسة الاتحاد خلفا للسيد حمادي بن سدرين الذي استقال من هذه المهمة وحافظ على عضوية المكتب التنفيذي، لم تكن هذه السيدة معروفة لدى الرأي العام الوطني، سوى أنها من عائلة عريقة في ميدان الأعمال. وتساءل الكثيرون إن كان بوسعها أن تقود سفينة الصناعيين والتجار والحرفيين إلى مرافئ الأمان وسط تجاذبات وصراعات وخلافات بلغت ذروتها عند الاقتراب من موعد عقد المؤتمر ولم تغب عنها الحسابات الانتخابية. مكسب القانون الأساسي الجديد قبل محاولة قراءة أبعاد نتائج الانتخابات لا بد من لفت الانتباه الى أن اتحاد الصناعة والتجارة كان قد صادق يوم 18 ديسمبر الماضي وخلال مؤتمر استثنائي على قانون أساسي جديد تواصل الجدل والنقاش بشأنه أكثر من سنة. وكان بدوره محل خلافات أدت إلى تأجيل موعد المؤتمر العادي، ليحصل في النهاية توافق بشأن خطوطه العريضة ولتنحصر الخلافات قبل عرضه على تصويت نواب المؤتمر الاستثنائي في نقطتين أساسيتين هما تركيبة المكتب التنفيذي وشرط الاقدمية للترشح لعضوية هذا المكتب التنفيذي وقد اختار النواب في الأخير من خلال التصويت على سبعة مشاريع مشروعا سمي ب «31» لأنه ينص على أن يتكون المكتب التنفيذي من 31 عضوا ولا يشترط الأقدمية للترشح لعضوية المكتب التنفيذي وذلك بصفة استثنائية للمؤتمر 15 . وعدا ذلك فإن هذا القانون الأساسي الجديد في خطوطه العريضة التي حصل بشأنها إجماع أضفى المزيد من الشفافية والحوكمة في إدارة شؤون الاتحاد بإحداثه هيئات رقابية وإعطاء صلاحيات أكبر للمجلس الوطني والمجلس الإداري وتنصيصه على بعث هيئة للأخلاقيات النقابية، والطعون، فضلا عن تمكين الاتحاد من أدوات عمل جديدة مثل بعث مركز للدراسات الاستراتيجية ومركز للتحكيم . فوز مريح و«مكافأة» على الصمود أبرز ما تمخض عن المؤتمر 15 للاتحاد من نتائج هو شبه الإجماع حول شخص السيدة وداد بوشماوي سواء من قبل الناخبين في القطاع الذي تنتمي إليه وهو الصناعة، حيث حازت على المرتبة الأولى في انتخابات هذا القطاع، أو عند انتخاب رئيس جديد للاتحاد من قبل أعضاء المكتب التنفيذي. ونظرا لتفاوت موازين القوى لم يترشح أحد لهذا المنصب سوى الرئيسة المتخلية، ويعود ذلك إلى أن القائمة التي ساندتها رئيسة الاتحاد المتخلية تمكنت من حصد الأغلبية ( 22 عضوا من بين 31 عضوا). ليتم انتخابها رئيسة بإجماع زملائها في المكتب التنفيذي الجديد، وقد حرصت رئيسة الاتحاد مباشرة بعد إعادة انتخابها على القول أن كل المكتب يمثل فريقا موحدا سيعمل مع بعضه وأنه لا بد من تجاوز الماضي والنظر إلى المستقبل بشكل جماعي. وعدا الثقة التي يتمتع بها أغلب أعضاء قائمة الرئيسة المتخلية والتي جعلتهم يفوزون بسهولة نسبيا ، وبأغلبية مريحة، هو خوض بقية منافسيها للمعركة الانتخابية على قائمة موحدة. فبعد أن كان التوجه أن تنافس قائمة واحدة، قائمة وداد بوشماوي برزت قائمة ثالثة مما أضعف حظوظ كل المنافسين، وجعل عددا قليلا منهم فقط يفوزون بمقعد في المكتب التنفيذي. أول ما يمكن ملاحظته في هذه النتائج هو أن السيدة وداد بوشماوي هي المرأة الوحيدة التي فازت بمقعد في المكتب التنفيذي وهذا ما اعتبرته هي نفسها نقطة سلبية وأنها كانت تتمنى تمثيلية أكبر للنساء في التشكيلة الجديدة.. ولكن هكذا شاء الصندوق خاصة أنه وقع التخلي عن مبدإ التمييز الإيجابي لصالح المرأة في هذا المؤتمر. ولعل ما يعوض عن هذه «الخيبة» هو أن المرأة هي من فازت بمنصب رئاسة الاتحاد وعن جدارة وهذا يحمل دلالات هامة، في وقت تتعالى فيه بعض الأصوات لتنادي بالتراجع عن مكاسب المرأة التونسية. ويعتبر العديدون أن تجديد الثقة في وداد بوشماوي أمرا طبيعيا وهو بمثابة المكافأة لهذه السيدة على شجاعتها ووقوفها في الخطوط الأمامية لمواجهة العاصفة التي جابهها اتحاد الأعراف، وعدم رميها للمنديل رغم ما تعرضت له من ظلم وإساءة أحيانا. أسماء جديدة شابة... وللخبرة مكانها النتائج أفرزت أيضا بروز عدد من الأسماء الشابة لعضوية المكتب التنفيذي فمن بين الفائزين هناك عدد لا بأس به من الأعضاء الجدد الذين تتراوح أعمارهم بين 35 سنة و45 سنة ومن بينهم عارف بلخيرية وقيس السلامي وشهاب سلامة وسليم غربال، وخليل الغرياني، وسالم نابغة وعادل هماني، ومراد مراد، وسمير الشريف ومكرم زيتون، ولطفي بن أحمد. كما فاز عدد من المخضرمين من حيث تحمل المسؤوليات الوطنية أمثال لطفي الحمروني، وبلحسن غراب، وأبو بكر زخامة، وأحمد الجموسي ورشاد الشلي، والناصر الدريدي، وعفيف السويدي. ولكن هذه الانتخابات مكنت من لهم تجربة كبيرة في العمل النقابي من الفوز على غرار حمادي الكعلي وهشام اللومي وسمير ماجول وتوفيق العريبي والبشير بوجدي والحبيب التستوري . كذلك فإن ما يبرز من خلال هذه التشكيلة الجديدة أن عددا من الفائزين يمثلون شركات ومجموعات لها وزنها في مجال الأعمال والاستثمار. ولها تقاليد كبيرة في هذا الباب بحيث يمكن للاتحاد أن يستفيد منها في سعيه للتركيز على قضايا الاستثمار والتمنية الجهوية في المستقبل . تمثيلية محترمة للجهات الداخلية الإضافة الجديدة التي حملها المؤتمر الخامس عشر لاتحاد الأعراف، والتي تضمنها القانون الأساسي الجديد هو تمكين الجامعات القطاعية والاتحادات الجهوية من تمثيلية في المكتب التنفيذي الوطني. حيث ينتخب ال17 رئيس جامعة وطنية التابعة للاتحاد، 5 أعضاء من بينهم يلتحقون بالمكتب التنفيذي الوطني، في حين ينتخب ال24 رئيس اتحاد جهوي في ما بينهم 5 أعضاء يلتحقون بدورهم بالمكتب التنفيذي. وقد ترشح في هذا المجال 14 رئيس اتحاد جهوي فاز منهم السادة بلال خليفة رئيس اتحاد قفصة و محمد المحمدي رئيس اتحاد تطاوين و الطاهر التليلي رئيس اتحاد سيدي بوزيد ونبيل الإينوبلي رئيس اتحاد جندوبة وسامي الفطناسي رئيس اتحاد باجة. واللافت هنا أن كل هؤلاء الرؤساء يمثلون الجهات الداخلية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، كما تجدر الإشارة إلى أن ممثلين عن قفصة ومدنين صعدوا من خلال انتخابات القطاعات وعززوا بذلك حضور الجهات الداخلية في تشكيلة المكتب التنفيذي الجديد. الآن إلى العمل ... باعتراف أصحاب المؤسسات أنفسهم، وقيادة منظمتهم فإن مسؤوليتهم في هذا الظرف كبيرة، وأن القطاع الخاص يمثل المحرك الأساسي للتنمية، وهذا ما أكدت عليه رئيسة الاتحاد في مختلف تصريحاتها مباشرة بعد إعادة انتخابها، وذلك بعد أن شددت في خطابها الافتتاحي لأشغال المؤتمر على أن المطلوب اليوم هو توفير الأمن والاستقرار، وتحسين البنية الأساسية حتى يتسنى الانكباب على المشاكل الاقتصادية الحقيقية والتفكير في ما هو آت، خاصة في ميادين الاستثمار والتشغيل والتنمية الجهوية. والمؤكد اليوم أنه لم يعد هناك مبرر حتى لا يؤدي الاتحاد دوره على أحسن وجه ويعود للعمل بالسرعة القصوى ويتفرغ لما ينفع العباد والبلاد بعد أن تجاوز أزمته الداخلية ويمكن القول أن الأنظار ستتجه في المستقبل إلى ما سيقترحه وما سيفعله لتخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها، خاصة وأن عامل الزمن أصبح حاسما ولا مجال لتضييع المزيد من الوقت.. لننتظر ونرى ... تركيبة المكتب التنفيذي الجديد للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية عن قطاع الصناعة: وداد بوشماوي، هشام اللومي، خليل الغرياني، حمادي الكعلي، لطفي الحمروني، بلحسن غراب. عن قطاع الخدمات: أحمد الجموسي، رشاد الشلي، عادل هماني، عفيف سويدي، سالم نابغة. عن قطاع التجارة: عارف بلخيرية، توفيق العريبي، سليم غربال، شهاب سلامة. عن قطاع المهن والحرف: مراد مراد، مصطفى حبيب التستوري، سمير الشريف. عن قطاع الصناعات التقليدية: ناصر الدريدي، لطفي بن أحمد، مكرم زيتون. عن الجامعات الوطنية: أبو بكر زخامة، بشير بوجدي، قيس السلامي، ناصر الجلجلي، سمير ماجول.