عاشت السيدة محرزية العبيدي نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي مرحلة هامة من حياتها في فرنسا. والمفروض أنها تشبعت بقيم الديمقراطية والحرية السائدة هناك ، وخاصة حرية التعبير والإعلام. ومن المؤكد أنها استفادت من هذه الحرية خلال سنوات الجمر والمطاردة، حين كان السواد الأعظم من شعبنا يرزح تحت الاستبداد والقمع والاضطهاد ومصادرة كل الحريات. كنا ننتظر أن تكون السيدة محرزية العبيدي بالذات وغيرها ممن عاشوا في المهجر، أول المدافعين على حرية الإعلام في بلادنا لأنهم وفدوا إلينا من بلدان ديمقراطية لا حدود لحرية الإعلام فيها،وهو ما عايشوه عن قرب. وكان من المفروض أن تكون نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي سندا للإعلام وللإعلاميين في هذه المرحلة الانتقالية التي يبحث فيها أكثر من قطاع في بلادنا، ومنها قطاع الإعلام عن توازنه. ولكن يبدو أن السيدة محرزية العبيدي بدأت تضيق ذرعا بالصحافيين وبكثرة تحركاتهم في قاعات المجلس الوطني التأسيسي وأروقته ، فاقترحت تجميعهم في قاعة ليتابعوا أشغال المجلس، تماما مثلما يجمع الأطفال الصغار في المحاضن ورياض الأطفال خاضعين لسلطة « أنستي المروضة» التي تأمر وتنهى، وتتهدد أحيانا بعقاب كل من لا ينضبط للأوامر وللنظام العام. هكذا إذن.. لا مشكلة اليوم في المجلس الوطني التأسيسي غير كثرة تحركات الإعلاميين وضجيجهم وتشويشهم على السادة النواب المحترمين، وانتهاكهم لحرمة مجلسنا الموقر. كنا نود أن نسمع اقتراحات أخرى من السيدة نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي حول المعضلات الحقيقية التي يعاني منها مجلسنا المحترم، مثل الحد من كثرة غيابات النواب، أو التخفيض من رواتبهم المرتفعة، وبشكل خاص راتب السيدة محرزية العبيدي نفسها الذي يعتبر – اللهم لا حسد - من بين الرواتب الأرفع على الإطلاق لكبار مسؤولي الدولة ( الراتب الثالث من ناحية الأهمية بعد راتب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس، علما وأن جزءا كبيرا من هذا الراتب يدفع بالعملة الصعبة). عفوا سيدة محرزية.. المجلس التأسيسي ليس ملكية خاصة.. ولا هو بيت يدار مثلما تشائين أنت أو يشاء أي أحد غيرك من السادة النواب المحترمين.. ومكان الإعلاميين في المجلس وتحركاتهم لا يخضع للمزاج وللانطباعات الشخصية. بل يجب أن تنظم كل هذه المسائل وفق قواعد لا تحد من حرية الإعلاميين ولقاءهم بالنواب وبمصدر المعلومات.. قواعد تضبط بالتنسيق مع الإعلاميين أنفسهم ولا تفرض عليهم. ولا يمكن أن يكون في كل الأحوال تجميع كل الصحافيين في قاعة - مثلما تريد أن تفعل نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي - وكأنهم بصدد تلقي درس جماعي، لأن الإعلام، والبحث عن المعلومة اجتهاد فردي، وليس مجرد فرجة جماعية ومتابعة للأحداث عن بعد في القاعات المغلقة . لقد ساهم الإعلام والإعلاميون، في التعريف لدى عامة الشعب التونسي، بالعديد من نواب المجلس الوطني التأسيسي وبغيرهم من السياسيين.. وهم في كل الحالات أدرى بالطريقة المثلى لإنجاز عملهم، دون التعدي بالطبع على حقوق أي كان، ودون تعطيل لعمل أي مؤسسة وطنية كانت.. أما أسلوب المنع ، وسياسة «العقاب الجماعي»، حتى وإن حصلت تجاوزات فردية بسيطة من هذا الطرف أو ذاك، فهي لا يمكن أن تكون الحل الأمثل، ولن يكون المتضررون منها الإعلاميين وحدهم.