استأنف نواب المجلس الوطني التأسيسي أمس، جلستهم العامة المخصصة لمناقشة الباب الخامس المتعلق بالهيئات الدستورية، ولئن أجمعوا على أهمية هذه الهيئات في بناء مرحلة الانتقال الديمقراطي، فإنهم في المقابل شدّدوا على ضرورة التنصيص على استقلاليتها وحيادها تفاديا لأية محاصصة حزبية، فيما شكلت الهيئة الخاصة بالاعلام وانشاء المجلس الإسلامي الأعلى أهم المواضيع التي أثارت جدلا. وتجدر الإشارة إلى أن لجنة الهيئات الدستورية توصلت إلى التوافق حول الهيئات المقترح دسترتها وهي الهيئة الخاصة بالانتخابات، والهيئة الخاصة بحقوق الإنسان، والهيئة الخاصة بالتنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة، والهيئة الخاصة بالإعلام، والهيئة الخاصة بالحوكمة ومقاومة الفساد. فيما أجلت النظر في الهيئة العليا للتونسيين بالخارج، والهيئة العليا للتربية والتكوين والبحث العلمي، والمجلس الاسلامي الأعلى والهيئة العليا للإفتاء. هيئة الإعلام محاولة لإعادة احياء وزارة الإعلام اعتبرت النائبة عن الكتلة الديمقراطية سلمى مبروك أن الفصل المتعلق بإحداث هيئة خاصة بالإعلام انما يعد فصلا خطيرا لأنه سيعيد تشكيل وزارة اعلام من جديد الأمر الذي من شأنه أن يجعل الإعلام غير مستقل، مطالبة بضرورة ضمان استقلالية هذه الهيئة. وقد شاطرها في هذا الرأي النائب من نفس الكتلة شكري القسطلي الذي أكد أن الفصل المتعلق بانشاء هيئة خاصة للإعلام لا يضمن استقلالية هذه االهيئة، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه أن يعيدنا إلى وزارة اعلام جديدة. علما أن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين كانت قد انتقدت الفصل المتعلق بهيئة الإعلام وأكدت أن الإشكال الأساسي في مقترح مسودة الدستور المتعلق بهيئة الإعلام هو أولا المزج بين وظيفتين مختلفتين هما وظيفة التعديل ووظيفة التعديل الذاتي، حيث أكدت أن الإعلام السمعي والبصري يخضع للتعديل بمعنى أن تتضمن الهيئة أعضاء لا ينتمون بالضرورة بشكل مباشر إلى الهيئة، والهيئة المستقلة التعديلية المتكفلة بذلك، هي عبارة عن محكمة من الدرجة الأولى على شاكلة مجلس المنافسة لهذا تخضع قرارتها للاستئناف لدى المحاكم العادية. في حين أكدت النقابة أن الصحافة المكتوبة تخضع للتعديل الذاتي والهيكل الذي يشرف على ذلك ليس له صبغة تقريرية بقدر ما له سلطة معنوية، لهذا اعتبرت نقابة الصحفيين أن هذا الفصل هو محاولة لإعادة احياء وزارة الإعلام. كما أشارت النقابة إلى أن الصحفيين وأصحاب المؤسسات الإعلامية واتحاد الشغل يصرون على أن يكونوا ضمن تركيبة الهيئة والحال أن النص الوارد في المسودة يشير إلى انتخاب الأعضاء بالكامل من قبل مجلس الشعب مما سيحولها إلى شكل من أشكال المحاصصة السياسية بينما تسعى الهيئة إلى تحقيق الاستقلالية تجاه مراكز الضغط السياسي والمالي. وفي هذا السياق، أكد النائب عن كتلة الوفاء أزاد بادي أنه في اطار التمشي والارادة لتأسيس اعلام حر ومستقل ومحايد يجب أن يكون الاعلام مستقلا وذلك بتشريك أهل الاختصاص ومساهمتهم في إبداء رأيهم في المشاريع المتعلقة بالهيئة الخاصة بالاعلام. وللتذكير، فقد اقترحت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بأن تتكفل هيئة الإعلام بتنظيم قطاع الإعلام السمعي البصري وتعديله وتطويره في سبيل ضمان حريته واستقلاليته وإرساء مشهد اعلامي تعددي متنوع ونزيه، وأن ترشح الهياكل المهنية المنتخبة اضافة إلى الهيكل القضائي الأكثر تمثيلا، مع مجلس الشعب ثمانية عشر عضوا مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة يقع انتخاب نصفهم من قبل مجلس الشعب وفق قانون لفترة واحدة مدتها ست سنوات مع التجديد الجزئي. نواب «النهضة» يتشبثون بموقفهم كما سجلت الجلسة العامة، تأكيد أغلب نواب كتلة النهضة على ضرورة انشاء مجلس اسلامي أعلى يقوم بتجميع الفتاوى وترشيد الخطاب الديني للحد من التطرف. حيث أكد نائب كتلة النهضة والمقرر العام للدستور الحبيب خضر أنه من المهم ألاّ يبقى الشأن الديني كاليتيم الذي لا ولي له، مشيرا إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالدين والإسلام يصبح الأمر مشاعا بين الناس، كما أضاف أنه من المهم أن يتواجد مجلس للشؤون الإسلامية يكون له رأي استشاري عندما يتعلق الأمر بشأن ديني. من جهته شدد النائب عن كتلة «النهضة» فرج بالحاج على ضرورة بعث هيئة جديدة تسمو بالخطاب الديني وتسمو بالتونسيين وتؤسس لإسلام معتدل، داعيا في ذات السياق إلى ضرورة أن تتحدد صلاحيات هذه الهيئة كما دعت النائبة عن كتلة «النهضة» دليلة بوعين إلى ضرورة بعث هيئة خاصة بالافتاء، خاصة وقد أصبحت مصادر الافتاء في نظرها متعددة، هذا يحرم وذاك يكفر مما ساهم في تقسيم المجتمع التونسي. ودعت أيضا إلى انشاء مجلس أعلى للإسلام للحد من استعمال المنابر والمساجد وتوجيه الخطاب الديني لحسابات سياسية ضيقة.