على خلفية اغتيال الفقيد شكري بلعيد وجه المعهد العربي لحقوق الإنسان إلى الرأي العام في البلدان العربية رسالة جاء فيها بالخصوص، «إنّ المتأمّل في مسارات الانتقال الديمقراطي يُلاحظ اليوم عديد المؤشرات التي تبعث على القلق والخوف على المستقبل منها تعطّل نسق الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومحاولة الهيمنة على المؤسسات واستعمالها لأغراض حزبية، وتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان، وتنامي ظاهرة العنف عامة والعنف السياسي خاصة الذي بلَغَ مدًى مُغزعا مع تحوّل التحريض على العنف إلى عمليات قتل تستهدف رموز بلداننا وشخصياتها الوطنية ومُثقفيها وأكاديمييها ومُناضليها السياسيين والمدنيين. وقد تجسّم ذلك في اغتيال القيادي السياسي والمناضل الحقوقي الشهيد شكري بلعيد يوم 6 فيفري 2013». وأشار المعهد في هذه الرسالة إلى أنه «بقدر ما كان مُدركا لأهمية الفرص التي أتاحتها الثورة، فإنه كان أيضا واعيًا بالمخاطر التي باتت تهدّد مسار الانتقال إلى الديمقراطية وفي مقدّمتها ضبابية الرؤية السياسية وضعف إدارة الشأن العام والعنف السياسي وهشاشة الوضع الاقتصادي والأمني وبروز تيارات متطرفة ومتعصبة ترفض مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحاربها. ولذلك وجّه المعهد جزء غير قليل من برامجه التدريبية والتكوينية ومن منتدياته الحوارية وأنشطته الثقافية والفنية، إلى إنضاج الشروط التي يتوقّف عليها نجاحُنا في اقتناص الفرص المتاحة والحدّ من المخاطر القائمة». وأضاف: «بناءً على أنّ المعهد يُمثل مؤسسة تربية على ثقافة حقوق الإنسان ونشر قيمها، فإنه اعتبر أنّ من واجبه التحذير من أصوات الإقصاء والتهميش والتخوين والتكفير المنفرّة والاستقطابات الإديولوجية وتعنيف الإعلاميين والمثقفين والسياسيين والمدنيين، وأنّ من واجبه كذلك التحذير من الخطابات المتوتّرة والدعوات المتواترة إلى العنف وممارسته واحتكار القرار والعبث بالمؤسسات وتنبيه الجميع إلى كونها مداخلَ لضرب السلم الاجتماعية والعودة إلى النقطة الصفر، نقطة الخوف من الحاضر والشك في المستقبل والعزوف عن المشاركة وسيطرة الفوضى والضبابية». وأضافت الرسالة أنه «نظرًا لأنّ مسار الانتقال الديمقراطي بات مُهدّدًا بالانتكاس نتيجة استشراء العنف و ظهور جماعات تعتد على الحريات العامة والخاصة و تسعى إلى إلغاء دور الدولة والمؤسسات الجمهورية، ومن منطلق الإيمان بأنّ العمل السياسي ينبذ العنف، وأنّ التنافس الديمقراطي يتعارض مع الإقصاء، وأنّ التعايش السلمي هو أساس كل بناء لديمقراطية المؤسسات الدائمة، بادر المعهد العربي لحقوق الإنسان في الآونة الأخيرة بإصدار إعلان مبادئ للتعامل السلمي بين الأحزاب وخلَق حوله ديناميكية غايتها فتح أفق للأحزاب والفاعلين السياسيين لإدارة اختلافاتهم بطريقة سلمية وديمقراطية في كنف التعايش والقبول بالآخر». وختم المعهد رسالته بالتأكيد على أنه «في هذه اللحظة الدقيقة التي تمرّ بها بلداننا بعد الثورات التي اندلعت فيها والتي وَصَل فيها العنف درجة الاغتيال السياسي لا يسعه إلاّ أنْ يَدعوَ الجميع إلى نبذ العنف والتأسيس للثقافة المضادّة له والدفاع بكل الأدوات الممكنة وعلى كل المسارات عن الحريات و الحقوق ومأسستها والعمل جماعيا على إقامة فضاءات للحوار المتعدد وصيانة معاني المعرفة والإبداع».