هي بكل المقاييس أغنية كاملة الأوصاف كلمة ولحنا وأداء باعتبارها تشع بوزنها الموسيقي بفضل انفرادها بمقومات ونواميس وطقوس وفنيات لا تملكها الأغنية الطربية لا لشيء إلا لكون الأغنية الوطنية تضرب في العمق وتمس الوجدان والعقل طالما الوطن يعلو الى القمة الشماء ولا يعلى عليه. ومنذ أن لاح فجر 14 جانفي.. يوم ولدت من رحمه ثورة الياسمين لم يجد الشعب الثائر غير «نشيد الثورة» ترديدا في شارع «الحبيب بورقيبة» وزاد عليه مقطعا من أحلى أغاني الفنان الملتزم «مارسيل خليفة» منشدين: «إني اخترتك يا وطني... حبّا وطواعية»... وغير ذلك لم يجد شباب الثورة ما يتغنون به الى جانب الشعارات المرفوعة عاليا هدية لتونس الثورة وكأن الأغنية الوطنية غابت.. يوم احتاجها الوطن. والأغنية الوطنية لها إيقاعها ومحطاتها في صلب الفن التونسي تتوهج خاصة خلال الأعياد الوطنية.. وظلت أغنية الراحلة «علية» في أروع عنوان «بني وطني» تلهب الحماس في قلوب الشعب التونسي من عشق وهام بهذه الأغنية وحفظها الكبير والصغير في المدارس والجمعيات الكشفية والمنظمات الشبابية وغيرها.. ثم لحقت بها بعد فترة من الانتظار أغنية «محمد العش» مطرب الإذاعة الجهوية بصفاقس وهي في أعزّ عطائها «أنت يا نعم الحمى» وقد دخلت الى كل البيوت لقاء ما تتميز به من سلاسة في الكلمات مع إيقاع جميل يستلذه المستمع. وانتظرنا طويلا ظهور جيل جديد من مطربينا ممن غنّوا في كل المواضيع وبكل الأشكال... فخرجت الى الساحة الفنية أجمل الأغاني الوطنية على غرار «فرحة تونس» و«بالأمن والأمان» لمطربتنا «صوفية صادق» وتبعتها الفنانة «لطيفة العرفاوي» بأروع قصيد وطني عنوانه «أهيم بتونس الخضراء» ثم غنى المطرب الأصيل «لطفي بوشناق» أغنيته المتميزة «أحنا الجود.. أحنا الكرم» ثم ردّد «صلاح مصباح» بصوته الجهوري أغنيته «يا أم السواعد سمر».. بينما رددت «نوال غشام» طويلا «بكتب اسمك يا بلادي» في حفلاتها الخاصة والعامة لأن الجمهور كان يطالب بها في خاتمة السهرة ويرددها معها كلمة وموسيقى. وانتظرنا منذ 14 جانفي الى حدّ هذا اليوم «أغنيات وطنية» من الحجم الثقيل تتفاعل مع الوضع الراهن للبلاد وهي تحتفي بثورة الكرامة ولكن المبادرات اقتصرت على فرق الأغنية الملتزمة وقد عادت الى الساحة الفنية بكل جرأة لأن الوضع يشجع على حرية الكلمة فقدمت الإضافة في أوقات معينة خاصة في الفضاءات المفتوحة كالساحات والشوارع ولكن اعتمادها على مشاريعها القديمة كرّس التكرار والاجترار وعدم الإقدام على التجديد هدية لثورة الحرية والكرامة... فكانت فرق «المرحلة» بقيادة الموسيقار «هشام البدراني» و«أولاد المناجم» و«أجراس» و«الحمائم البيض» و«أنصار السلام» و«عيون الكلام» و«البحث الموسيقي» في الموعد... ولم ننتظر طويلا حتى جاءت هدية للمطرب «صابر الرباعي» من غنى «الأرض الطيبة» وهي من كلمات «حاتم القيزاني» ثم قصيد «الشعب الجبار» بروح لبنانية شرقية.. وبعده شاهدنا عبر القنوات التلفزية التونسة ملحمة «نحبك يا شعب» مع محاولة فنية لكل من «ألفة بن رمضان» و«أماني السويسي» لم نجد لهما أثرا في الساحة الموسيقية بين عشاق الأغنية الوطنية ممن ظلوا يذكرون الأغاني الوطنية القديمة ويمجدونها على اعتبار أن المنتوج الجديد لم يرتق الى خانة الأغنية الثقيلة بكل المقاييس ولم نسمع ولو أغنية واحدة وليدة ثورة 14 جانفي يحفظها الكبير والصغير ومن «يدبي على الحصير» يغنيها الشعب الضمآن... من بنزرت الى سيدي بوزيد.. الى القصرين.. الى بن قردان.