التعادل الأخير لأبناء باب الجديد امام الاتحاد الجرجيسي هو في اعتقادي عثرة كاملة من ألفها الى يائها لاعتبارات عديدة حصلت على ميدان يعرفه الافريقي اكثر من منافسه دون ان ننسى الأداء المهزوز للمجموعة ومن رأى العكس فقد أخطأ ..ويكفي ان أذكر ان ابناء الكوكي خروا الى قواعدهم خلال كامل الشوط الثاني ودعموا صفوفهم لما هاجمهم زملاء حسام سليمان بكل من «مبنزا» مكان المهاجم «جابو» ثم «سيف تقا» مكان «ماهر الحداد» لنفهم وضعية الافريقي خاصة خلال النصف الثاني من السيناريو حيث اعتمد على سلاح المرتدات ولم يقدر على قتل المقابلة لأنه كان تكتيكيا مهزوزا اما لرأي غير صائب من المدرب نبيل الكوكي من تفلسف اكثر من اللازم، ام لثقة اللاعبين المفرطة من كرهوا التواضع، أم لأن المجموعة ينقصها الكثير في عمقها وخاصة ما يهم خطة «المايسترو» الذي يقود القاطرة ويكون نقطة التواصل والتمفصل بين خطي الوسط والهجوم وهي نقطة الشغور والفراغ التي عطلت دوران الماكينة الافريقية، أم لأن المدرب الأول فكر في العقد الهجومي ونسي عمق الوسط، ام لأن نادي باب الجديد لا يملك لاعبا له «ماعون الصنعة» في خطة لها ايقاعها ووزنها مثل «حضرية» في بنزرت و«الجويني» في الترجي و«منصر» في صفاقس و«بن شويخة» في الهمهاما. وقبل ان اغوص في نقاط ضعف زملاء السويسي التي لاحت امام الترجي الجرجيسي اطلبوا منكم ان تتابعوا مدرب النادي الصفاقسي «كرول» ثم تطيروا الى معاقل الكرة الاوروبية وتعيشوا لحظات مع «غارديولا» و«ريكارد» و«مورينهو» و«انشلوطي» و«فيرغسون» و«هانكس» حتى تنعموا بالهدوء والرصانة والسحر.. كلهم مرابطون على بنك البدلاء طوال اللقاء لا يتحركون الا اذا لزم الامر وهذا من شيم الفنيين الكبار.. ولكن يحيرني مدرب الافريقي وهو على حافة التماس يصيح ويوجه ويطلب ويطالب ويأمر ويشير وقد يقفز او يزمجر أو يعبر عن غضب لا يهدأ اطلاقا في دور مسرحي كثيرا ما وجه فرجتنا من وسط الميدان اين اللعب صوب منطقته.. وتذكروا معي ما حصل له مع لاعبه «القصداوي» من رفعه ثم أسقطه ارضا في لقطة مضحكة مبكية لا نشاهدها الا في كرتنا.. أسأل فقط.. اذا كان الكوكي يدرب كامل الاسبوع ويعلم لاعبيه فلسفته وتفكيره.. فلماذا يرهق نفسه ويأتي حركات غريبة لا معنى لها صورة طبق الاصل لمعلم الصبيان يشقى شهرا كاملا ويعلم تلاميذه ثم يملي عليهم يوم الامتحان كل الاجوبة ويعيد الشرح والتفسير والتبرير.. هكذا يفعل الكوكي مع لاعبيه في كل لقاء وانا أسأل: «آش لزحمة». ثم دعوني افتح قوسا حول المعلق الذي نقل هذه المواجهة على القناة الوطنية الاولى كما قال في طيات حديثه بأن ماهر الحداد هو رجل المقابلة.. أسأل فقط.. هل يعي جيدا هذا المعلق ماذا تعني «رجل المقابلة» في توهجها الفني والبدني والذهني؟؟؟ ثم عن أية مقابلة يحكي؟؟؟ لأننا لم نشاهد مقابلة كروية اصلا بكل المقاييس..وبما انني فتحت هذا القوس.. اسأل فقط عن الخطة التي يلعب بها ماهر الحداد.. هذا اللاعب يحيرني.. هل هو مدافع ام لاعب وسط ام مهاجم.. فهو في كل مكان يراه البعض ايجابيا في لعبه وأنا أراه سلبيا يقطع كل الكرات على اصحابه بل يذهب اليها ليطلبها قسرا ثم يراوغ لما تصعب المراوغة بين كماشة من اللاعبين ويقذف من زاوية مغلقة والبعض من زملائه في وضعيات جد سانحة للتهديف.. يقفز ويراوغ و «يجنقل» ثم يسقط ..اسلوبه فرجوي يتطلب التهذيب والتشذيب ومكانه يجب ان يكون وراء خط الهجوم مباشرة في عمق دفاع المنافس.. ولكن لما ننتظره امام المرمى في منطقة الجزاء يغيب عنا لانه عائد من الخط الخلفي لناديه والدليل انه لا يقدر على اتمام المواجهات على نفس النسق بسبب اهدار قواه وعدم قدرته على حسن توزيع طاقته في المقابلة.. وبما ان الحداد عنصر مؤثر من مجموعة النادي الافريقي لا بد من التعامل معه فنيا وذهنيا برصانة لان الاشتغال على امكانياته يتطلب الكثير والكثير. رسم تكتيكي جوهره من فراغ لما نعود الى اللقاء الذي تعادل فيه زملاء «الحدادي» امام العكارة ونستقرء الرسم التكتيكي للفريق يتراءى لنا على ورق متوازنا فيه دفاع ووسط ميدان وهجوم كلاسيكي يصبح مكثفا بصعود اكثر من لاعب قادم من الخلف على غرار «السويسي» و«جابو» يمينا و «الحدادي» و «الذوادي» يسارا.. ولكن على اعتبار ان للميدان واقعا آخر تحكمه خاصية اللاعبين فقد اختل توازن المجموعة وصار وسط الميدان فارغا لا حراك فيه معه اختنق الفريق ككل اذ بقي البراطلي والزيتوني في خط الارتكاز وامامهما فراغ فظيع بسبب هروب كل من الذوادي و«جابو» الى الخط الامامي لأنهما لا يمكن ان يكونا لاعبي وسط ميدان مهما حاول الكوكي.. أما «الحدادي» فلا يمكن ان نجزم بدوره لأننا ضعنا معه ولا ندري هل ما يأتيه كرة ملاعب ام كرة بطاحي لا يتقيد برسم تكتيكي ولا بقانون؟ ولقاء هذا الاهتزاز التكتيكي قبل النادي الافريقي اللعب وتاه لاعبوه في الميدان وفهم المنافس ما اعترى زملاء البراطلي من ارتخاء ذهني وبدني فاندفعوا الى الامام بدفع من المدرب لسعد معمر من تفطن الى فداحة البناء التكتيكي لابناء باب الجديد فهاجموا بأكثر عدد ممكن من اللاعبين من كل الاروقة وتمكنوا من التهديف والتعديل وهي نتيجة تحسب لذكائهم وتفطنهم للخبطة التي اعترت المدرب الكوكي وجعلته كمن يلعب «النرد» ويوزع الاوراق دون تريث..فقد اخرج مهاجما وأقحم مدافعا..ثم صفعته النتيجة فأخرج لاعب ارتكاز دفاعي وادخل مهاجما..ولكن بعد فوات الأوان..بعد ان لعب ضد واقعية الكرة وحقيقتها بما فيها من سهولة وتواضع..وهذا التواضع كان يدعوه ان يختار بين جابو والذوادي.. وان يترك الحداد علي بنك البدلاء لانه «يلعب الزايد».. وأن يلعب ولو بأسماء صغيرة ولكن في خطتها الاصلية..وأخيرا ألّا يخاف الاسماء.. لأن الأسماء هذه ليس فيها لا «ميسي» ولا «رونالدو» ..وإنما فيها ألوان الافريقي العريق..وها قد ذكّرنا!