رغم المشاكل الكثيرة التي يعيشها التونسيون منذ فترة، والمصاعب التي يواجهونها في كل الميادين تقريبا، فإن مرد الطمأنينة الجزئية التي ظلوا يشعرون بها، هو ثقتهم في المؤسسة العسكرية، التي نجحت في البقاء بعيدة عن كل التجاذبات، وواصلت القيام بدورها، سواء من حيث المساهمة في حفظ الأمن العام داخليا، أو في حماية حدودنا، وسط أوضاع إقليمية مهزوزة. ولهذا السبب كان لإعلان السيد عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الوطني تقديم استقالته، وقع سيء لدى أغلب المواطنين، ومبعث خشية لديهم. لأن المؤسسة العسكرية تظل صمام أمان بالنسبة لكل التونسيين. وهم متشبثون باستقرارها وببقائها بمنأى عن كل الخلافات التي تشق الساحة مهما كانت طبيعتها. وهو ما نجحت فيه المؤسسة العسكرية إلى حد الآن. فجيشنا الوطني رغم الإرهاق الذي تحدث عنه السيد عبد الكريم الزبيدي لدى استعراضه لدواعي استقالته، ورغم النقص في الإمكانيات، نجح في القيام بواجباته على أحسن وجه. ولولاه لكانت تداعيات الهزات والانفلاتات الأمنية التي عاشتها البلاد منذ 14 جانفي 2011، والأوضاع على الحدود أكثر خطورة. ولكن هذا النجاح لا يعني عدم السعي إلى تخفيف العبء عن جيشنا الوطني، ولا عدم الانتباه إلى تحاليل وتقييمات القائمين عليه، وأخذها بعين الاعتبار. تابعت تصريحات وزير الدفاع المستقيل، ودواعي هذه الاستقالة، وخاصة حديثه عن وجوب توفر عدد من الشروط الموضوعية حتى تواصل المؤسسة العسكرية قيامها بواجبها في أحسن الظروف. ويبدو أن السيد عبد الكريم الزبيدي سعى من خلال الحديث عن هذه الاستقالة عبر وسائل الإعلام - على غير عادته - إلى لفت انتباه الطبقة السياسية والرأي العام إلى خطورة الأوضاع الذي تمر بها البلاد، وتداعياتها المحتملة على المؤسسة العسكرية، وبحث عن إحداث «صدمة» للدفع نحو اتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير، دون أن يخفي استياءه من أخذ بعض القرارات التي تهم في جانب منها المؤسسة العسكرية دون الرجوع إلى القائمين عليها. الشيء الثابت أن الوزير قد نحج في لفت انتباه الرأي العام، لكن الكثير من التونسيين لم يتبينوا كافة دوافع وخلفيات هذه الاستقالة، غير أنهم شعروا بخطورة المسألة باعتبار حساسية دور المؤسسة العسكرية في الوضع الراهن. كما فهم العديد من المراقبين وحتى المواطنين العاديين أن السيد عبد الكريم الزبيدي كان على استعداد لمواصلة مهامه، في حالة توفر عدد من الشروط التي تحدث عنها، وهذا لم يحصل رغم أن عددا من التونسيين تمنوا ذلك وعبروا عنه من خلال المواقع الاجتماعية على شبكة الانترنيت، لإدراكهم بأن المؤسسة العسكرية بحاجة للاستمرارية. واليوم وبعد تعيين وزير جديد على رأس وزارة الدفاع الوطني، فمهم جدا ألا يكون هذا التعيين محل أي خلاف من أي نوع كان... ومهم جدا أيضا الوقوف عند كل المسائل التي أثارها الوزير المستقيل وبحثها بكل جدية ورصانة، بعيدا عن أية مزايدات سياسية من أي طرف كان.