يعتبر فن الحكي من أقدم وأهم الفنون التي وظفتها المجتمعات لنقل تجاربها ومعارفها وقيمها عبر الأجيال، وكان للراوي أو الحكاء أو الحكواتي دور هام في حياتنا في تونس وفي البلاد العربية عموما، ولكن مع انتشار التلفزيون والفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة وزيادة مشاغل الناس وتعقد حياتهم اليومية لم يعد للراوي مكانة في حياتنا، أو لنقل تلاشت هذه المكانة وتراجعت. مهرجان الحكاية ومن منطلق إيمانها بالدور المركزي الذي يمكن أن تلعبه القصة والحكاية في التعلم والحياة والفن، نظمت " جمعية دنيا الحكاية " من 27 أفريل إلى 12 ماي 2012 الدورة الأولى لمهرجان الحكاية. وحسب ما وافانا به وحيد الهنتاتي رئيس الجمعية، فتتمثل أهداف التظاهرة في إعادة الاعتبار للحكاية وللحكائين ولدورهما المهم في نقل تجارب المجتمع ومعارفه وقيمه عبر الأجيال من خلال إمتاع الطفل وإسعاده وتنمية خياله وقدراته المعرفية واللغوية وقدرات الاتصال والحديث، إلى جانب تنمية الميول القرائية لديه، فالطفل الذي يتعود على سماع الحكاية بانتظام ينشأ على حب الحكاية والقصة والمطالعة، على حد تعبير مُحدّثنا. و قد تنوعت فقرات المهرجان بين المعارض والمحاضرات و ورشات حول فن الحكي وعروض للحكاية شارك فيها 28 حكاء من تونس والجزائر وليبيا ومصر وفلسطين واليمن وإيطاليا . شبكة نوادي الحكاية في المدارس نجاح المهرجان كان كبيرا من ناحيتي التنظيم والإقبال ولكن أيضا من ناحية الإفادة فقد عبر العديد من المربين عن التأثير الايجابي لعروض الحكاية على بعض التلاميذ من حيث اهتمامهم المتزايد بالمطالعة . ولعل من أهم أسباب نجاحه أيضا أنه لم يقتصر على مركز المدينة، بل شمل الأحياء الشعبية ومعتمديات الولاية أين لم يرض الأطفال بلعب دور الجمهور المستهلك فقط، بل طالبوا بأن يكونوا فاعلين و يتعلموا فن الحكي . لذلك، وضع السيد وحيد الهنتاتي برنامجا لبعث شبكة من نوادي الحكاية وقد وجد حماسا كبيرا من متفقدة المدارس الابتدائية السيدة سارة الشرفي والسيد عبد اللطيف معطر متفقد الفرنسية بالمدارس الاعدادية والحكواتي عبد الرزاق كمون ومن عدد كبير من المعلمين ومديري المدارس الابتدائية و الاعدادية الراجعة بالنظر للمندوبيتين الجهويتين للتربية بصفاقس 1 و2، حيث تم تركيز 28 ناديا يِؤمها حوالي 420 تلميذا تتوزع أنشطتها على حصص سرد حكاية و قراءة بصوت عال وترغيب في المطالعة باعتماد الرسم والتمثيل والغناء والألعاب والرسوم المتحركة لفائدة أطفال النوادي، إلى جانب حصص لفائدة الأولياء والمربين لتحسيسهم بأهمية سرد الحكاية للطفل وتدريبهم على ذلك واكتشاف المواهب في ميدان سرد الحكاية وتنظيم دورات تكوينية ولقاءات دورية لفائدتهم ليتمكنوا من صقل هذه الموهبة و تنميتها. آخر أنشطة هذه النوادي كان عرض احتضنه يوم 17 فيفري 2013 المسرح البلدي بصفاقس بعنوان "حكايات من وحي الطبيعة" أمّنه باللغة العربية الفصحى كل من سحر مزيد وإشراق مطر وعائشة الهنتاتي من خلال قراءة بصوت مرتفع لعدد من القصص نذكر منها "العصافير تعود إلى الشجرة" لمحمد الغريبي و"الطفل والشتاء" لعبد الجبار الشريف و"عندما رحل القمر" لكاتي نهران... ونجحت الحكاءات الصغيرات في شد انتباه الأطفال الحاضرين بفضل أسلوب سلس في سرد الحكايات وتقمص أدوار الشخصيات. ومن الطبيعي أن يكون الامتياز للحكواتية المحترفة سوسن كانون التي يبدو أن ما تلقته من تكوين في تقنيات الحكي ضمن الدورات التي تنظمها الجمعية كان له أثر بالغ في نحت شخصيتها على الركح، إلى جانب موهبة أهلتها لأن تنتقل بكل عفوية من حكاية إلى أخرى ومن مشهد إلى آخر داخل الحكاية ذاتها. مهرجان نوادي الحكاية وتتواصل نجاحات هذه النوادي، حيث يعيش المسرح البلدي والمكتبة الجهوية ومركز الفنون الركحية والدرامية من 3 إلى 12 ماي 2013 على وقع فعاليات مهرجان نوادي الحكاية الذي ينظم بدعم من المندوبية الجهوية للثقافة بصفاقس و دار فرنسا بصفاقس و مركز الفنون الدرامية و الركحية بصفاقس. ويتضمن البرنامج عروضا في الحكاية والقراءة بصوت مرتفع، إلى جانب عدد من الورشات وخاصة من العروض التي ستقدمها نوادي الحكاية التابعة للمدارس الإعدادية والتي سنعود لها بأكثر تفاصيل في مواكباتنا القادمة.