حتما ندرك شكلا ومضمونا أن وزير التربية الحالي يشتغل ضمن نواميس وضوابط قانونية تشرعها الحكومة لا يمكن له أن يتجاوزها ....ونحن نعي جيدا أنه .... «ما يحسّ بالجمرة كان الي يعفس عليها».....ونفهم البون الشاسع بين شخص سالم لبيض قبل ثم بعد تعيينه وزيرا للتربية باعتباره كان وجها محبوبا ومألوفا شد المتفرجين كلما أطل عليهم في احدى القنوات ليدخل المشهد الاعلامي من أوسع الأبواب ...ولكن بين دكتور علم الاجتماع والوزير السياسي بُعد ...كبعد الأرض عن عطارد .....هذا ما أدركناه ولمسناه وأحسسنا به قدر احساسنا باننا سلك مضطهد مقموع في بريستيجه المعنوي والمادي الى درجة صار فيها المعلم يعيش الخصاصة في بعض الحالات خاصة اذا كان له أبناء في التعليم العالي وفي كفالته أم أوأب . ولأنّ الأمر واضح وضوح الشمس أدعونفسي أن أذكّر وزير التربية من باب أن الذكرى تنفع المؤمنين ....ولا من باب الاعادة والتكرار والاجترار الماسط ...لأن اللوبانة التي لاكها المعلم طويلا ابتلعها كما يبتلع المساكين السكين بدمها ...أقول وأجري على الله ... «وراء كل أمة تربية عظيمة ...ووراء كل تربية عظيمة معلم ناجح»......و«المعلم شمعة تحترق تضيء الآخرين».....و«المعلم محارب سلاحه العلم وميدانه الجهل» ....وأزيدك ....سئل رئيس الوزراء الياباني عن سر التطور التكنولوجي في وطنه فرد سريعا ودون فلسفة بل بآفتخار .... «لقد أعطينا المعلم راتب وزير وحصانة ديبلوماسي واجلال الأمبراطور» ....وتجاوبت معه السيدة « ميركل» الوزيرة الأولى لألمانيا العظيمة لما زارها القضاة يطلبون منها مساواتهم بالمعلمين ...فصاحت فيهم ... «أتريدون المساواة مع من علموكم».....ومن هنا قد أبدا لأنه مربط الفرس ....وأقول لوزير التربية بكل ود وتلقائية وعفوية ...لولا المعلم ...لما جلست على كرسي وزارة التربية ....تذكر سيدي الوزير وأنت تخطو خطواتك الأولى في قسمك تنهل العلم والخلق الكريم بين أحضان معلم وهبك الكثير من عبقه وعطره ورحيقه ...فذبل هو وأثمرت أنت ...ألا يحق لك الآن أن تكرم معلمك وهو من صقل عودك وهذبه وأنار سبيلك ....تذكر هذا الرجل الذي يحترق بين جدران فصله يهش على صغاره يخاف عليهم حتى من حفيف النسيم ....تذكر رجلا يناضل في البوادي والأرياف والجبال والأودية والصحاري يقطع المسافات راجلا وعلى عربات الحمير وسيارات النقل الريفي وجرارات المزارعين ليصل الى مدرسة انتصبت في أعلى الروابي لا يهاب القر ولا الحر ...وكم أينعت بين أحضانه أجيال وأجيال قهر رجالها ظلمة الجهل وأسعدوا أسرهم وجهاتهم ...هذا المعلم تأخر عن صفوة الناس وتأخر عن شرائح المجتمع من استكثر عليه عطلة يسترجع فيها أنفاسه بعد موسم البذر والجني ثم الحصاد ضمن مهنة المتاعب والأعصاب لأنه يحترق فيها ألف مرة كما الشمعة في ظلمة الليل الدامس. المعلم ...لا وداديات تحميه ...ولا جمعيات تهبه الأدوية والرحلات وتذاكر المطاعم والفنادق الفخمة ...ولا ممن ينالون ال 13 و18 أجرة ...المعلمون من اختنقوا بالقروض لتوفير قبر الحياة أجرتهم لو ذكرتها لك قد تبتسم حياء وخجلا. المعلم لا يعرف اصطيافا ولا بحرا ولا نزلا من فئة الخمس نجوم كغيره من خلق الله ..وأزيدك سيدي الكريم ودوما بكل لطف وحب أنه لا يملك المكتب الوثير كالذي تجلس عليه أنت الآن ...ولا أعرف هل يصلك مقالي هذا أم لا ...أكتب فيه عن معلم كاد أن يكون رسولا لعلك انشغلت بأولويات لا نلومك عليها لأن ذلك طبيعة عملك في صلب الوزارة ...أنا كم أتمنى لو أعرف أول معلم وقف اجلالا أمامك وأنت في سنتك الأولى تتهجى الحروف وتحفظ قطع المحفوظات والقرآن وترسم مشاهد الفصول ...ولعلك تلقي قطعة «الأرملة المرضعة» و«كبش العيد»... وغيرها مما درسناه في مدارسنا وظلت راسخة في أذهاننا ...ألم تكتب نصا تعبيريا تحلم فيه بأمنية المستقبل ...ماذا عساك كتبت لمعلمك ...كنت تحلم أن تصير معلما أو طبيبا أو مهندسا أو دكتورا أو وزيرا مثلما كنا نحلم ونكتب نحن في مواضيع الانشاء ...وكان معلمك يقرأ تعبيرك ويربت عل كتفك ويتمنى لك النجاح ...وها أنك الآن في اعلى رتبة تمنيتها ودعاك اليها معلمك ...فما عساك فاعل لترد له الجميل؟ ...أسأل فقط ... اسأل اليوم ابنك الصغير عن أبهى أمنياته فسيرد حتما ...أريد أن أكون الأول في قسمي حتى يشكرني معلمي ...وقد يزيدك بأنه يحب معلمه كما لا يحب أحدا ....سيدي الوزير لا نستعطفك بقدر ما نذكرك بأن الأمر لم يعد يحتمل ...والخوف يوم يموت المعلم «حمصة» وقهرا ونكدا لأن العظماء قدرهم أن يموتوا فجأة واقفين في هيبة ووقار .