بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور نجيب القروي في حوار شامل ل«التونسية»:خطأ «الغنوشي» الأكبر أنه أحاط نفسه بأشخاص يستمدون وجودهم من الولاء له
نشر في التونسية يوم 29 - 05 - 2013

أحد الأصدقاء اقترح إسمي وزيرا للداخلية، ولو عرضت عليّ الوزارة لرفضتها...
المناصب أهديت للمريدين
ولم تمنح للكفاءات...
تعلمت الكثير من حامد القروي وحمادي الجبالي ولكنّني مستقلّ...
حمادي الجبالي صديق قديم ولكني لا أعرف سكناه ولا أملك رقم هاتفه الجديد
الصراع في تونس بين «الغباء» و«الذكاء»...
لم أعد أؤمن بشيء إسمه حزب إسلامي
أنا لا ألزم حمادي الجبالي بمواقفي وهو لا يلزمني أيضا بما يراه...له
بيان مجلس الشورى كتب على عجل... والأجواء أهم من البيان
سخرت نفسي لدعم «شبكات الذكاء»...
حين نشرنا مؤخرا مقالا للدكتور نجيب القروي بعنوان «النهضة في مفترق الطرق»، كثرت التأويلات واختلفت حول دوافع «القروي الصغير» للتصريح بما صرّح به وهل كان ما باح به موقفه الخاص أو كان يعبّر عن مواقف بعض المقرّبين من انتماءات مختلفة...
ومهما كان التأكيد بأن كلام نجيب القروي لا يلزم غيره فإن كثيرين لا يقتنعون ويرون دائما أن في الأمر «واوا»...
والدكتور نجيب القروي كان مناضلا صلب حركة الإتجاه الإسلامي منذ كان طالبا، وإعتقل في الجزائر نهاية الثمانينات قبل أن ينتقل لفرنسا لمواصلة دراسته. ابتعد عن كل نشاط سياسي سنة 1991 تاريخ إطلاق بن علي حملة تجفيف المنابع ضد حركة «النهضة».
وحين أكمل دراسته، عاد إلى تونس في 2 نوفمبر 1993 وانشغل بتكوين مركز للطب الإستعجالي في مسقط رأسه سوسة وانخرط في العمل الجمعياتي...
وبعد 14 جانفي طفا إسم الرجل على السطح بسبب علاقاته ومواقفه المعلنة.
كنت وراء تنظيم زيارة وفد من الفنانين والإعلاميين لجرحى الشعانبي بأي صفة قمتم بهذه الحركة؟
تابعت ككل المواطنين ما يجري في الشعانبي وتألمت لما تعرض له إخواننا من الحرس والجيش حيث فقد البعض رجلا أو رجلين والآخر عينا أو البصر تماما. وتحركت مشاعري تجاه هؤلاء الشباب الذين هم في مقتبل العمر والذين فقدوا نهائيا أعضاء أثناء القيام بواجبهم، وأي واجب؟ الدفاع عن الوطن وعلى حدوده.
فكمواطن وكناشط في المجتمع المدني ولي علاقات، ارتأيت أن أدعو بعض الأصدقاء المشهورين للتبرع «بشهرتهم وسمعتهم» لفائدة هؤلاء عبر زيارتهم ومواساتهم وتقديم باقات ورود كعربون عرفان تعبيرا كذلك عن مشاعر الطيف الأكبر من الشعب التونسي. فحين يرى هؤلاء الأبطال البواسل وعائلاتهم وزملائهم هذا الاهتمام والتغطية الإعلامية، قد يرفع ذلك من معنوياتهم ويشعرون بالفعل أنهم أبطال هذا الوطن خاصة أننا في الفترة الأخيرة لم نكن نعامل الأمن والديوانة خاصة بقدر المجهودات الكبيرة التي يبذلونها من أجل التحول إلى مؤسسات جمهورية تقوم بدورها الحقيقي في خدمة البلاد والعباد.
يوم غرة ماي أرسلت ارساليات قصيرة إلى هؤلاء الأصدقاء، واستجاب أغلبهم مباشرة ودون أي تحفظ وأذكر منهم السيد عبد الجليل التميمي وأبطال ملحمة الأرجنتين نجيب غمّيض والمختار ذويب والسيدة منى نور الدين والصحفي وليد أحمد الفرشيشي... وحتى من كان في الخارج (أسامة الملولي وسنية مبارك في الولايات المتحدة آنذاك وشاب ممتاز في فرنسا هو قيس مبروك سنسمع عنه مستقبلا إن شاء الله) اندفعوا بكل تلقائية ليكونوا جزءا من هذه المجموعة الرمز.
ماذا عن الحفل الذي تعتزمون تنظيمه في سبيطلة يوم 15جوان؟
لما أطلقت المبادرة، أول من اتصل بي مباشرة بعد تقبّل الإرسالية القصيرة هو الفنان الصديق لطفي بوشناق الذي أضاف على مبادرتي اقتراح القيام بتظاهرة فنية راقية في ولاية القصرين تكريما لكل هؤلاء الأبطال ولكل الذين يقومون بواجبهم في الذود عن الوطن ومناعته ولأهالي القصرين في الآن نفسه. ثم وافق على الانضمام إلى هذه المبادرة بكل تلقائية كل من الفنانة سنية مبارك والفنان زياد غرسة وجمعية قرطاج للمالوف والموسيقى التونسية ممثلة في رئيسها السيد لمين كواش والذين نشكرهم جميعا على روحهم الوطنية. وسيقدّم هذا الحفل مجموعة من الأغاني الوطنية إن شاء الله يوم 15 جوان في المسرح الأثري بسبيطلة الذي هو فضاء غاية في الروعة, دون أي مقابل للذين سيحيونه وكذلك دون معلوم دخول للحضور، مع مكانة خاصة لرجال ونساء الأمن والحرس والجيش والديوانة. ونأمل أن يكون هناك امتزاج بين أبناء الوطن من المدافعين عن حرمته ومن المدافع عنهم من أبناء الشعب التونسي والباب مفتوح للجميع. مع العلم لمن يهمهم الأمر أن الناطق الرسمي باسم هذه المجموعة هو الفنان رؤوف بن يغلان والمسؤول عن الإعلام والتسويق هو الصحفي نصر الدين بن حديد.
هذه المبادرة هي اليوم ملك للفنّانين والمبدعين بعيدا عن أي توظيف سياسي من أي جهة كانت وهي مسؤوليتكم أيضا كإعلاميين في دعمها.
تصريحاتك ومبادراتك تثير أسئلة كثيرة، ماذا يريد نجيب القروي؟ لمصلحة من يتحرك؟ خاصة أن اسمك شئت أم أبيت مقترن بحامد القروي من جهة وبحمادي الجبالي من جهة أخرى؟
نجيب القروي يتحرك لمصلحة وطنه وشعبه ولا ينتظر أمرا ولا أجرا. نعم أنا ابن حامد القروي وأعتز بذلك أيّما اعتزاز وعقلاء هذه البلاد يعلمون معنى ذلك. وأنا كذلك صديق حمادي الجبالي وأعتز كذلك بهذه الصداقة مع مناضل صادق ووطني ومتعفف من الدنيا وجاهها وسلطانها. وهذه صفات شخصية ندر وجودها في زمننا هذا, وسي حمّادي لا يخلو كذلك من السلبيات كأي بشر، ولكن «داخله صافي» ولا نزكّي على الله أحدا. وبالنسبة لي إن الذين يعرفونني يعلمون جيدا أنني لست أبدا من النوع الذي يصطف دون شرط مع جهة أو أخرى، بل إن مسيرتي تشهد على استقلاليتي منذ الصغر والبوح بأفكاري ومواقفي دون خشية وأنا حر إلى حد التوحّش في بعض الأحيان وصريح أحيانا إلى حد المبالغة حسب بعضهم. فحيث أرى المصلحة العامة ومصلحة الشعب والوطن أندفع وحيث أرى عكس ذلك أنصح وأستنكر ثم أغضب وأصرخ. وأنا أعتبر أن دوري الآن, كما ينبغي أن يكون دور كل فرد تربى على هذه الأرض وانتفع من بركاتها، أن يساهم في زرع الخير حيث وجد المجال لتحصد الأجيال القادمة كما حصد هو من قبل من زرع الآباء والأجداد. أنا تجاوزت الخمسين ورزقني الله رزقا حسنا من لدنه وذرّية أقرّت عيني وأعتبر أنه من واجبي في ما تبقى لي من عمر أن أعطي, عملا بقوله تعالى «و أحسن كما أحسن الله إليك» وبقوله صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ (يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ) شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامًُ».
وسيبدو هذا الكلام نظريا ومثاليا وطوباويا، وبالفعل عندي من المثالية ما أرهقني في هذه الحياة وعندي تخيّلا لتونس المستقبل ما يجعلني أسعى وأسعى ويصيبني اليأس أحيانا ثم أعاود الوقوف والسير والحلم. وأنا الآن في بحث مستمر عن حالمين مثلي لوضع الجهود مع بعضها وتكوين قوة خيّرة تدفع بالوطن إلى الأمام وتتجاوز هذه الصراعات العقيمة القائمة اليوم في بلادنا والتي تعيق أي تقدم , وتحوّلها إلى طاقة إيجابية تتقدم بالبلاد إلى الأمام ولا تشد بها إلى الخلف.
فالخلاصة أنني تعلّمت الكثير من حامد القروي ومن حمّادي الجبالي وهي فرص ثمينة أسعدتني بها الحياة، ولكنّني اليوم مواطن مستقل يريد الخير لوطنه ولأجياله القادمة بطريقته الخاصة ولا يريد جزاء ولا شكورا من أحد.
هل السيد حمادي الجبالي على علم مسبق بتحركاتك؟
السيد حمادي الجبالي هو أخ وصديق حميم ولكن لا تربطني به علاقة تفرض عليّ استشارته في تحركاتي , وحتى صفة الطبيب الشخصي زالت وغَدَتْ عنصرا من الماضي. فأنا مستقل تماما وقد أستشير من أراه صالحا في أي أمر أقوم به من باب الاستئناس بالآراء النيرة. ولأكون أكثر دقة فبعد أن صغت التحليل الأخير الذي نشر في جريدتكم تحت عنوان «النهضة في مفترق الطرق»، حملت المقال إلى السيد حمادي الجبالي وقلت له إنه للإطلاع وتصحيح أخطاء تاريخية إن وجدت وليس لطلب «الموافقة على نشره», وحتى لا يكون اطّلاعه عليه ككل القرّاء يوم صدوره في الجريدة. وكان ذلك يوم 13 أفريل بسوسة بمناسبة تهنئته بعودته من العمرة. وقد احترم مسعاي ولم يحاول إثنائي عن نشر المقال رغم تحفظه على نشر بعض ما جاء فيه, وصحّح لي مشكورا بعض المعطيات التاريخية. وقد فعلت ذلك من باب الاحترام تفاديا لما وقع في شهر سبتمبر 2012 من مفاجأة له.
ما موقفه من تصريحاتك الأخيرة ومبادراتك؟
كلما تحرّكت سواء على صفحتي في الفايسبوك أو في الصحافة تتنوّع الضغوطات على السيد حمادي الجبالي (و كلما يتحرك هو تزداد الإتصالات الهاتفية عليّ). وأنا أفهم حجم الضغوطات التي يتعرض لها خاصة مع الدعاوى الخيالية أنني من وراء مبادراته والتي لا أساس لها من الصحّة لا كثيرا ولا قليلا. ومع ذلك فإنه لا يعبّر لي أبدا عن استياء من تصريحاتي ومبادراتي وأنتم تعرفون شخصيته دائمة التفاؤل والابتسامة وهو كذلك في الحياة والعلاقات. ولكني الآن مثلا لا أعرف رقم هاتفه ولا حتى عنوان سكناه في تونس منذ أكثر من شهر ونصف.
وأكرّر هنا أن حمّادي الجبالي صديق قديم وحميم ولا يعني ذلك أنني مستشاره السياسي وهذه العلاقة لا تلزمه ولا تلزمني في المواقف ومخطئ من يربط كل ما يقع بهذه العلاقة. فصداقتنا خارج السياسة، ولا نتفق على جملة من النقاط وهو شيء طبيعي جدا.
هل صحيح أن اسمك طرح كمرشّح لوزارة الداخلية ولكن الغنوشي رفع فيتو ضدك؟
كان في الواقع اقتراحا عرضيا حيث أنه في التحوير الأخير كانت حركة «النهضة» تريد إبعاد شبهة الجهويات عنها وكانت تبحث عن «ساحلي» لتزيّن به وجه الحكومة. وكان أحد الإخوة من سوسة مشكورا على ثقته قد ذكر اسمي للشيخ راشد (من بين المقترحات العديدة, وهو ما علمت به لاحقا) ولم يؤخذ اقتراحه بعين الاعتبار. وعلى أيّة حال لم أكن لأقبل بمنصب وزاري في هذه الحكومة لو عرض عليّ لأنني من جهة لم أتخذ قرار مغادرة «العمل المدني» والولوج إلى عالم السياسة, ومن جهة أخرى لأنني غير مقتنع البتّة بعقلية وطريقة تسيير شؤون البلاد وبتعاطي الحزب الكبير في السلطة مع مقترح حكومة الكفاءات الوطنية وقلة الشأن الذي يعطى لمسألة الكفاءة في اختيار المسؤولين. وفي الأخير يبقى شيء طبيعي ألاّ يقع الاختيار عليّ بما أن الولاء مقدّم على الاعتبارات الأخرى, إضافة إلى تغريدي خارج السرب. وأود التذكير دون ملل أن المناصب الوزارية تكليف وليست تشريفا، وأن التفكير الذي ينبغي أن يسود عند توزيع الحقائب الوزارية هو «من هو الشخص الذي يمكنه أن يعطي الإضافة في هذا المنصب» وليس «ما هو المنصب الذي سأهديه لمريدي». وقد كان هذا الخطأ القاتل في تكوين الحكومة الأولى على الأقل. المكافآت تكون بأشياء أخرى وليس بتقاسم الأمانة التي سلّمها الشعب لحسن تسيير شؤونه وليس كهبة أو صك على بياض.
ماهي رسالتك لراشد الغنوشي؟
رسالتي هي تذكيره بجملة قالها لي الشيخ في لقاء عفوي يوم أداء القسم للحكومة الأولى وكان ذلك في منزل المغفور له المرحوم عزيز ميلاد «آخر ما يخرج من قلوب الصالحين حب الرئاسة».
وأخشى أن يكون الشيخ قد انطبق عليه «مبدأ بيتر» (1) حين دخل عالم السلطة. فالشيخ راشد هو مفكر كبير ذو صيت عالمي وصاحب أدبيات وله معجبون كثر وقد أسّس مع ثلّة من إخوانه هذه الحركة في السبعينات والتي تحولت اليوم إلى أكبر حركة وأكثرها جماهيرية في تونس وتجاوزت أفكاره حدود الوطن. ولكنني أخشى أن تغطي هذه الحلقة الأخيرة ما فعله الشيخ راشد من إيجابيات من قبل, وأن يطمس عمل 40 سنة في سنة واحدة أو اثنتين. فلا أحد من البشر يتقن كل شيء, وقد أكون ممتازا في ميدان ومتوسطا جدا في ميدان آخر. وأعتقد اليوم أنه كان أحرى بالشيخ راشد أن يرتفع بعد رجوعه من المهجر إلى صف الشخصيات الوطنية التي تحظى باحترام كبير , ينظّر ويحتكم إليه ولا يكون مباشرا للسلطة, خاصة بالصفة الخفية بعد أن وعد يوم رجوعه إلى تونس أنه لا يطمع في أي مركز في الدولة. وأعتقد أن الخطأ الأكبر هو أنه أحاط نفسه ببعض الشخصيات التي في الواقع لا وزن لها ولا وجود لها إلا من خلاله وضرّها أكبر بكثير من نفعها وهي اليوم نافذة. وكما نعلم جميعا لمّا يكون النافذ ذا كفاءة متوسطة فإنه لن يسمح لأصحاب الكفاءات العليا بالفعل والظهور. وحين لا يستطيع البناء فإنه يبرّر وجوده بالتصدّي أو حتى بهدم بنايات الآخرين.
هل لك أن تعطينا بعض الأسماء ؟
أنت صحافي مرموق وسيّد العارفين ولا أظنّك تجهل معنى ما قلته لك ولا من أقصد. والمعنيون سيعرفون أنفسهم بالتأكيد . ومع الأسف فإنّك اليوم إذا أردت إحصاء الكفاءات العالية في صلب حركة «النهضة» والوجوه المشرقة تحير. بل إنّني أجزم أنه كان هناك إقصاء ممنهجا وصدّا للأبواب أمام كل من أراد خدمة وطنه عبر هذا الحزب في بداية وصوله إلى الحكم والأمثلة عديدة. ممّا يجعل الحزب اليوم يشبه أرضا محروقة من ناحية الكفاءات العليا والوجوه الوطنية المعتبرة بينما كان بإمكان قيادته استقطاب واستيعاب المئات منها لو فتح أيديه في بداية حكمه ومد جسور التواصل عوض الانغلاق والاستعلاء غرورا, تغليبا لمصلحة الوطن وتصديقا لما قيل في الحملة الانتخابية من أن تونس لجميع أبنائها وأنه ستقع الاستفادة من الجميع ولن يقع التشفّي من أحد... يا لهول الفرص المهدرة... يا للأسف... لمّا أرى مثلا ندرة آثار نجم الدين الحمروني أو قلّة تأثير زياد الدولاتلي وزياد العذاري أو تهميش الحبيب المكني وأحمد عبد النبي وغيرهما أو الحملة التي شنّت وما تزال على حمّادي الجبالي, مقابل صولات وجولات آخرين... أدرك أن الدرس لم يفهم وأن المشكلة عميقة وتبدو هيكلية.
هل تعتقد أن حمادي الجبالي سيغادر «النهضة»؟
لست أدري ولا أسمح لنفسي بالإجابة في مكانه في موضوع الاعتقاد ونيته. ولكن رأيي أنه بعد رفض مبادرته الأخيرة ينبغي عليه أن يعترف بحقيقة أن الوضع القيادي في الحركة لم يعد كما كان عليه الحال سابقا من حيث الانسجام والتوافق, خاصة بحضور بعض ناقصي الخبرة من الحالمين والطامعين في صفوفها الأولى، من الذين يفكرون في التخلّص منه وأخذ مكانه. هناك إذن تباين واضح في المواقف مع القيادة الحالية يزداد عمقا مقابل كسبه ثقة طيف واسع من المجتمع التونسي. فبقاؤه كمسؤول في «النهضة» يعتبر أمرا «ضد الطبيعة» بينما هو مطلوب خارجها بصفة كبيرة من طرف طيف واسع من التونسيين (و حتى من جزء من أنصار «النهضة» الذين خاب أملهم) والذين يبحثون عن طريق ثالث محافظ تتزعّمه شخصية وطنية برهنت على مصداقيتها وعلى تغليبها لمصلحة الوطن مقابل المصلحة الشخصية أو الحزبية. وإني كنت أتمنى لو قرر السيد حمادي الجبالي الاستجابة لهذا الطلب الواسع والتقدّم بمبادرة أعتقد أنها ستلاقي نجاحا إلى مدى بعيد وتوفر خيارا جدّيا لمن لا يستهويهم أحد الخيارين الموجودين اليوم على الساحة ألا وهما حركة «النهضة» أو «نداء تونس» ومن معهما لأن السيد حمّادي الجبالي هو الوحيد اليوم الذي يملك هذه الورقة الرابحة أو «الجوكير».
هل سيفعلها ويعلن حزبا ؟ هل ستكون معه؟
لا أعتقد ذلك مع الأسف ولو أعلن حزبا نعم لكنت إلى جانبه بلا تردّد لأنني أفكّر كما قلت آنفا في كل هؤلاء الذين يترقّبون هذه المبادرة والعديدون اتّصلوا بي بأشكال مختلفة بحكم قربي من سي حمادي للتعبير عن هذه الرغبة وهذا الانتظار.
ما هي إذن مشاريعك في ميدان السياسة في غياب انتماء حزبي؟
أود أوّلا أن أعلن أنني لم أعد أؤمن بشيء يسمّى «حزب إسلامي» حيث أنه يحدث خلطا في الأذهان إذ أن الاسلام واحد والسياسات متعدّدة وممارسة السياسة اجتهاد بشري قد يخطئ وقد ينحرف ولا يمكن أن يحسب ذلك على الاسلام. لكن يمكن أن تكون هناك أحزاب محافظة تضمّن برامجها تصوّرا معيّنا للمجتمع والمعاملات ينبع من تعاليم الاسلام. ويمكن لهذه التصوّرات أن تختلف من حزب إلى آخر دون أن يكون الأول «إسلاميا» والثاني «منحرفا» أو «مستنقصا» أو «كافرا».
ثانيا أعتقد أن علينا بمراجعات وتعريف جديد لمفهوم «المشروع الإسلامي» وطرق تنزيله في واقع من الحرية والديمقراطية , وهو من باب الاجتهادات البشرية والتي في رأيي يجب أن تعتمد كثيرا على تمش براغماتي ومقاصدي.
وثالثا وأمام ما نشاهده في الواقع من انحرافات في اتجاه أو في آخر لا أعتبر أن صفة «المصلّي» أو «الإسلامي» لا كافية ولا ضرورية لتكون مواطنا صالحا نافعا لمن حولك ومخلصا وطنيا. بل إنني بتّ مقتنعا أن الصراع في هذه المرحلة في تونس ليس بين يمين ويسار وليس بين مسلم وكافر وليس بين رجعي وتقدّمي وليس بين محجبة وغير محجبة... هو بين الغباء/الجهل الذي قويت شوكته وشبكاته (بما يعنيه من قصر نظر وتغليب للمصالح الخاصة على مصلحة الوطن وسعي لتخريب البلاد بشتى الطرق ومحاولات لإعادة ماض قريب) وبين الذكاء (بما يعنيه من التعالي لخدمة المصلحة الوطنية ومن بعد نظر لبناء القاعدة المشتركة بين أبناء الوطن الواحد وللإتّفاق على قواعد اللعبة وعلى سلّم القيم التي ستسمح لنا بالتعايش السلمي والمتناغم مستقبلا وبصراع سياسي واضح وراق).
وأعتبر إذن أن العمل يجب أن يتركز اليوم على تكوين وتقوية «شبكات الذكاء» التي تخترق كل التكتّلات الحالية حتى تكوّن «بقعة زيت» أكبر فأكبر لتزاحم وتقلّص شيئا فشيئا «شبكات الخبث» التي يشتغل بها الخبيثون اليوم والتي هي أيضا تخترق الجميع بلا استثناء وتعرّض البلاد لأخطار جسيمة.
تونس ترزح اليوم تحت وطأة شبكات الخبث التي ترك بن علي مكوّناتها وهيكلتها وراءه والتي أغلقت أبوابها لبعض الوقت بعد 14 جانفي للتجديد والتجميل وتغيير الهيكلة والإدارة ثم أعادت فتحها من جديد وهي تعمل اليوم بأقصى طاقتها وباتت تسعى إلى التحكّم في عقول المواطنين عبر عملية «تسميم» وتوجيه ضخمة وممنهجة للرأي العام, تحوّل المنكر معروفا والمعروف منكرا.
هذه مراجعات عميقة. فهل أصبح نجيب القروي من أكبر المعارضين للحركة التي ترعرع فيها ولأفكاره القديمة؟
لا أنا لن أصبح أبدا خصما لإخواني من الجماهير الإسلامية والنهضوية خصوصا والذين أتقابل معهم يوميا في المساجد والذين تربطني بهم نوعية علاقات أخرى إذ نحن إخوة في الله كما نعرّف أنفسنا ولسنا إخوة في حزب سياسي. قال الله تعالى «إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون» ولم يقل إن النهضويين إخوة والسلفيين إخوة والتحريريين إخوة والصوفيين إخوة «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم» لكنّني صدمت أيما صدمة بسلوك جزء من القيادات في الحركة التي تكوّنت فيها شخصيّتي والذين كنت أنظر إليهم بعين كبيرة جدّا. ولو كانت قيادات «النهضة» تستمع على الأقل للنصيحة لجنّبت الحركة والبلاد ما آلت إليه.
أمّا بخصوص الأفكار فطبيعي جدّا أن نتعلّم من الواقع ومن التجارب التي تخوضها أفكارنا ونراجع قناعاتنا , تماما كما التجارب العلمية في المخابر. والغبي من لا يغيّر رأيه أبدا.
يتردد أن الدكتور حامد القروي يفكر في تزعم جبهة للدساترة؟ هل تؤكد الخبر؟ ما موقفك أنت؟ هل مازال لديه ما يضيف بعد 14 جانفي؟
لا يمكنني أن أتحدث كذلك باسم الدكتور حامد القروي ولكن ما أعلمه منه أنه ينتظر مآل قانون تحصين الثورة حتى يتخذ موقفه من هذه المسألة ولا موقف لي أنا من ذلك. أما إن كان لديه ما يضيف بعد 14 جانفي فجوابي أن السيد حامد القروي تونسي وطني وراءه ما يقارب 70 سنة من الممارسة انطلقت في النضال في صلب الكشافة التونسية في معركة التحرير ثم في السلطة كما تعلمون، وعادة مثل هذه الثروات من التجربة ينبغي الإستفادة منها بطريقة أو بأخرى قبل أن تذهب نهائيا بعد عمر طويل إن شاء الله. وسينال تصريحي هذا بطبيعة الحال نصيبه من الشتيمة والتهجّمات ممّن لا يتقنون غير ذلك, ولكن الرجال تعرف الرجال. أسالت المصافحة بين قائد السبسي والغنوشي كثيرا من الحبر، كيف تقرأ هذه المصافحة السياسية؟
والله صراحة أنا لا أعطيها أي معنى سياسي ولست من هواة تفسير كل شيء بسابقيّة الاضمار والترصّد. وأعتقد جازما أن للصدف والارتجال مكانا في الحياة العامة وفي الحياة السياسية كذلك. لكن العديد من التونسيين بما أنهم حديثو العهد بالسياسة يبحثون عن «واو» في كل شيء ومولعون بالبحث عن السر والمؤامرة وغير المعلن وكأنها لعبة تعقّب. وقد سألت أحد أصدقائي من أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعة والتجارة لأعلم كيف وجد الرجلان نفسيهما جنبا إلى جنب ولم يَبْدُ لي حسب روايته أي تحضير مسبق. وطبيعي جدا أن رجال السياسة الكبار حين يلتقون يتصافحون ويبتسمون ولو كانوا خصوما وذلك حتى من باب اللباقة والآداب الأساسية. وأنا لا أؤمن في هذا الميدان بسلوك «ما عادش اتكلمني» أو «مرقش» كما كنا نقولها ونحن في الابتدائي. وأقيس على نفسي ولا أرى أي حرج في مصافحة أو مجالسة أو التكلم أو التحاور مع أي شخص لا أتفق معه في السياسة أو في الفكر. أو حتى مجرما عنده ما يقول وقد دفع ثمن جريمته للمجتمع. وأذكر أنني بعد برنامج «التاسعة مساء» الذي شاركت فيه تبادلت أرقام الهاتف والبطاقات مع السادة سمير الطيب وزياد لخضر رغم تباعدنا الشديد فكريا وسياسيا وهذا طبيعي للغاية. وللدعابة أقول إن السيد سمير الطيب لم يجب بعدها على مهاتفتي وإرساليتي القصيرة و«الغايب عذرو معاه».
ماذا كان ينبغي أن يحدث حسب رأيك ؟ أن يدير سي الباجي ظهره لسي حمّادي ويتصرّف كأنّه لم يتفطّن لوجود الشيخ راشد؟ أو أن يغادر الشيخ مكانه عند وصول السيد كمال مرجان ؟ أنا أرى بالعكس في هذه الصور بشائر خير لتعامل حضاري بين الشركاء في الوطن وليس تفاسير شيطانية.
فرجاء ألاّ نترك ردود الأفعال هذه ترسم لنا سلوكيات وتصوّرات بدائية لما ينبغي أن تكون عليه طبيعة العلاقات بين الفرقاء. لنكن متحضّرين ولا نسقط في بعض مستنقعات الفايسبوك اللاّأخلاقية ولتلعب الصحافة دورا إيجابيا في الترويج لأخلاق وتقاليد رفيعة في السياسة وفي غيرها.
كيف تقرأ بيان مجلس شورى حركة «النهضة»؟ هل تضمن ما توقعته؟
ها أني قرأته بسرعة بعد سؤالك . لم أجد ما يثير الانتباه. على مستوى الشكل يبدو والله أعلم أنه كتب بتسرّع ودون مراجعة حيث التراكيب غير منسجمة (بدايات رؤوس الأقلام). في المضمون لم أجد ما هو استثنائي في الظروف التي تمر بها البلاد بل كلام عام يصلح لكل المقدّمات الإنشائية. لا جديد يدل على وعي ببعض الأمور الهامة وعزم على الإصلاح.
ولكن ما هو أهم من البيان نفسه هو الوقوف قليلا عند أجواء أشغال الدورة الأخيرة لمجلس الشورى كما تسرّبت أخبارها. وهنا أسوق حرفيا تعاليق مكتوبة لأحد أبناء «النهضة» غير الراضين عن الوضع وبموافقته, والعهدة على من قال «هذا المجلس الذي تحرص الحركة على ان يكون واجهة للممارسة الديمقراطية والمتحضرة لتجربة عربية اسلامية ثورية ناشئة وصاعدة وتنفق من اجل ذلك تكاليف النزل والمأكل والمشرب.. وتدعو الإعلام المحلي والدولي من أجل ذلك.. ولكن المحصلة هي ان هذا المجلس تصادر فيه الارادات وتميع فيه القرارات وتؤجل من خلاله المعالجات (أقصد الداخلية الهيكلية...) حتى انه يطرح اليوم تساؤل كبير عن دور هذا المجلس في حياة الحركة وفي أعين مناضليها؟؟
مثال ما حدث في هذه الدورة والدورة التي سبقتها : يؤجل الحديث مرة أخرى في الوضع الداخلي والهيكلي للحركة حتى لا تعالج مسألة المكتب التنفيذي الذي يطالب الجميع بتغييره كاملا وتغيير المكتب السياسي وموضوع مكتب اعلام الحركة الذي مثل معرّة في رصيد الحركة في هذه المرحلة الدقيقة. الحسابات والمصالح وحدها هي التي عطلت النظر في هذه الاستحقاقات الحارقة جميعها, هذه المحاور الثلاثة بالإضافة الى المسألة المالية التي هي محل اهتمام الشيخ ومحل فاعليته ولا يريد أن تتدخل له فيها مؤسسة شورى الحركة وهذا مخالف تماما لمقررات المؤتمر والقانون الداخلي للحركة.
في الدورة الاخيرة للمجلس بلغ الاحتقان ذروته بسبب النتائج الكارثية التي رجع بها الوفد المفاوض للحركة... وأكتفي بهذا القدر من السرد حيث أنني أفضّل ستر ما تبقى من الحديث. هذا علاوة على اشتداد مظاهر التصدّع والتي برزت في هذه الدورة ولا داعي للخوض فيها بالتفصيل.
وفي كل الحالات كنت أتمنى تواصلا أكثر كثافة من الحكومة نفسها مع الجماهير في هذه الظروف الدقيقة وخاصة من قائد السفينة السيد رئيس الحكومة حتى يطمئن «الركّاب» حول الأمواج والعواصف وتصوّره في مجابهتها.
ما ردّك على الإتهامات التي وجهت لك بلعب ورقة الجهوية (السواحلية)؟
أود في البداية أن أعرف من أين «يستنتج ويشتم» الذين يتّهمونني بهذه النزعة ؟ هل أعطوا مثالا أو اثنين يرتقيان إلى صفة الجدية ويخرجان من دائرة الحكم على النوايا ؟ بل أبدأ حتى قبل ذلك: أين رأوني أصلا «أطبخ سياسة» خارج مخيّلتهم المهووسة بهذا الموضوع لغاية في نفس يعقوب؟ ليتفضّلوا بإعطائي أمثلة جدية خارج دائرة المضاربة بالفرضيات وتوظيف مشاهدات تحتمل ألف تأويل ويحصرونها هم في تأويل واحد . هل أن علاقتي بالسيد حمّادي الجبالي وحدها توصلهم إلى هذا الاستنتاج ؟ هل من العجيب وغير الطبيعي أن يلتقي شخصان من نفس «الحومة» دون أن ينعتا «بالنعرات الساحلية» ؟ بل أنا أعتقد أن أولئك الذين يبثّون مثل هذه الدعايات إنّما هم دعاة الجهويات الحقيقيين و«أعداء» السواحلية خاصة, يهاجمون بدعوى الدفاع, يطلقون تارة اسم «حمادي الجبالي نجيب القروي» وتارة «الهادي البكوش حامد القروي كمال مرجان» فقط لخلق أهداف يفرغون فيها خراطيشهم القذرة.
يا أخي أليس كل إنسان يخط عبر مواقفه وأفعاله وأهم المحطّات في حياته, سيرته الذاتية التي بها يعرف ويعرّف؟ أمّا في ما يخصّني فقد قضّيت في كلية الطب بسوسة مسقط رأسي من 1980 إلى 1987 بما يعنيه ذلك من وجود زملاء من جميع الجهات, أضف إليه النضال في الاتجاه الإسلامي بالجامعة وخارجها, وكذلك في فرنسا من أواخر 1989 إلى أواخر 1993. ثم دخلت الحياة المهنية في تونس بداية 1994 وبعثت قسم الإسعاف الطبي الاستعجالي للوسط الشرقي ثم بعد سنوات قليلة «مركز التدريب في العناية الطارئة» الذي تدرّب فيه كل من انتدبوا في الأقسام المماثلة التي بعثت (بمساهمتي) في مختلف الجهات الأخرى: صفاقس, قفصة, القصرين, قابس وجندوبة. بعثت أربع جمعيات، إثنتان ذات طابع خيري (1993 و2010) وإثنتان ذات طابع علمي (2000 و2009). كل ذلك جعلني أتجول في البلاد وأتعرف على عدد من التونسيين ممّا جعل هاتفي الجوال يحتوي اليوم على أكثر من 3500 «إسم». وفي هذا الإطار عشت في هذا الوطن ست سنوات كان فيها والدي يشغل خطة وزير أول ثم تقريبا ثماني سنوات كان فيها النائب الأول لرئيس «التجمّع», والله أعلم إن كانت وضعية تسمح لمن يكون فيها بالتعبير عن «قناعاته» بحرية نسبية وبتحقيق «طموحاته» بسهولة لا يستهان بها!!!
وأود إذن أن أقول لأصحاب هذه الدعاوى أن كلامهم محزن لحد الضحك، لو كنت أهوى «الطبخات الساحلية» لانغمست فيها منذ الطفولة، ألست «ساحليا»؟ ولو كنت أهواها للعبتها عندما كان والدي عضوا للديوان السياسي أو مديرا للحزب الاشتراكي الدستوري في العهد البورقيبي, أو وزيرا أول ثم نائبا أول لرئيس «التجمع». فأنا لا أخفي شيئا وإذا كنت مقتنعا بالجهويات لكنت أصدعت بذلك بوضوح ووضّحت وجهة نظري وفسّرتها.
شهادة (واحدة تكفيني) جدّية ومعلّلة من ثقات وليس من قبيل الكذب والافتراء الذي أصبح متداولا عندنا , شهادة واحدة على سلوك لي طوال كل هذه السنوات تشتمّ فيه رائحة جهويات أو «النزعة الساحلية» التي يدّعيها البعض من الباحثين عن رتق لعذرياتهم السياسية والإعلامية بعد ان خدموا كل السلاطين، بل إنني دعوت مرات عديدة في ما كتبت وعلى الأثير إلى نبذ هذه السلوكات والدعوات الجهوية الجاهلية, وذكّرت بأن العالم يسير نحو التكتّلات الكبرى وأن تونس لا يمكنها أن تعيش طويلا وتزدهر في حجمها الحالي ويجب علينا أن ننمّي شعور الانتماء إلى المغرب العربي والعالمين العربي والاسلامي وليس التقهقر إلى الجهة والقبيلة وربّما الحي بعد ذلك وهو الغباء بعينه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.