جيهان لغماري مع اقتراب الدخول في تفاصيل مشروع الدستور وخاصة نظرة الطبقة السياسية الانتهازية له باعتباره امتحانا انتخابيا لفهم موازين القوى وحقيقة التحالفات النهائية، بدأت الأقنعة تسقط تباعا عن كل الأحزاب. هذا التجاذب مع الأسف ليس من أجل الدستور في حدّ ذاته كهدف راق يعبّر عن طموحات الشعب وحقه في الحرية والعدالة الاجتماعية كما هتفتْ بها الحناجر زمن المسار الثوري، بل من أجل تثبيت الأقدام والأيادي والكراسي لجعلها وسائل مباحة لكسب الانتخابات القادمة. مع ذلك، فبداية اللعب على المكشوف بين الفرقاء فيه أيضا جانب إيجابي وهو أولا أنّ الشعب بدأ يتعرّف على حقيقة كل طرف سياسي ومِنّ ثمّ يسهل الحُكم له أو عليه، وثانيا وهذا الأبرز، وضوحُ المواقف يعني اقتراب مرحلة التشكّل النهائي للتحالفات التي ستشهدها فترة مناقشة الدستور والتي ستتواصل بالضرورة خلال الاستحقاق الانتخابي القادم، إذ لا يمكن تصوّر حزب ما يعترض على الدستور ويعتبره رهينة لدى أطراف معينة ثمّ يتحالف معها انتخابيا!. فتصريحات الفرقاء الأخيرة كانت مباشرة وليس فيها مجال للتأويل ، فالغنوشي يقترح موعدا للانتخابات بين نوفمبر وديسمبر القادمين وهذا يعني أنّ «النهضة» خارج فكرة التوافق الممكنة في آخر لحظة، متأكدة من أنّ تحالفاتها داخل «التأسيسي» تجعلها قادرة على تمرير الموعد الانتخابي وبالتالي تمرير كل ما يخص قانون الانتخابات والهيئة المستقلة المشرفة عليها في آجال قياسية تحت غطاء شرعية قبّة باردو. رجْعُ الصدى المضاد جاء بسرعة من السبسي الذي اعتبر الانتخابات مستحيلة هذه السنة ودعا إلى إشراف دولي عليها. في ما يخص توزيع السلطات كان عدنان منصر الناطق باسم الرئاسة واضحا فاضحا حين اعتبر صلوحيات الرئيس في مشروع الدستور هي عُشُر الصلاحيات الحالية، رسالته وصلت بسرعة فكانت إجابة الحبيب خضر الذي أوضح أنّ الرئيس الحالي هو مواطن مثل أي مواطن يستطيع فقط تبليغ رأيه عن طريق نواب التأسيسي!. أمّا عن اجراء الانتخابات من عدمه أصلا، فكانت اللغة المباشرة عند «الجبهة الشعبية»، إذ أنّ رئيس هيئة الدفاع عن شكري بلعيد الأستاذ نزار السنوسي تخلى بوضوح في اجتماع ل «الجبهة» عن رداء المحاماة ليقول بصريح العبارة أنْ لا انتخابات قبل معرفة مخططي ومقرري ومنفذي اغتيال بلعيد ومعيدا باسم «الجبهة» وحزب «الوطد» الموحّد كلام الشهيد: سنلاحقهم ونحاسبهم ونحاكمهم!. الأطراف الرئيسية في المشهد بدأت في توضيح لغتها ومواقفها بعيدا عن الازدواجية في الخطاب وبالرغم من أنّ هذا المعطى سيزيد في الاحتقان الموجود، فإنه تدريجيا سيساهم في فهم حقيقة ما يجري في البلاد سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وأمنيا ومن ثمّ قد يؤدّي إلى توافقات اللحظات الأخيرة.