بقلم: مصطفى قوبعة عاد السيد الهاشمي الحامدي فجأة الى دائرة الأضواء ليجند نفسه في توجيه التهم الى بعض الفرقاء السياسيين وفي الإساءة اليهم الى درجة وصفهم ب «دعاة الانقلاب». لم يتوفق السيد الهاشمي الحامدي في اختيار المصطلحات المناسبة وخاصة مصطلح «الانقلاب» لأنه انقلابي بامتياز انقلب بداية على حركته التي نشأ فيها، وجيله في حركة «النهضة» أدرى بالأسباب الحقيقية لانقلابه التي تتجاوز مبررات التباين حول المشروع وحول منهج الممارسة السياسية. ثم يحث السيد الحامدي عن صفقات ما مع قصر قرطاج فجند أدواته الاعلامية لتلميع صورة ليلى بن علي وللتسويق قدر الامكان لصخر الماطري حامي حمى الاسلام وللتخفيف من عبء الضغط المحلي والدولي المسلط على نظام الرئيس الأسبق بن علي، فانفتحت أمامه أبواب التواصل مع قصر قرطاج كما مع أعلى قيادات التجمع الدستوري الديمقراطي المحلّ، حتى أن قناة المستقلة كانت آخر وسيلة اعلامية توجّه من خلالها محمد الغرياني آخر أمين عام للتجمع برسالة الى الشعب لانقاذ ما يمكن انقاذه في اللحظات الأخيرة من عمر النظام. بعد «الثورة» ينقلب الهاشمي الحامدي على هؤلاء جميعا ليلتحق بركب «الثورة» حاملا دون حياء بعض خطابها وبعض شعاراتها، والغريب في الأمر أنه ظل معتكفا في منفاه في لندن، والى حد اللحظة تبقى أسباب عدم عودته الى أرض الوطن غير معلومة بالضبط، والحال أن القاعدة تقضي بأن رجل السياسة النزيه والنظيف لا يخشى المساءلة أو المحاسبة مهما كان مصدرها، ومهما كان موضوعها. يدخل الهاشمي الحامدي الانقلابي الحملة الانتخابية بخطاب شعبوي لم يوصله الى الحكم من حسن الحظ والا لكانت أوضاع البلاد أسوأ مما هي عليه اليوم، ويدخلها محاطا بمجموعة من المترشحين للمجلس الوطني التأسيسي الانقلابيين على شاكلته، فسرعان ما انقلبوا عليه، فتفتتت ثالث أكبر كتلة برلمانية بمثل السهولة والانتهازية السياسية التي تأسست عليها قائمات «العريضة الشعبية». يتناسى الهاشمي الحامدي خطاياه الأخلاقية والسياسية المتكررة ليتحامل على غيره وهو أبعد ما يكون عن القدوة الحسنة وعن المثال الطيب الذي يمكن للغير أن يقتدي به، فمن كان بيته من زجاج....! ليس مطلوبا من السيد الهاشمي الحامدي أن ينحاز بصفة مجانية الى هذا الطرف أو ذاك بل مطلوب منه على الأقل وضوح الرؤية والثبات على المبدإ والموقف، وهو الذي لم يكن في ماضيه السياسي واضح الرؤية وثابت المبدإ والموقف. ما أشبه خطاب ومواقف الهاشمي الحامدي اليوم (وغيره من خارج حركة النهضة) بخطاب وبمواقف الأمناء العامين للاتحاد الديمقراطي الوحدوي، وللحزب الاجتماعي التحرري ولحركة الديمقراطيين الاشتراكيين ولحزب تونس الخضراء بالخصوص في الأسابيع الأخيرة من حكم المخلوع. لهذا السبب، أنت انتهازي يا سي الهاشمي الحامدي وما أضعف المثقف ورجل السياسة عندما يكون ملكيا أكثر من الملك. كن واثقا يا سي الهاشمي الحامدي أن حركة النهضة تراهن على غيرك أكثر مما تراهن عليك للخروج من عنق الزجاجة، ومهما غازلتها فإنها لا ترتاح لك ولا تطمئن اليك سياسيا لأنك انتهازي والانتهازي هو في النهاية انقلابي! فالصورة التي رسمتها لنفسك داخل المجلس الوطني التأسيسي هي صورة كتلتك التي باعت ضميرها لهذا ولذاك وكانت أول من فتحت الباب لظاهرة السياحة السياسية داخل المجلس الوطني التأسيسي أسوة بالسياحة السياسية لزعيمها في عاصمة الضباب لندن، فمن سيثق فيك مستقبلا من السلطة أو من المعارضة أو من الرأي العام؟ وقد لا تغفر لك حركة النهضة تسريبك لرسالة منسوبة الى الشيخ راشد الغنوشي موجهة الى المخلوع. وعوض التجني على الغير عن قصد أو عن غير قصد كان جديرا بك يا سي الهاشمي الحامدي أن تسخر ثقلك السياسي وثقافتك السياسية لمعالجة ما هو أهم، وللتصدي لكبرى المخاطر التي تهدد البلاد، للحديث عن ظاهرة الارهاب واستهدافها للمؤسستين العسكرية والأمنية كآخر صمام أمان لهذا الوطن، وعن ظاهرة الاغتيالات السياسية وعن ملابساتها في هذا الظرف بالذات وعن حال مساجدنا وجوامعنا وأيمتنا وخطب التكفير والتهديد والوعيد الغريبة عن ثقافتنا وعن تقاليدنا، فهذا أفضل لك ولغيرك.