شخصيّة متقلبة تتميز بقوة التخيل قبل يوم واحد من بداية الاعلان عن نتائج انتخابات المجلس التاسيسي لم يكن الهاشمي الحامدي يعني الكثير بالنسبة لجل التونسيين لكن اسهمه بدات في الصعود على الساحة مع الاعلان عن الفوز المفاجئ لقائماته «العريضة المستقلة». ومع توضّح الرؤية بشأن تفوق قائماته في أغلب الدوائر الانتخابية على عديد الأحزاب المعروفة ازدادت نقاط الاستفهام بشأنه في مختلف الاوساط... إذ أصبح محل حديث الناس اكثر بعد قرار الهيئة العليا للانتخابات باسقاط 6 قائمات من «عريضته» وهو ما جعل ردود افعاله تتناقض في ظرف يومين .اذ بعد اعلانه عن الانسحاب من المجلس التأسيسي عاد ليطلب من بعض الاطراف التدخل لتقريب وجهات النظر بينه وبين النهضة التي رفضت التحالف معه وهو ما دفعه الى الهجوم على الأمين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي على خلفية ترشحه لمنصب رئيس الوزراء في الحكومة الجديدة. وقد أصبح الهاشمي الحامدي محل جدل كبيرفي الايام الاخيرة حيث رشقته سهام النقد على خلفية تحميله جانبا من المسؤولية في الاحداث الاخيرة التي شهدتها مدينة سيدي بوزيد وادت الى حرق عديد المؤسسات العمومية وهو ما لم يحصل خلال ايام الثورة التي انطلقت شرارتها الاولى من هناك ليكون بذلك مادة ساخنة لوسائل الاعلام. واختلفت المواقف حيال هذه الشخصية التي شدت فجأة اهتمام التونسيين لوجود اكثر من خيط ربطه بأول انتخابات ديمقراطية لتسجل قناته «المستقلة» طوال الايام الاخيرة نسبة مشاهدة قياسية. وفي ثنايا تطورات الاحداث كانت «فيديوهات» تدخلاته الطريفة احيانا الاكثر تداولا عبر شبكة الفايس بوك بعد ان طرحت عديد الاستفهامات حول اسلوب خطابه الاعلامي الذي شد نسبة هامة من الناس.
خطاب بعيد عن «السذاجة»
ولا أحد يمكنه أن يتجاهل أهمية العملية الاتصالية في اللعبة السياسية التي من المفروض ان تخلق علاقة تقارب بين الباث والمتلقي. ولتوصل الباث لتبليغ رسالته الى المتلقي لابد ان يكون الخطاب متماشيا مع المرجعية الذهنية اضافة الى المستوى الثقافي والاجتماعي للمتلقي .وعلى عكس ما يعتقده البعض ومازال يروجه البعض الاخر على صفحات الفايس بوك والمواقع الالكترونية فقد عرف الهاشمي الحامدي كيف يدرس جيدا كل هذه المعطيات وفقا لما اكده الباحث في الاعلام والاتصال وعضو المجلس الوطني المستقل للاعلام والاتصال السيد عبد القادر بن جديرة الذي اضاف ان الحامدي لعب على انتظارات المواطن من خلال « discour manipulateur » حيث تضمن خطابه تلاعبا بالمتلقي ووعودا وهمية غير واقعية. وردا على اتهام البعض الهاشمي الحامدي بالسذاجة لنوعية الخطاب الذي استخدمه عبر قناته «المستقلة» لاستمالة الناخب التونسي قبل الحملة الانتخابية وبعدها قال الباحث جديرة « للاسف من يتهمونه بالسذاجة ظهروا أسذج منه باعتبار انه كان على دراية ان الثورة اندلعت شرارتها الاولى من اجل المساواة بين الجهات وقد كان ذكيا في اللعب على هذه الورقة الهامة .كما انه ركز خطابه الدعائي على التشغيل والكرامة وهو يعلم جيدا ان الشعارات الاولى للثورة التونسية كانت من اجل الكرامة والخبز وليست من أجل الحريات .ومشكلة المواطن التونسي انه كان لديه خلط عن اولويات المجلس التأسيسي التي تنصب اساسا في صياغة الدستور وبذلك يكون الحامدي قد لعب على الوتر الحساس».
نجح حيث فشل الآخرون
وشدد الباحث بن جديرة على دهاء وخبث الحامدي في التعاطي مع الانتخابات اعلاميا حيث عمد الى تبسيط الخطاب لعامة التونسيين حتى يتماشى مع شريحة هامة خاصة ان نسبة الامية في تونس مازالت تقدر ب 20 بالمائة .واستطرد قائلا «من المهم في العملية الاتصالية ان ندرس بدقة انتظارات المتلقي والا فان العملية لا تتم الى حد ان كل طرف يصبح في واد. وقد نجح الحامدي بامتياز في هذا الجانب وفقا لاستراتيجيا مدروسة باعتبار ان العملية الاتصالية تستدعي تحديد الاهداف والاليات تكون حسب الهدف. والهدف الثاني هو الجمهور المستهدف. وخطأ كل الاحزاب انها اهملت هذا الجانب وفشلت في الاتصال ولم تكن لديها القدرة على التواصل بل ان بعض الاحزاب سقطت في خلط والحال ان هنالك فرقا بين الاتصال عموما والاتصال السياسي الذي يتميز بخصوصياته ونوعية خطاب مختلف وطرق وآليات معتمدة. وعن كيفية إقناعه للناخب التونسي ليصوت لقائمته في اغلب الدوائر الانتخابية قال بن جديرة ان الحامدي قام بتطويع الخطاب حسب الجمهور المستهدف .وفي الاتصال ينبني الخطاب على مستويين وهو الجانب اللفظي والخطاب بمعنى الرسالة اما الجانب الاهم فهو غير اللفضي ونعني به الحركات والايماءات ونبرة الصوت والجلسة والمظهر .وهنالك مؤثرات في نبرة الصوت مثل البكاء واللعب على الجانب العاطفي وعندما يكون هنالك تناغم بين هذه الجزئيات يمر الخطاب الى المتلقي بامتياز وهو ما نجح الهاشمي الحامدي في تحقيقه والدليل ان المتلقي تجاوب مع خطابه وتاكد ذلك في التصويت لقائمتها بشكل فاق التوقعات.
مزاج متقلب
وامام الضجة التي خلقها الهاشمي الحامدي على جميع المستويات سياسيا وأمنيا واجتماعيا كثرت التساؤلات بشان تركيبته النفسية وخاصيات شخصيته. ولمزيد تسليط الضوء على هذه الجوانب اوضحت المختصة النفسية عزة صمود ان الحامدي يتميز بشخصية ذي مزاج متقلب حيث قد ينقلب من النقيض الى النقيض في ظرف وجيز بشكل لا يمكن الحكم على كلامه أو ردود افعاله أي انه يمكن ان تنتظر منه مفاجآت غير منتظرة مهما كانت الوضعيات. كما اضافت ان الحامدي من الاشخاص الذين يتميزون بقوة التخيل الى درجة انهم قد يكذبون كذبة ويصدقونها ووقتها يحاولون اقناع الناس بوجهة نظرهم لذلك تراهم يدافعون على مواقفهم بشراسة مهما كانت بعيدة عن الواقع. واستطردت «من المفارقات العجيبة ان الحامدي تخيل رئاسته للجمهورية واراد ان يقنع الناس على هذا الاساس وهو مصاب بجنون العظمة واشبهه هنا بمعمر القذافي وهو ماذهب اليه الكثيرون .كما يمكن التأكيد هنا ان تشابه خطاب الاحزاب جعله يختار اسلوبا مغايرا في الحوار يتطرق من خلاله الى امور بعيدة عن الواقع ولا يهمه ان كانت صعبة التحقيق وهو ما يعطيه ثقة اكثر في التخاطب واقناع المتلقي.» وشددت الدكتورة المصمودي على ان حرص الهاشمي على التحدث باللهجة البوزيدية كان له وقع خاص على متساكني الجهة وربوع مناطق الجنوب عموما مما جعله اكثر قربا من الناس الذين تفاعلوا معه. محمد صالح الربعاوي
الهاشمي الحامدي في سطور
محمد بن يوسف بن علي الحامدي يعرف أيضًا باسم محمد الهاشمي بن يوسف بن علي الحامدي الاسم الحقيقي لمحمد الهاشمي الحامدي غير معروف وهناك خلاف إذا كانت عبارة الهاشمي حقيقية أم أضافها هو. هو كاتب واعلامي تونسي من مواليد سيدي بوزيد. كما كان أحد أعضاء حركة النهضة الإسلامية التونسية قبل أن يخرج منها بسبب خلافه مع زعيمها راشد الغنوشي ويتحول إلى سياسي مستقل. مقيم بالعاصمة البريطانية لندن. الحامدي هو مالك قناة المستقلة الفضائية التي انطلقت عام 1999 وقناة الديمقراطية التي انطلقت عام 2005. وقبيل إطلاقه لقناتي المستقلة والديقراطية، عمل في صحيفة الرأي، وصحيفة المغرب العربي، كما عمل سابقا في صحيفة الشرق الأوسط كمحرر لصفحة الدين والتراث اليومية. بعدها أسس صحيفة المستقلة ومجلة الديبلوماسي وألف محمد الهاشمي الحامدي عدة كتب منها كتاب السيرة النبوية للقرية العالمية، وكتاب مودة أهل البيت عند أهل السنة بالتعاون مع الشيخ عائض القرني. الحامدي متزوج من زبيدة بنت عمار قمادي وهي جزائرية وابنه سامي الحامدي يعمل أحيانًا كمذيع في قناته.