التونسية (تونس) ماازال تصنيف «أنصار الشريعة» كتنظيم إرهابي يثير جدلا حول خافاياه وأهدافه وتبعاته من حيث تأثيره على حقوق المتهم وعلى مفهوم العدل والإنصاف والمبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة ... «التونسية» خاضت في غمار هذا الموضوع ومواضيع اخرى مع الباحث و المحامي لدى التعقيب و حسن الغضباني اثر إعلانه على اعتراضه على محتوى قرارات الوزير الأول ووزير الداخلية. أي اعتبارات تقف وراء رفضك تصنيف «أنصار الشريعة» ضمن التنظيمات الإرهابية ؟ موقفي بخصوص تصنيف «أنصار الشريعة» كجماعة ارهابية هو موقف ينطلق من مبدإ أساسي هو ذاتية شخصية الفعل الذي يرتكبه الإنسان فلا يمكن توسيع نسبة الفعل الخاص إلى المجموعة التي ينتمي إليها ذلك الفاعل وبالتالي فانه لا يمكن سحب آثار وتبعات جريمة فرد أو بعض أفراد على الفئة التي أعلنوا انتماءهم إليها سواء كانت منظمة مدنية أو حزب سياسي إذ لا يعقل مثلا انه اذا تواطأ بعض الأفراد من حزب حركة «النهضة» على ارتكاب جريمة ارهابية أن توصف حركتهم بكونها ارهابية وان يوصم كل منتم إلى حركة «النهضة» بالصفة نفسها أي بالإرهابي وكذلك الأمر لو ارتكبت مجموعة من أفراد حزب «نداء تونس »ودبرت لجريمة قتل فهل من المعقول اعتبار حزب «نداء تونس» حزبا إرهابيا؟ وبمثل ذلك يقع القياس على كل منظمة مدنية وحزب سياسي لأن الجهة الوحيدة المخول لها أن تصف فعلا بكونه إرهابيا وبأن تصف انسانا بتلك الصفة هي جهة القضاء لا غير وهذا لا يكون إلا بعد أن يصبح الحكم باتا غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن. أما ما جرى في الأيام الأخيرة في تونس من خلال قرار رئيس الحكومة اعتبار «أنصار الشريعة» جماعة إرهابية وبمساندة مما جاء على لسان وزير الداخلية فانه الظلم بعينه لان هذا الفعل يحرم الموصومين بكونهم ارهابيين من أعظم حق من حقوق الإنسان وهو التمتع بقرينة البراءة دائما إلى أن يثبت عكسها . أما ماجاء به رئيس الحكومة ووزير الداخلية فانه قلب للموازين والقيم وضياع للحق الإنساني وأصبح تبعا لذلك كل منتم إلى «أنصار الشريعة» متهما ابتداء إلى أن تثبت براءته وهذا اعتداء على قيم العدل وفيه انتصار لقيم التمييز بين الناس وقيم الظلم وليس في هذا دفاع عن «أنصار الشريعة» بل هو دفاع عن قيم العدل التي من حقهم أن يتمتعوا بها قبل وعند محاكمتهم اذا ما توفرت في جانبهم أركان التهم التي يمكن أن تنسب إليهم . ما هي تبعات هذا التصنيف حسب رأيكم ؟ ما غفل عنه رئيس الحكومة ووزير الداخلية عندما خاض كل منهما في تصنيف «أنصار الشريعة» واعتبارهم جماعة ارهابية سيكون مدعاة في المستقبل لتوجيه التهمة إليهم كلما وقعت جريمة ارهابية وإبعاد التهمة عن غيرهم أي أن ذلك التصنيف وسع في حماية فئات اخرى وجماعات اخرى من الاتهام بل وفيه إعانة للفئات الأخرى على إمكانية الإقدام على ارتكاب جرائم ارهابية ماداموا مطمئنين إلى كون الأعين ستغض عنهم النظر وتلتفت إلى اتهام «أنصار الشريعة» ومادام رئيس الحكومة ووزير الداخلية قد شرعا بذلك التصنيف إلى مثل هذا التصرف وفي هذا هدم لقيم العدل وإعلاء لصرح قيم الظلم وبهذا تقع تونس في نفس ما وقعت فيه الولاياتالمتحدةالامريكية بعد احداث سبتمبر 2001عندما أخذت في توجيه تهمة اقتراف الجرائم الإرهابية كلما حصلت دون تمييز ودون ترو ودون تثبت إلى جماعة «القاعدة» واسامة بن لادن وقد حصلت احداث كثيرة طيلة ال13سنة الماضية وتعلقت بجرائم خطيرة ذهب ضحيتها المئات من الأفراد وارتكبت في بقاع كثيرة من العالم واتهم في البداية اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة بارتكابها ثم تبين بعد البحث والاستقراء أن فئات اخرى وجماعات اخرى هي التي ارتكبت تلك الجرائم وللاسف أن الساسة الجدد في تونس يقعون في نفس الخطا الذي وقع فيه الساسة الامريكان وأوقعهم ذلك في الكثير من الظلم ,وسجن غوانتانامو مازال شاهدا على ذلك والخوف كل الخوف أن يصبح لدينا في تونس سجن غوانتنامو ولو بتسمية اخرى. كرجل قانون ما هي أدلتك لدحض أدلة جهاز وزارة الداخلية والتقارير الإعلامية التي تكشف عن تورط هذا التنظيم في الاغتيالات وفي المخططات الإرهابية ؟ إنني كرجل قانون ومحام ازداد حزني وتعمق عندما استمعت إلى الندوة الصحفية التي عقدها وزير الداخلية ورئيس الحكومة. فقد رأيت في ذلك استبدال ادوار ومواقع إذ حلت السلطة السياسية محل السلطة القضائية وتصرف كلاهما أي رئيس الحكومة ووزير الداخلية وكأنهما القاضيان الأكبران في تونس وتكلما بلغة القاضي الذي أصدر حكما باتا في جريمة بعد أن محص النظر وأمعن الفكر فيها وبعد أن ثبت لديهم توفر أركان الجريمة بشكل لا يقبل الرد وفي هذا إساءة لمركز القضاء واعتداء على مقامه بالخوض في ملفات مازال القضاء يتعاطاها في مراحل الاستقراء الاولى ولم يصدر بشأنها قرار بات يسمح للمطلع عليه بالحكم على الجريمة ومن ارتكبها. هذا دون الخوض في عدم صدقية الكثير من المعطيات التي وقع التصريح بها والاعلان عنها في كل من الندوتين الصحفيتين لوزير الحكومة. والشيء الذي عمق حزني حقيقة هو الصمت التام للسيد وزير العدل وكذلك للجانب الاكبر من القضاة أي كانهم رضوا بهذا الاستبدال الذي قامت به السلطة السياسية لتحل محلهم في الحكم على ما ليس من اختصاصها أصلا وإجراء. ومن هنا فإن المرجو من السادة القضاة أن يتحركوا جماعة ليتولوا دورهم المنوط بعهدتهم بتفويض من الشعب التونسي لينشئوا دولة العدل ويحولوا دون قيام دولة الظلم وهذا يتطلب منهم بالإضافة إلى الكفاءة إقرار حقيقتين أساسيتين: الحقيقة الاولى هي الشجاعة الفكرية والأدبية والأخلاقية إذ بدونها لا يمكن للقاضي أن يكون حرا مستقلا ,أما الحقيقة الثانية وهي الأهم فهي مخافة الله والاستشعار الدائم لرقابته عليهم في سرهم ونجواهم والأخطر من ذلك كله ألاّ ينسوا انهم مدعوون للقائه يوم القيامة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول «من مات قامت قيامته »وانا أقول كلامي هذا من منطلق حبي للسادة القضاة ومن منطلق رغبتي أن يكون لهم دور فاعل في تونس الجديدة لبناء قيم الحق والعدل. الا تعتبر الدفاع عن «أنصار الشريعة» تضحية بأمن وأمان الوطن خاصة مع توارد أنباء أنهم جزء من تنظيم القاعدة بالمغرب العربي ؟ انا لا أدافع عن« أنصار الشريعة» ولا عن أية منظمة أو تنظيم أو حزب يرتكب جرائم ارهابية خاصة في مجال الاغتيال السياسي بل انا الوحيد الذي طالبت أدعياء وخصوم عقوبة الإعدام إلى أن يصمتوا الان في تونس لان جريمة قتل الشهيد شكري بلعيد والشهيد محمد إبراهمي وجريمة قتل الجنود بالشعانبي والتمثيل بهم وذبحهم لا تسمح لهؤلاء الادعياء أن يرفعوا أصواتهم المناهضة للإعدام وانا الوحيد الذي رفعت صوتي بتسليط عقوبة الإعدام وتنفيذها كما طالبت في برنامج «التاسعة مساء »بضرورة تنفيذ حكم الإعدام على مغتصب الطفلة الصغيرة وقد هاجمني أصحاب العواطف الممزقة بالردود العنيفة ولكني مازالت مصرا على أن الأحكام في مثل هذه الجرائم سواء نسبت إلى فئات أومنظمات أو احزاب يجب ألاّ تقلّ عن الإعدام وتنفيذها مباشرة بعد أن تصبح الجريمة ثابتة وبعد أن يصبح الحكم باتا وغير قابل لاي وجه من أوجه الطعن لكني مع ذلك لست مع الاتهام المباشر بسبب تصنيف جماعة بكونها ارهابية بل انا مع المحاكمة العادلة التي تضمن كل حقوق المتهم بضمان قضاة نزهاء ومستقلين لا يخافون الا الله وبتوفر أكبر المحامين في تونس للدفاع عن هؤلاء لان ذلك يزين العدالة ولا يشينها . الم يدفعك الكشف عن مخطط لإنشاء امارة اسلامية بعد انقلاب على السلطة وشل حركة كل العاصمة عن التراجع عن قرارك في الدفاع عن هذا التنظيم ؟ علمتني مهنة المحاماة والايام الاّ أطلق التهم جزافا وعندما أتعاطى مع ملف لا أتعاطى معه بفكرة العداء لصاحب القضية بل أتعامل معه بروح البحث والتمييز بين الحق والباطل في ذلك الملف وبالتالي فأنا كمحام يحترم نفسه وبعد ما اطلق اعلاميا من تهم ضد «أنصار الشريعة» حول جرائم يتوقع ارتكابها ضد البلاد والعباد لست ممن يصدق الاّ اوراق الملف بعد فحصها وتمحيصها وبالتالي فان اطلاق التهم ضد «أنصار الشريعة» أو غيرهم لا يخيفني ولا يثنيني عن الدفاع عنهم وهذا ليس فيه مساس بقيم العدل وما دام الله سبحانه وتعالى سيسمح لنا يوم القيامة وهو العليم بما في صدورنا بتقديم أوجه دفاعنا عن أنفسنا وكان بإمكانه سبحانه وتعالى بحكم علمه ألاّ يعقد لنا محكمة الآخرة ولكنه جل جلاله وإعلاء منه لقيم الحق والعدل استدعانا جميعا للحضور بمحكمته في ساحة القيامة وسوف لن يمنعنا من الدفاع عن أنفسنا بكل الأوجه المتاحة ويكفي ما جاء في صورة النحل الاية 111تصديقا إذ يقول سبحانه وتعالى «يوم تاتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفي كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ». ذكرت أن حركة «النهضة» في يوم ما كانت تصنّف ضمن التنظيمات الإرهابية. ماذا أردت أن تقول لرئيس الحكومة الذي كنت في يوم ما لسان دفاعه؟ أردت أن أقول لرئيس الحكومة : « لو كان موقفك سليما عندما تصنف «أنصار الشريعة» بكونه تنظيما إرهابيا لجاز تصنيفك بكونك إرهابيا يوم حوكمت من طرف المحكمة العسكرية سنة 1992بتهمة ارهابية كان الغرض منها قلب نظام الحكم وقد كنت محاميك وسالت دموعي وانا أرافع عنك أنت والحبيب اللوز ,الصادق شورو وحمادي الجبالي وغيركم من قادة البلاد اليوم . ماذا ضاع من الاسلاميين وهم اليوم في السلطة خاصة وانك كنت قريبا منهم سنوات الجمر ؟ غاب عنهم الإسلام الذي اعرفه وبقي لهم الاسلام السياسي الذي لا اعرفه . اعتبرت في تصريحات سابقة أن القضاء التونسي محكوم بالأحدوثة والشارع فهل تراه مؤهلا اليوم ليحكم في القضايا المتعلقة بالارهاب ؟ القضاء غير مؤهل لاقامة العدل ولكن إذا ما توفر فيه ما سبق ان ذكرته بامكانه ان يقوم بدور ايجابي في اقامة دولة الحق والعدل . دافعت أيضا عن «القلال» و«القنزوعي» واعتبرتهما ضحايا... هل تعتبرهما اليوم سجينين سياسيين ؟ اعتبرهما سجينين سياسيين واعتبر انه من الظلم أن تقع اليوم محاكمات وايقافات والحال اننا ننتظر سن قانون العدالة الانتقالية إذ ليس من المعقول التمييز بين التونسيين فنحاكم فئة في محاكمات عادية طبق احكام المجلة الجزائية ومجلة الاجراءات الجزائية ويتمتع آخرون برحمة ووسع مفهوم العدالة الانتقالية بعد ما يقع سنها والشأن يقتضي الآن ايقاف كل المحاكمات القائمة واطلاق سراح جميع المسجونين في انتظار سن قانون العدالة الانتقالية وتفعيلها... عندها يصبح التونسيون متساوين أمام القانون عندها تقع المصارحة والمحاسبة .........أما وقد تعطل إلى اليوم سن قانون العدالة الانتقالية فانه من الظلم قيام المحاكمات الأخرى واستمرارها والدعوى ملحة إلى ايقافها واني اريد أن اهمس في أذان الذين يلومونني أو يتعجبون من دفاعي عن الوزراء والامنيين والعسكريين في العهد السابق وأقول لهم أن المحاماة شفاعة وانا يشرفني أن اكون شفيعا وفي هذا غاية الرفعة والكرامة التي يمكن لنفس بشرية أن تبلغها وأذكّر اللائمين والمتعجبين من دفاعي بما قاله الله تعالى في سورة النور «الا تحبون أن يغفر الله لكم» وانا احب أن يغفر الله لي فيا لائمي ألا تحبون أن يغفر الله لكم ...؟ تقييمك للوضع الحالي بتونس وهل من أمل لتجاوز الازمة ؟ المشهد السياسي اليوم لا يبشر بخير وحتى التنازلات الواقعة من طرف حركة «النهضة» لا يمكن إخضاعها لقانون الفيزياء إذ لا يمكن أن نطبق عليها كل وسائل التحليل البشري لفهم منطلقاتها ووسائلها. حال تونس اتصوره اليوم كحال من يرفض التقدم العلمي في الطب ويبحث عن التداوي بالاعشاب ذلك أن ازدواج السلطة على المستوى التنفيذي يجعل تونس خارج إمكانية أن تكون دولة قانون ومؤسسات ذلك أن السلطة الحقيقية ليست بيد الحكومة حسب القانون المنظم للسلط بل هي خارج ذلك والسلطة التنفيذية باكملها بوزارئها جميعها هي «كالمراد أمام شيخ الطريقة »