التونسية (تونس) حذّر أوّل أمس «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» حركة «النهضة» من تبعات تصنيف «أنصار الشريعة» ضمن التيارات الإرهابية حيث نفى هذا التنظيم علاقته بما يدور في الشعانبي وبين انه متمسك بتوجيهات أيمن الظواهري بعدم استهداف حكومات ما بعد الثورة. وبعد أن حذر «النهضة» ونصحها واكد عدم استهدافه للجيش وقوات الأمن احتفظ تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي بحق الدفاع عن نفسه للرد عن أي «ظلم» قد يتعرض له. هو تحذير يتضمن رسالة تهديد جلية تفتح الباب على مصراعيه لفرضية حدوث عمليات انتقامية ردا على ما سموه «ظلما». «التونسية» حاولت قراءة معاني هذا التحذير من خلال محاورة مختصين في دراسة الجماعات الإرهابية والتحليل السياسي رياض الصيداوي وعلية العلاني. رياض الصيداوي: «لا يوجد تنظيم دولي اسمه «القاعدة»» «أولا يجب التنبيه الى انه لا يوجد تنظيم دولي اسمه «القاعدة» كما قال مدير المخابرات الخارجية الفرنسية السابق. ف«القاعدة» كتنظيم هيكلي انتهى والآن هناك إرهاب محلي يستخدم اسم «القاعدة» . «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» هو تنظيم جزائري كان اسمه «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» وهي منشقة عن الجماعات الإسلامية «ج.أ». وفي آخر مراحلها وبعد تصالح الدولة الجزائرية مع الجماعات المسلحة في إطار المصالحة الوطنية رفضت هذه الجماعة الدخول في المصالحة وواصلت محاربة الدولة. بعد 11 سبتمبر 2011 استفادت هذه الجماعة من الهالة الإعلامية للقاعدة وغيرت إسمها من «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» إلى «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي». و بالتالي فإنّ أكثر من 90 بالمائة من أعضاء هذا التنظيم يأتون من الجزائر واستقطب بعض التونسيين والليبيين والموريتانيين والماليين وعمل في التجارة والتهريب.لكنّه يبقى تنظيما إرهابيا بحتا يستفيد من يافطة «القاعدة» للجعجعة الإعلامية . وهو تنظيم يبحث عن المناطق الوعرة من ناحية التضاريس ليستقر. وبعد أن انتصرت الجزائر في المدن والجبال هرب إلى الصحراء وانتعش بسقوط النظام في ليبيا ومن الأزمة السياسية في تونس والسلاح الذي دخل إليها وإرسال شبابها إلى سوريا واستطاع تكوين بؤرة في الشعانبي لكنها في طريقها إلى الإضمحلال. في كل الحالات فإنّ التونسيين المنتمين إلى هذا التيار أو بعض الجزائريين سيقومون بعملياتهم تحت هذه اليافطة. وأعاود القول هذا إرهاب محلي يبحث دائما عن الفتوى أو التبرير لأعماله الإجرامية». علية العلاني: «لماذا لم تصدر «النهضة» بيانا إلى حد الآن؟» «البيان يتحمل العديد من القراءات أولها أن فيه لغة تغلب عليها المهادنة أكثر من التهديد وثانيها أنه جاء متأخرا بعض الشيء وذلك بعد الندوة الصحفية لوزير الداخلية. هذا ويتبرأ أصحاب البيان من أحداث الشعانبي وتبعاته فإلى أي حد يمكن أن نصدق ما ورد في البيان وهل يخفي استراتيجية معينة وهل ان خطر الإرهاب سيزول مع منع تنظيم «أنصار الشريعة»؟ لا شك أن التأخير في إصدار البيان له مغزاه لأنّ رموز «أنصار الشريعة» يريدون معرفة رد فعل الطبقة السياسية والرأي العام على قرار تصنيفهم كتنظيم إرهابي. واستنتجوا ان حركة «النهضة» لحد الآن لم تنشر بيانا يؤيد التصنيف الحكومي الجديد. و هو ما جعل «أنصار الشريعة» يلعب على صراع الأجنحة داخل حركة «النهضة» وإلى حد الآن هناك 3 قياديين داخل الحركة يرفضون تصنيف «أنصار الشريعة» كتنظيم إرهابي وهم العجمي الوريمي والحبيب اللوز والصادق شورو. وفي قراءة أخرى, البيان جاء إثر قرار الحكومة إنشاء منطقة عازلة ونحن نعرف أن المنطقة العازلة تعني تشديد الرقابة على تجارة التهريب التي استفاد منها التيار الجهادي مدة طويلة إذ كان التهريب يشمل البضائع والسلاح ومع إقرار هذه المنطقة منطقة عازلة ستسلم الرقابة إلى الجيش وسيحرم تجار التهريب من مورد هام وسيحرم الإرهابيون من الجولان بسهولة في المناطق الحدودية ويمكن أن نتذكر ما قاله سابقا السيد رشيد عمار عندما تحدث عن تواجد الإرهابيين في الشعانبي منذ سنة وتحدث أيضا عن كميات هامة من السلاح دخلت البلاد بعد سقوط القذافي بأشهر عديدة. إذن المنطقة العازلة سيكون لها تأثير خاصة على الجانب الحدودي مع ليبيا الذي ما يزال يشهد هشاشة أمنية داخلية . أما الجزائر فقد أقامت هذه المنطقة العازلة منذ 3 أشهر وتمكن الجزائريون طيلة هذه الفترة من ضبط أكثر من 120 مخزنا للبضائع المهربة وبالتالي فإن هذه المنطقة العازلة سيكون لها تداعيات إيجابية وسلبية . التداعيات الإيجابية تتمثل في التحكم في نزيف البضائع المهربة والتي تشمل مواد مدعومة وكذلك أسلحة وبضائع ممنوعة.و سيخضع كل المارين في المنطقة العازلة التي ستمتد على كامل الشريط الحدودي بين تونسوالجزائر وليبيا ,إلى مراقبة بضائعهم ومصدرها. وذلك لمقاومة التهريب الذي اضر بعدة مصانع تم إغلاقها مؤخرا في تونس وتسبب أيضا في تسريب كميات لا بأس بها من السلاح. الجانب الإيجابي الآخر هو أن الرقابة سيقوم بها الجيش وبشكل أوتوماتيكي لا انتقائي سواء كان للأفراد أو للسيارات والشاحنات وبالتالي فإن هذا الإجراء سيعيد الإنتعاشة للإقتصاد المنظم وسيسمح للصناعيين والتجار بممارسة أنشطتهم بعيدا عن المنافسة غير الشريفة. أما التداعيات السلبية فأبرزها أن الشبكة التي كانت تعيش من التهريب في المناطق الحدودية وتضمّ بارونات التهريب وعددا هاما من السكان ستخلق أزمة وتوترا جديدين نظرا الى أن اقتصاد المناطق الحدودية يقوم في أكثر من 70 بالمائة منه على شبكات التهريب وبالتالي يصبح المطلوب من الحكومة تركيز تنمية اقتصادية قارة هناك بشكل مستعجل وذلك لامتصاص البطالة وإيجاد مبرر لمقاومة الإرهاب. الدولة لن تتراجع عن إقامة المنطقة العازلة نظرا لارتباطها بمقاومة تهريب الأسلحة وتسرب الإرهابيين إلى البلاد سيما أن الجزائر سبقتنا إلى إقامتها. وسيبقى هذا الإجراء لمدة سنوات نظرا لتشابك قضية التهريب بقضية الإرهاب. هذا ما يدفعنا إلى ضرورة مطالبة الحكومة بتحسين الوضع الإقتصادي والإجتماعي بالمناطق الحدودية وقد كانت لي فرصة زيارة جنوبالجزائر المتاخم لمالي وبالتحديد في منطقة «تامنراست»و وجدت أنها منطقة متطورة كثيرا في الجانب الإقتصادي وحضور الدولة بها قوي الأمر الذي حمى الجزائر خلال حرب مالي الأخيرة. أما في ما يخص دفاع «أنصار الشريعة» عن أنفسهم فأقول انه في صورة الضغط عليهم ومواجهتهم من طرف الحكومة يمكن أن تحصل بعض ردود الفعل الانتقامية لكنها لن تكون بحجم كبير نظرا لتفكك البنية التنظيمية حاليا لهذا التيار الذي ستنحصر جهوده الآن في لم شتات أنصاره علما أن هناك مجموعة هامة من أنصار هذا التيار ستتخلى عن انتمائها بعد تحذير وزارة الداخلية مما سيعيد تيار «أنصار الشريعة» إلى مربعه الأول المتمثل في مئات من الأنصار ويمكن أن يتحولوا إلى عشرات إذا نجحت السلطة في القضاء على جذور الإرهاب. و أعتقد أن منع تيار «أنصار الشريعة» في تونس يشكل بداية لمنع أنصار هذا التيار في البلدان العربية السبع المتواجد بها خاصة أن التقارير الغربية تؤكد وجود صلة متينة بين «أنصار الشريعة» و«جبهة النصرة» في سوريا.بالإضافة إلى هذا تتهم بعض هذه التيارات بأنها تشكل خطرا على المصالح الإقتصادية لبعض الشركات البترولية. تيار «أنصار الشريعة» لا يملك قاعدة اجتماعية قوية في تونس على عكس اليمن وليس له مستقبل في بلادنا وهو مخترق من قبل العديد من الأطراف. هذا التنظيم سيلتجئ إلى بعض العمليات الانتحارية غير المنظمة إذا لم تسرع السلط الرسمية الى احتواء التيارات الدينية المتشددة في إطار مؤتمر وطني لمقاومة الإرهاب ويحدد مضمونه وأساليب التصدي له. هذا ولابدّ من الإشارة إلى أن نصف قواعد «النهضة» قريبة جدا من الفكر السلفي ولذلك امتنعت حركة «النهضة» في مؤتمرها الأخير في جويلية 2012 عن تنقيح لائحتها الإيديولوجية . خلاصة القول أن ما وقع لتنظيم «أنصار الشريعة» هو بداية إنذار لتيّار الإسلام السياسي ليراجع بعمق أطروحاته الإيديولوجية حتى يبقى جزءا في منظومة العملية السياسية وما تشهده مصر من عنف متسع نتيجة رد الفعل الإخواني والتيارات الجهادية في سيناء سيؤدي إلى أزمة هيكلية داخل تيار الإسلام السياسي وليس أمام «النهضة» سوى الإسراع في إدخال تغييرات جوهرية على أرضيتها الإيديولوجية حتى تطمئن الرأي العام .