مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    الرابطة المحترفة الاولى: حكام مباريات الجولة 28.    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري دون تسجيل أضرار بشرية    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    النادي الصفاقسي: 7 غيابات في مباراة الترجي    عاجل/ في بيان رسمي لبنان تحذر حماس..    عاجل/ سوريا: الغارات الاسرائيلية تطال القصر الرئاسي    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    عمدا إلى الإعتداء على شقيقين بآلة حادة ... جريمة شنيعة في أكودة    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية في قصيدة ( رِهانُ قلب )للشاعر الإماراتي خالد الشكيلي ( بوسلطان )
نشر في أوتار يوم 22 - 08 - 2012

أظنني أطلتُ الغيابَ عن هذه الزاوية الغالية جداً على قلبي .. لذلك هي تستحق مني وكل متابعيها كل الاعتذار عن هذا الغياب غير المقصود ..
أعود اليوم أحمل " همسةً " محتلفة ... همستي لهذا الأسبوع محاولة متواضعة من قلمي ليقدم قراءةً نقدية في قصيدة مميزة لشاعر باذخ الحرف ..
سمحت لنفسي أن تكون أولى قراءاتي النقدية في نص من نصوص أستاذي ومدرستي شاعري المتألق الشاعر الإماراتي خالد الشكيلي " بوسلطان "
..... أتركها بين أيديكم .. ولكم قوافل جوري .. مني أنا .. عاشقة الجوري ..
نعم في الحبِ أشكو طولَ ليلي
وألبسُ ثوبَ سُهدي والأماني ...
وتنكرني عيون الليل أمضي
أغذُّ السير يطردني مكاني ...
ولا أدري أكان الحبُ ذنبي
شقيتُ به وأعلنتُ امتناني ...
نعم عثرتْ خيولي في انتظاري
وما والله تدري ما غشاني ...
فهل يرضيكِ أني عشتُ دهراً
أبثُّ الليل ما الله ابتلاني ...
وهل يرضيكِ يا قمري رحيلي
أفتشُ عنكِ يدفعني افتتاني ...
فيا نفسي أقلّي اللوم إني
وجدتُ من الهوى ما لو تراني ...
أتيتُ وكل ظني سوف ألقى
عيونكِ فاعتراني ما اعتراني ...
أيُعقلُ أنْ يكون الحب أعمى
ونبحثُ عنه في كل المعاني ...
يُساقُ كأنما في القيد يمشي
بلا سمعٍ ولا بصرٍ يُعاني ...
عَلِقتُ وما عرفتُ بأنّ روحي
ستطلبها المنون بلا طعان ..
نعم يا همسُ لي في العشقِ سهمٌ
ولكني خسرتُ به رهاني ...
وقلتِ مقالةً ما انفكّ قلبي
يرددها يعُضّ على اللسان ...
بأنّي ما عرفتُ الحبَ يوماً
وأنّ القلب مندفعٌ أناني ...
وأنّي للوفاءِ أضعتُ دربي
ومنصرفٌ إلى الغيد الحِسان ...
تعالي واسألي نجمات ليلي
ونبضي يومَ جئتِ وما دهاني ...
ستخبركِ العيون إذا التقينا
بأنّ حرائقي غشيتْ كياني ...
وأنّ الشوق يسكن كل قلبي
كأني فيه موثوقٌ وعان ...
حنانيكِ الهوى في الصبر يشقى
وجاء مع الزمان بما كفاني ...
وما أدري أتنصفني الليالي
وكيف وفي تقلّبها هواني ...
نعم أبحرتُ في ظُلمات نفسي
وفي عبثِ الهوى وبلا يدان ...
وكنتُ كمتلفٍ في البيد نفساً
تَساقَطُ مثل حبات الجُمان ...
وكنتُ كمن رأى يوما سراباً
وظنّ بأنّه للماء دان ...
ألا هبّي ففي الأحلام عيشي
وفي عينيكِ يا قمر الزمان ..
نعم غربت عن الأحلام شمسي
وفاض الدمع أخرسه بياني ...
ستجري في المدى خيل اشتياقي
مع الأطيار تبحث عن أمان ...
وعن عينيكِ رغم البُعد عني
وحسبي في الهوى بعض الثواني ...
لطالما آمنت باختلاف قلمه وتميز حرفه .. وشرفني أن أطلق عليه لقب ربان الحروف وسلطان القوافي وأنا تلميذته في مدرسة الشعر الكبيرة ...
بالرغم من أنني قدمت قراءاتٍ سابقة متواضعة جداً لبعض نصوصه .. إلا أنني اليوم أقف أمام نص مختلف نوعاً ما ربما من حيث الإحساس والصورة بشكل خاص ...
وكما في كل نصوص خالد بوسلطان نلمح الوحدة العضوية في القصيدة فنتلقاها عملاً فكرياً وشعورياً متكاملاً ، وليست محض أفكار مبعثرة ...
وللشاعر طقوسه المتميزة في انتقاء المفردة ليرسم من خلالها أعذ المعاني وأجملها وأعمقها ..
أسافر بكم اليوم من خلال " همسة الأسبوع " في قراءةٍ نقدية متواضعة لنص يرتدي الألق .. من نصوص الرائع خالد الشكيلي ...
يستهل خالد نصه هنا بإقرار واضح بما يلاقيه قلب العاشق في رحاب الحب من سهد وعناء ... وكأنه العاشق الوحيد على وجه المعمورة فيشكو طول ليله في نبرة استسلام لذيذ ليوحي لنا بسعادةٍ خفية يعانقها وهو يرتدي مواجع الحب وآلامه .... فيقول :
نعم في الحبِ أشكو طولَ ليلي
وألبسُ ثوبَ سُهدي والأماني
وأراه قد وُفِّقَ في اختياره لهذه القافية بالتحديد ( الأماني .. امتناني .. مكاني ) لما تحتويه من أنين داخلي وحزنٍ خفي يسري مع النون والياء المنسابة بشفافية ...
ثم يسكب هنا حدائق من بهاء الصورة وروعة المعنى فيمتع ذائقتنا الشعرية حين يطل علينا بالبيتين الثاني والثالث قائلاً :
وتنكرني عيون الليل أمضي
أغذُّ السير يطردني مكاني ...
ولا أدري أكان الحبُ ذنبي
شقيتُ به وأعلنتُ امتناني ...
" وتنكرني عيون الليل " ... لا أعرف كيف أصف إحساسي أمام هذه الصورة ..
أجدني هنا أمام إحساس غارقٍ في " صدمة استنكارية " يفجر من خلالها الشاعر قصيدته ... فكما عرفت من أغلبية نصوص الشاعر خالد بوسلطان فهو يضع نفسه دوماً في رفقةٍ متلازمة مع الليل وسكونه ورهبته ..
وجدت أن " الليل " في قصيد خالد بوسلطان ليس مجرد مفردة عادية .. بل هي عالم بلا حدود .. يتعايش معه الشاعر بكل ما فيه من متناقضات .. وأظنه قد اتخذ منه ملجأً لحرفه وإحساسه التائه في خضم أوجاع لا تنتهي ...
ومن المواضع التي جاء فيها " خالد الشكيلي " بمفردة " الليل " في قصائد أخرى :
* من قصيدة ( غدر الزمان ) ...
والليلُ والشوقُ القديمُ حكايةٌ
من عشقِنا أتلو بها صلواتي .....
* من قصيدة ( كفكفي الدمع )
قهقه الليل طويلاً في انتظاري
آه من عينيكِ كم فيهنّ أشقى ...
* من قصيدة ( المطر الأسود )
غمرَ الليلُ شعوري وهناك
المطرُ الاسودُ في عينيّ يصحو ....
ألمح في هذا الاستهلال " وتنكرني عيون الليل " استنكاراً يرتدي الصدمة والمفاجأة .. يوجهه الشاعر لرفيقه " الليل " .. صديق همومه وأوجاعه والذي لطالما بثه شكواه .. ليجده اليوم ينبذه ليكون مطروداً مطارداً..
مطروداً من احتواء الليل لآهاته .. مطارداً من عيون الليل بكل ما فيها من قسوة ..
ليطل علينا البيت الثاني بتساؤل منهك يصف فيه الشاعر ما لاقاه ويلاقيه من شقاء في الحب ورغم ذلك يعلن امتنانه ...!!!
ولا أدري أكان الحبُ ذنبي
شقيتُ به وأعلنتُ امتناني ...
ولا أدري إن كان هذا الإعلان من منطلق قوةٍ وتحدٍّ .. أم أنه حالة من الانهيار والاستسلام والسخرية المبطنة من كل ما يلاقيه من وجع في دروب الحب ...
ثم ينتقل بنا الشاعر إلى مناجاةٍ يحاكي بها محبوبته .. ويبدأ خالد مناجاته بأسلوب تقريري يؤكد من خلاله لربما لنفسه وللمحبوبة عظيم ما غشاه في بحثه عنها وكم اعترته الهموم والأحزان في سبيل ذلك
نعم عثرتْ خيولي في انتظاري
وما والله تدري ما غشاني ...
وربما يحاول الشاعر من خلال البيتين التاليين أن ينال أكبر قدر ممكن من تعاطف المحبوبة مع أواجاعه وأحزانه .. فيتساءل بحزن وقلبٍ منكسر :
فهل يرضيكِ أني عشتُ دهراً
أبثُّ الليل ما الله ابتلاني ...
وهل يرضيكِ يا قمري رحيلي
أفتشُ عنكِ يدفعني هواني ...
و نلاحظ هنا استخدامه مجدداً لمفردة الليل .. ولكن مشيراً إلى الليل الصديق الذي يحتوي انكساراته .. ونلك هي الصورة الحقيقية " للليل " في قصيد خالد بوسلطان ..
فيا نفسي أقلّي اللوم إني
وجدتُ من الهوى ما لو تراني ...
أتيتُ وكل ظني سوف ألقى
عيونكِ فاعتراني ما اعتراني ...
وكأن الشاعر قد ضاق ذرعاً بخرافة الحب التي يبحث عنها في ترحاله فيطالب نفسه بالكف عن تحميله ما لا يطيق من اللوم بعد ما كل ما عتراه من الألم بحثاً عن " الحب " ...
وأراه هنا يرسم إحساساً بالخذلان إذ ظن أن الأمان من ظلم الحب سيكون في عيون المحبوبة ... بينما خاب ظنه ...!!!
ونستطيع أن نلمح محاولات الشاعر المستمرة ليبعد عن نفسه أي لوم أو مسؤولية تجاه ما لاقاه من صفعات .. فتارةً يلقي بالعبء على الهوى وأخرى يلقي بها على المحبوبة ... ربما هو الخوف من مواجهة الذات وما قد يتبدى له من تلك المواجهة من جوانب معتمة يجتهد الشاعر في إبقائها بعيدة عن تفكيره ...
يلفتني في الأبيات التالية تصوير الشاعر للحب في أسوأ حالاته ..
ولا أعرف حقيقةً إن كان في هذا التشبيه يحاول أن يصف لنا حاله هو شخصياً وما فعله به الحب ...!!! يقول :
أيُعقلُ أنْ يكون الحب أعمى
ونبحثُ عنه في كل المعاني ...
يُساقُ كأنما في القيد يمشي
بلا سمعٍ ولا بصرٍ يُعاني ...
أرى من خلال الصورة التي رسمها الشاعر للحب في هذا البيت :
يُساقُ كأنما في القيد يمشي
بلا سمعٍ ولا بصرٍ يُعاني
أرى وجهين متناقضين لعملة واحدة هي " الحب " فالمتلقي قد تأخذه الحالة الشعورية حين يقرأ هذا البيت إما إلى صورةٍ قاتمة يائسة يتخبط فيها الحب في القلوب بلا منجِد وبلا أمل..
وإما إلى صورةٍ تعانق كل معاني الوفاء والإخلاص ترسم الحب في أشد حالاته من الاستسلام دون الالتفات لما قد يواجهه من مصاعب وعثرات
ولا يفوتني أن أنوه هنا إلى أن التساؤل (أيُعقلُ أنْ يكون الحب أعمى ) .. قد ورد سابقاً في قصيدة أخرى للشاعر إذ قال فيها :
أُيعقلُ أن يكون الحب أعمى
وفيه الشك يدفعه رجائي ...
هذا التكرار لذات التساؤل يجعلني أقف حائرةً أمامه .... فلا أعرف إن كان التساؤل استنكارياً ناقماً أم هو محض عتاب محبٍّ عاشق يجد بين أحضان الحب راحته وسعادته ... ؟!!!!!!!!!!!
وبالانتقال إلى البيت التالي نحتاج وقفةً متعمقة :
عَلِقتُ وما عرفتُ بأنّ روحي
ستطلبها المنون بلا طعان ...
نجد الشاعر هنا قد استخدم الفعل ( علِقْتُ ) .. وربما من وجهة نظري أرى أن المفردة في حد ذاتها جاءت ثقيلة نوعاً ما وربما منحتني شعوراً بأنها تقف عائقاً أمام انسيابية الجمل الشعرية التي نستشعرها منذ بداية النص ..
وبغض النظر عن شعوري ووجهة نظري نحو المفردة .. لكن الشاعر قد وُفِّقَ في اللجوء لهذه المفردة ( ذات الاستخدام الجاهلي ) .. من حيث المعنى الذي يخدم موضوع النص .. فبالرجوع إلى معنى كلمة ( علِقَ ) نجده كالتالي :
(" عَلِقَ بِحُبِّهَا " : اِرْتَبَطَ بِحُبِّهَا ، تَعَلَّقَ بِهَا . " عَلِقَ حُبُّ الْمَرْأَةِ بِقَلْبِهِ " " إِذَا عَلِقَتْ فِكْرَةٌ بِذِهْنِي كَانَتْ شُغْلِيَ الشَّاغِلَ )
وهو بالتأكيد المعنى الذي يصبو إليه الشاعر بكل ما فيه من عمق الفكرة وتصوير قوة الارتباط والانشغال ...
وحقيقةً لا أستطيع الانتقال من هذا البيت دون الوقوف على هذا الجزء :
( وما عرفتُ بأنّ روحي
ستطلبها المنون بلا طعان ... )
وكأن في تعلقه الشديد بالمحبوبة ميتةٌ بلا موت ...!!!
فهو يموت شوقاً ولهفةً ووجعاً واحتراقاً وانشغالاً وحيرةً ولوعةً ...
ولكن موته المجازي عالقُ يحومُ حول روحه بلا طعناتٍ تفضي به إلى موت حقيقي ... وكأنني أرى للفعل ( علِقْتُ ) امتدادٌ آخر ينقلنا إلى معنىً آخر وشعور آخر تماماً!!!
لذلك وبالرغم من اعتراضي على المفردة ( علقتُ ) كمفردة ثقيلة .. إلا أنني أرى بأن الشاعر قد وُفِّقَ في اختيارها ليتنقل بنا في عوالم شعورية منوعة ضمن بيت شعري واحد ...!!!
في الأبيات القادمة سيدخلنا الشاعر في تجربة شعورية ذاتية يوجه فيها الحديث لمحبوبته واضعاً أمام عينيها مقالةً ظلمته بها حين اتهمته بالأنانية وأنه ما عرف الحب يوماً وأن كل ما يهمه في هذه الحياة هوالسعي خلف الحِسان من النساء بينما يحاول هو بكل ما أوتي من حنكة في القول تارةً ووصف مشاعر ألمه تارةً أخرى.. يحاول تبرئة ساحته من كل تلك الاتهامات التي يراها باطلة فهو العاشق المخلص الوفي ..
يحاور الشاعر محبوبته في موقفها الظالم فيقول :
1. نعم يا همسُ لي في العشقِ سهمٌ
ولكني خسرتُ به رهاني ...
وقلتِ مقالةً ما انفكّ قلبي
يرددها يعُضّ على اللسان ...
بأنّي ما عرفتُ الحبَ يوماً
وأنّ القلب مندفعٌ أناني ...
وأنّي للوفاءِ أضعتُ دربي
ومنصرفٌ إلى الغيد الحِسان ...
لقد تأثرتُ كثيراً بهذا البيت على وجه التحديد :
نعم يا همسُ لي في العشقِ سهمٌ
ولكني خسرتُ به رهاني
فأنا أراه يحمل بين طياته الكثير الكثير من الحزن والخيبة واليأس .. وبالرغمن من سوداوية الشعور العام هنا .. إلا أن ذلك لم ينتقص شيئاً من جمال هذا البيت ورومانسيته وعذوبته التي بالفعل لامست شغافَ قلبي ..
وأكاد ألمح شدة تأثر الشاعر بهذه الاتهامات الظالمة من خلال بعض المفردات التي ساقها الشاعر لتفجر ألمه وحزنه وتظلُّمه :
(خسرتُ به رهاني / يعُضّ على اللسان )
ويتابع الشاعر الانتقال بنا في تسلسل منطقي للتجربة الشعورية التي وضعنا فيها فنسمعه هنا ينادي محبوبته مستخدماً الفعل الأمر ( تعالي ) بكل ما فيه من تودد وحب ورومانسية وحنان .. ونراه يُشرِكُ رفيقَه " الليل " من جديد في محاولاته لإثبات صدق حبه لمحبوبته فيطلب منها قائلاً : ( واسألي نجمات ليلي ) ..
تعالي واسألي نجمات ليلي
ونبضي يومَ جئتِ وما دهاني ...
ستخبركِ العيون إذا التقينا
بأنّ حرائقي غشيتْ كياني ...
وأنّ الشوق يسكن كل قلبي
كأني فيه موثوقٌ وعان ...
حنانيكِ الهوى في الصبر يشقى
وجاء مع الزمان بما كفاني ...
,,, ( وأنّ الشوق يسكن كل قلبي
كأني فيه موثوقٌ وعان ... )
تصوير خلابٌ أكاد لا أفرق فيه بين الشاعر وشوقه .. فالشوق يسكن قلبه .. وهو مكبلٌ في حنايا الشوق ...
وما لفت انتباهي هنا استخدامه للحرف ( فيه ) وليس ( به ) .. وفي ذلك تأكيد منه على أنه غارق في هذا الشوق بكامل إرادته ..
وفي نداءات الشاعر في هذا الجزء ينساب من بين حروفه الحنان والدفء والرجاء وهذا يتجلى واضحاً بالذات في كلمة ( حنانيك ) ..
ويطالعنا أخيراً الجزء الأهم في النص وهو اعترافات متلاحقة يدلي بها الشاعر أمام محبوبته ليؤكد لها صدقه في حبه وإخلاصه وأنه قد تخلى عن كل عبث الماضي وسرابه وأن كل ما كان فيه هو محض ظلمات .. فيقول :
نعم أبحرتُ في ظُلمات نفسي
وفي عبثِ الهوى وبلا يدان ...
وكنتُ كمتلفٍ في البيد نفساً
تَساقَطُ مثل حبات الجُمان ...
وكنتُ كمن رأى يوما سراباً
وظنّ بأنّه للماء دان
ليطل بعد ذلك منادياً محبوبته للإسراع إليه مؤكداً لها أن كل أحلامه لا تتحقق إلا في عينيها .. لأنها في عيونه هي قمر هذا الزمان ...
ألا هبّي ففي الأحلام عيشي
وفي عينيكِ يا قمر الزمان ..
في الأبيات الثلاثة الأخيرة يعود بنا الشاعر إلى الإقرار من خلال تقديمه لحيثيات هو على يقين بأنها ما هي إلا نتيجة للشوق العارم الذي يجتاحه جراء إسراف المحبوبة في غيابها وجفائها وظلمها له ... فيصور لنا أحلامه ترتع في ظلمةٍ حالكة يغتالها دمعٌ يكاد يخرس أمام صرخة حروف تشتعل لهفةً وأنيناً ....
نعم غربت عن الأحلام شمسي
وفاض الدمع أخرسه بياني ...
أظنكم ستلاحظون معي استخدام الشاعر لمفردة ( الخيل ) مجدداً في القصيدة ذاتها وإن كانت في صيغة مختلفة ..إذ ورد ذكرها في بيت سابق هنا هو :
نعم عثرتْ خيولي في انتظاري
وما والله تدري ما غشاني ...
ليعود إلى استخدامها مجدداً قائلاً :
ستجري في المدى خيل اشتياقي
مع الأطيار تبحث عن أمان ...
إن لمفردة ( الخيل والخيول ) في قصائد خالد الشكيلي عالم من أخيلةٍ خلابة وصورٍ متفردة .. فهو تارة يستخدمها ليصور انتصاراته الذهبية .. وأخرى ليبث شوقه الجارف .. وفي بعض الأحايين يرسم من خلالها انكسارات روحه ...
ويأتي ختام القصيدة ببيتين دافئين يؤكد الشاعر من خلالهما بأنه غارقٌ في أشواقه حدّ اللهفة حتى كأن أشواقه خيلٌ تسابق الأطيار في سماوات الوله تبحث عن شموع الأمان في عيني محبوبته حتى وإن ومضت تلك الشمعة لثوانٍ معدودة :
ستجري في المدى خيل اشتياقي
مع الأطيار تبحث عن أمان ...
وعن عينيكِ رغم البُعد عني
وحسبي في الهوى بعض الثواني ...
وأكثر ما شدني ولفت انتباهي في هذا النص دوناً عن النصوص الأخرى هو لجوء الشاعر إلى شيء من الابتكار والتجديد في الصورة الشعرية وخروجه عن المألوف في قصائده السابقة ..
وأضع هنا بعض الصور المميزة التي أضفت الكثير من الدفء والاختلاف على هذه القصيدة :
( يُساقُ كأنما في القيد يمشي... بلا سمعٍ ولا بصرٍ يُعاني ... )
تصوير عابقٌ بالحيرة والخوف والاستسلام والحب .. مزيجٌ حائرٌ ومُحيّر ... !!!
(عَلِقتُ وما عرفتُ بأنّ روحي.. ستطلبها المنون بلا طعان ... )
هيامٌ يرسمه الشاعر هنا بنكهة الموت الجميل يرصع الروح العاشقة
(نعم أبحرتُ في ظُلمات نفسي..وفي عبثِ الهوى وبلا يدان ... )
شعورٌ بالعجز يخطف الأنفاس ويتركنا نتخبط مع الشاعر في ظلمات نفسه الحائرة
( وكنتُ كمتلفٍ في البيد نفساً..تَساقَطُ مثل حبات الجُمان ... )
تصوير مذهل يعانق نبض الجمان ليشعل في بيداء النفس فوانيس أمل لا تنطفئ ...
من ناحية أخرى أجده في بعض الصور قد لجأ إلى المباشرة فكان بعيداً عن التجديد والابتكار ومثال ذلك قوله :
( وألبسُ ثوبَ سُهدي والأماني ... ) ..
وبمتابعة الإبحار بين جنبات القصيدة نلمس حرص الشاعر على التنويع في البناء الأسلوبي لعبارته الشعرية ما بين تقريري خبري وآخر إنشائي :
(نعم في الحبِ أشكو طولَ ليلي / ولا أدري أكان الحبُ ذنبي / فهل يرضيكِ أني عشتُ دهراً ..أبثُّ الليل ما الله ابتلاني ... / فيا نفسي أقلّي اللوم/ أيُعقلُ أنْ يكون الحب أعمى / تعالي واسألي نجمات ليلي ) ..
بالإضافة إلى استخدام الشاعر للصيغ الاشتقاقية مثل ( التنكير والتعريف، المفرد والجمع، فعل الأمر ) وهذا يقوي الأسلوب البنائي للعبارة الشعرية ويمنحها رونقاً جمالياً مختلفاً ...
.. كما يشد انتباهنا جمال وعذوبة العبارة الشعرية وسلاستها لدى الشاعر من خلال انتقائية الألفاظ التي يختارها للتعبير عن مختلف مشاعره وأحاسيسه ..
فتارةً نراها حزينةً يائسة .. وأخرى متخبطةً تائهة :
(وتنكرني عيون الليل / يطردني مكاني / عثرتْ خيولي / يدفعني هواني / علِقتُ / خسرتُ به رهاني / يعُضّ على اللسان / موثوقٌ وعان / كمتلفٍ في البيد نفساً ) ..
خالد بوسلطان ..شاعر يعرف من أين يورد الشعر .. يمتطي صهوة الحرف ويحلق بالقصيد بأجنحةٍ من تميز ..
خالد بوسلطان أراه وأؤمن بأنه علامة فارقة في عالم الشعر الفصيح على صعيد الشعراء العرب بشكل عام وعلى صعيد شعراء الفصيح في دولة الإمارات ..
قاصرٌ هو الحرف عن الإمساك بكل خيوط إبداعك أيها الشاعر السامق ... وأتمنى أن أكون قد طرقت بعضاً من ملامح الجمال بين ربوع قصيدتك الخلابة ...
همسة يونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.