فالخضراء ماتزال شامخة معطاء لا الجفاف أيبس أوراقها ولا هزتها رياح أو أعاصير فتربتها ريّانة أصيلة من صافي أديم الأرض و جذورها ضاربة منتشرة في الأعماق وحتى الفؤوس التي هوت على جذوعها في سنوات القحط , سرعان ما طلعت مكانها أغصان وارفة شامخة وإذا بتلك الأغصان قد تسامقت وغلظت حتى أصبحت فروعا والفروع هاهي اليوم تطاولت وتعالت وهاهي تشتد وتمتد لتظل تونس الخضراء خضراء إلى الأبد كنا جيلا بعد جيل نحلم بمثل هذ الزمن العربي الذي يغني أناشيد الحرية من المحيط إلى الخليج, وصحيح أننا أحيانا أصابنا شيء من اليأس أو بعض من الخيبة أو دب فينا الإعياء أو اختلطت علينا السبل لكننا كنا دائما نحلم بمثل هذه اللحطات العارمة التي تخرج فيها الجماهير الهادرة الشجاعة فتملأ الشوارع والساحات والميادين لتسقط الاستبداد والظلم والقهر وتنشد الحرية والعدل والتقدم فأهدي إليك يا صديقي هذا القصيد الذي كتبته سنة 1974 ونشرته مجلة ألف في تونس ومترجما إلى الفرنسية بقلم الأديب صالح القرمادي سنة 1975 وهو تحية أيضا لكل الذين صمدوا وناضلوا وثبتوا وتحملوا الويلات معا نكمل الطريق التي ما تزال زاخرة بالمحطات والتحديات والصعوبات لكن البركة في الشباب...والمجد لشهدائنا الأبرار *خيول الإفرنج* عندما كان عمرها سنين عددا كانت ... تخرج مع أبيها كلّ صباح إلى الأسواق تدفع معه العربة وتعود ... يدها في يده مسرورة فرحة مع المساء ... ومع الأيّام تعلمت أن تهيم في الأسواق حافية تلاحق السيّاح وكان ... أن وجدت ذات يوم قدميها في حذاء ... أعطاه لها شيخ في سقيفة بعدما ... لم تحسن ربط الحذاء في بادئ الأمر ومع الأيام تعلمت ربط الحذاء فمشت فيه أحسّت أنها والدنيا في حذاء من إحراق الكتب سواري المساجد سوداء وخيول الإسبان تربض في صحن جامع الزيتونة حمام جامع الزيتونة يحوم حول السطوح ينتظر أذان الفجر ... أذان الصبح ليلتقط القمح من الصومعة عندما كان عمرها سنين عددا كانت تجالس العاطلين في المقاهي تعرج عنهم إليهم في دخان السجائر تتوزّع على أكفّهم مع أوراق اللعب وتسرح ساعة أو ساعتين على ثيابهم الزرقاء وتغيب ... ترسم وجهها الشبحيّ من على الجسر في الماء الأسماك تسبح كما تشاء - وتعود يتفتح التفاح على خدّيها أحسّت بصدرها ثقل الرمّان وبزهر اللّوز في عينيها حالمةٌ شرفات القصر في الصيف يمروح عليها النسيم البحريّ الجواري أحسسن الليلة بالحرّ نزلن عاريات إلى البحر يتلاعبن تحت القمر والغلام الصقلبيّ يتململ تحت سيّده عندما كان عمرها سنين عددا كانت تقف مع النّاس في البطحاء : العسكر يُكركر رجلا من رجليه وعلى صغرها صبرت على جلده تصبّرت إلى أن قطعوا لسانه يديه – رجليه – رأسه ساءلت النّاس .... قيل لها ... بالهمس... في الأذن عرفت من وقتئذ حمرة الدّماء آبار النفط تتشمّس على الرّمل يجري من تحتها النّفط قوافل البدو تشدّ رحالها إل الواحة سكت حادي النّياق تَمثّل له الكثبان سائحة أمريكية اِرتجل فيها ألف بيت من الشّعر وأنشدها للنّياق وحدها النّياق تعرف لظى الرّمل عندما كان عمرها سنين عددا كانت تدخل البحر إلى كعبيها تسرّح خصلات شعرها في الرّيح يرقبها الصيادون العائدون شباكا شباكا محمّلة بالحيتان ضفرت شعرها غصني زيتون وراحت تضرب قدميها في الصّحراء تجري مع الغزلان تلوح لها بين الكثبان ظلال الواحة وجداول الماء الشّمس .... تشرق إذ تشرق من بين سعف النّخيل أحذية التلاميذ سلختها وعرة الوديان الطّريق وعرة طويلة إلى المدرسة قصيرة عذبة باللّعب ترسم الشّمسُ على جباههم بالسّمرة خرائط الآتي تجمّعوا في سوق القرية حول سيارة الإعانة وساءلوا السّائق عن معنى ***USA** * مكتوبةٍ على الأكياس والعُلب عندما كان عمرها سنين عددا كانت تنقش اِسمها على حنّاء العرائس وتحمل تحت معطفها الألغام في الأسواق – في زحامها – مع النّاس وحينما ينهمر على كتفيها اللّيل في قلعة النّحاس ترنو إلى الهلال يميل على المئذنة يحنو عليها كما ينحني على جفنيها النّعاس فتنام إلى أن يتبيّن لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود على أحصرة المساجد موسم الحجّ اِنقضى كالعادة على أحسن ما يرام حسابات شركات الطّيران سجّلت اِرتفاعا هذا العام مات من الحجّاج ألف داسوا عليهم في الزّحام عاد الحجّاج إلى "قواعدهم" سالمين يثقلون حقائبهم بالبخور واللّوبان مردّدين وصية حارس قبرالرّسول في المنام وحده إبليس يحمل تبعات الذّنوب فيرجم في كلّ عام بالحجارة عندما كان عمرها سنين عددا كانت ترقص في القشلة على روث البهائم تتنفّس على مضض صنان الجنود كلّ الغزاة مرّوا من مضيق نهديها وكان أن راحوا لم تكن تدري أنّهم ليعودوا وترقص لهم على الزّرابي في فنادق السيّاح خيول الإفرنج تهوي التزحلق على الرّمال ترتوي من آبارها في الصّيف تتمرّغ على دفئها في الشتاء وتحجب عنها الشّمس بالغربال وتناولها كلّ موانع الحمل أهرمات الجيزة يقطر منها مع التاريخ عرق العبيد سلاسل الأطلس توثقها السّلاسل البحر المتوسّط يحلم على أبيض الزّبد البحر الحمر يتوق إلى ذروة الحمرة والخليج ينام على الأملاح وجنّات عدن تصير اِخضرارا على الصّحارَى تسقيها مياه السّدود عندما يكون عمرها سنين عددا تتعلّم المشي على الماء تكبر قدماها على الحذاء تتّسع خطواتها على الجسر تعبر الجسر مع العابرين عيونها عيونهم في الشّمس