يعود أصل كلمة بورنغرافيا كما يرى المختصون إلى الإغريق وتعني(العاهرة) أو(فعل الكتابة)وبهذا المعنى فأن البورنوغرافيا تبحث مسألة تمثيل الجسد والجنس في الكتابة، ويقسم الباحثون البورنوغرافيا إلى (تشخيصية) وهي تطرح تشخيص الجنس وتنحدر من الأدب(الايروتيكي) وهذا النوع من الكتابة يسجل الجنس بشكل مكشوف وفاضح،ويتجاوز حدود(الطابوهات) التي تتعلق بالجنس في الكتابة الأدبية،وهذا النوع يكتب الجنس بطريقة يتحول فيها الفعل الجنسي إلى حركات ميكانيكية يتألف من مجموعة الأفعال وردود الأفعال،أما النوع الثاني فهي البورنوغرافيا(اللاتشخيصية) وهذا النوع من الكتابة يتجاوز الشكل النفعي لتمثل الجنس وتشخيصه، ويرصد علاقة الكبت والحرمان الجنسي في الإنسان. تنتمي مجموعة(النهر يحرس البنفسج) إلى جنس الكتابة التي تعتمد الصورة الايروتيكية/البونوغرافية في وصف شخوصها واهم ما يميز قصص هذه المجموعة هو اشتغالها على موضوعة العلاقة الجنسية وقد اعتمد الغراوي كثيرا في كتابته على الواقعية في العلاقة الجنسية وسرد تجارب حياته الشخصية، مقدما نفسه على انه نموذج للكتابة الرومانسية وعاكسا رؤيته للجسد الأنثوي من خلال كتاباته. كما استطاع الغراوي الاستفادة من تقنية الوصف وخصوصا للجسد الأنثوي إذ سجلت نصوصه تسجيلا للواقع الذي كان يعيشه بطريقة استنساخية شبه حرفية،وهو بتوظيفه لتقنية البوح في المشاعر والكلام الداخلي(النفسي) فأن لغته تأتي مغمورة بالصوت الرومانسي معتمدة على التقريرية في السرد ألوقائعي للإحداث،إذ استطاع أن ينقل للقارئ الآلام النفسية التي يولدها الكبت الجنسي وما يعانيه من العزلة والخوف من المجهول الذي كان دائما ما يهيمن على حياته اليومية.ونصوصه تحاول استنطاق المكبوت في داخل النفس الإنسانية وما يقوله الجسد من رغبة ولذة بلغة مألوفة ومتداولة رافضا تحويل العلاقة الرومانسية إلى متخيل أسطوري بل عمل على تصوير الحب كفعل من أفعال الجسد مستردا بذلك واقعية الجسد وصوغ فعل العلاقة الرومانسية(الحب) صوغا ماديا ملموسا،وهذا النوع من الكتابة مكنه من رسم آفاق واسعة في وصف خارطة الجسد الذكري/الأنثوي، والنظر إلى الحب من منظار مزدوج مركب بين المادة والروح،لأنه لا يمكن الكتابة عن الجسد مجردا عن الانفعالات والإحساسات الداخلية المرتبطة بالذاكرة والخيال. وقصص عبد الحسين الغراوي تنتمي إلى هذا النوع من الكتابة أي(المزاوجة بين المادي والنفسي) ففي اغلب نصوصه نجد الوصف الجسدي يهيمن على سرد القاص دون إغفال الجوانب النفسية،كما في هذا المقطع (احتضنها مساء ذلك اليوم بعباءة ليله الحالك حيث ازدادت كتل النجوم التي بدت زاهية ببريقها الفضي وهي ترافقهما وهما يغادران ضفة النهر الذي بقي وحده يخفي على مدى عشرين سنة أسرارهما وحوارهما وهمسهما الروحي والوجداني وضحكهما وأحزانهما لذا فان سامر ورانيا أصبحا جزءا من هذا المكون المائي)(ص 40). وبهذا المعنى فنصوص عبد الحسين الغراوي نصوصا تؤكد إن الفعل الجنسي والشعور بالحب ليسا فعلين منفصلين والعلاقة بين الذكر والأنثى ليس مجرد فعل غريزي منسلخ عن الإحساس والشعور الداخلي، ويمكن الاستدلال على المكانة التي يحتلها الشعور الداخلي من قصة(في الطريق إلى الموصل)( في السيارة المتجهة إلى الموصل،اسند رأسه المتعب على زجاج نافذة السيارة التي انطلقت صوب الشمال،وأغمض عينيه الصغيرتين لوهلة وهو يستسيه في حلم يقظته باحثا عن ملامح الوجه الجميل والشعر الكستنائي الأشقر المنسرح خلف ظهر حبيبته(فائزة)التي كانت لا تفارقه مطلقا سواء في الدائرة التي يعملان فيها أو لقاءاتهما المتكررة،أو حواراتهما في الهاتف.قال في نفسه وهو ينظر خلسة إلى جارته البدينة في مقعد السيارة وكانت تحمل طفلا في سنته الأولى بدا غافيا على ذراعها الأيمن)(ص68). وهذا النوع من الكتابة يقدم صورة عكس الرومانسية المعروفة التي تأسست على تجريد المرأة من شخصيتها الإنسانية لتحيلها إلى كائن أنثوي أسطوري بل هي تقدم الرومانسية على إنها نوع من العلاقة بين جسدين(ذكر/أنثى) رافضا في الوقت ذاته تحويل الجسد الأنثوي إلى مجرد شيء يمنح المتعة للرجل،بل إن العلاقة الرومانسية في نظره مبنية على أساس التكافؤ والتوازن،وهو بهذا حفظ للمرأة من خلال نصوصه هويتها الإنسانية في بعدها المادي(الجسد) وبعدها الروحي(الإحساس،الشعور بالرغبة) وتتجلى قيمة هذا النوع من النصوص في جرأتها على تناول موضوعات إنسانية غلفها الصمت. ويبقى السؤال الذي نحاول أن نجد في نصوص الغراوي الإجابة عليه هو كيف يمكننا الكتابة عن الجسد كعنصر مادي يأخذ حيزا كبيرا في حياة الإنسان وعن الحب كاستجابة شعورية يتفاعل معها الإنسان،ما نعتقده إن الغراوي حاول استنطاق هذا النوع من الموضوعات بكتابة مزج فيها بين الواقعي والخيالي،فقدم تجارب الإنسان الجسدية(الجنسية) على إنها مكونات جوهرية تسهم في تشكيل هوية الإنسان ذكرا كان أم أنثى،وبالمقابل فهو لا يكتفي بسرد الواقع المادي للجسد بل يحاول الكشف عن دواخل الجسد وما يصاحبه من حالات الألم النفسي والتشظي الداخلي المصاحب لحالات الحب.فأصبحت العلاقة بين الكتابة والجسد متداخلة إلى ابعد حد،ومنح الجسد مساحات واسعة في الكتابة، فهو يمعن في وصف جسد المرأة ويحاول أن يعيد الاعتبار لجسدها الأنثوي مصورا التحولات التي تطرأ على هذا الجسد والذي عادة ما يكون مستنزف ومحل للتمتع من قبل الذكر. (لقد اضطرتني ظروف عائلتي وسلطتهم القاسية على أن أتزوج من رجل لا اعرفه ولم يجمعني معه حب او عواطف ابدا..غير الطقوس الزوجية وسرير النوم وانجبت منه ولدين وبنتين هم الان في اعمار متفاوتة وهم(سامر،ظافر،ليلى،ظمياء) (ص 42). لكنه في الوقت ذاته يحاول أن يسبر حياة الجسد الداخلية لأنه يمتاز بالأحاسيس والانفعالات التي يعجز الإنسان عن وصفها،وبمعنى آخر إن الجسد يحمل بعدين هما(المادي/النفسي) ومن هنا نلاحظ كثرة استعمال الكلام الداخلي في قصص الكاتب. (ثم عاد يتساءل وهو يحشر نفسه مع المارة في شارع ساحة الحجاز:ربما عرفت ان اهداء الكتاب لها في دائرتها يشكل احراجا وظيفيا لها؟...وتساءل مضطربا بعض الشيء:هل فعلا ستقرأ الكتاب؟تم انها رغبت بمجاملتي لكي تشعرني برضاها وشكرها لي على هذه المبادرة الطيبة ثم قال مع نفسه وهو يتصفح اوراق الكتاب:يجب علي ان اصبر بضعة ايام لاعرف رد فعلها من جمالية قصصي واعجابها بها) (ص9). أو كما في المثال الموالي حيث نسمع كلاما لجسد امرأة أنهكه وأخرسه النظام العائلي الاجتماعي: وتحاول قصص الغراوي أن تشخص الحياة الداخلية للمرأة في مختلف الأعمار والأوضاع الاجتماعية( المراهقة، الزوجة، العانس، الموظفة)، وهو يستخدم عادة تقنيات متنوعة منها المونولوج الداخلي والذكريات والتخيلات،مكنته هذه التقنيات من كشف المسخ الذي يتعرض له جسد المرأة باعتباره مصدرا للذة الرجل. وعبد الحسين الغراوي كتب نصوصه بنسق البورنوغرافيا(اللاتشخيصية) إذ تناول موضوع (الخيانة الزوجية) في قصته(طموح امرأة)مؤكدا في نصه هذا إن الخيانة مصدرها في اغلب الأحيان هو الرجل الذي حول المرأة إلى جسد نفعي يتداوله الرجال كسلعة للاستهلاك اليومي،وفي هذا النص وصف للرجل الخائن وسرد تجاربه على لسان زوجته مع نساء آخريات،فهو يسبر غور الحياة الداخلية للجسد الأنثوي الذي استباحه المجتمع ألذكوري، وبهذا المعنى فأن المرأة هي ضحية لقسوة المجتمع واحتقاره للمرأة الذي غيب هويتها ورغباتها الطبيعية،وبعبارة أخرى فالغراوي لا يكتب الجنس من منظور مادي خالص، بمعنى انه لا يقدم سرد بورنوغرافي بالمعنى المتداول بل هو يحاول أن يكتب الجنس من منظور لا يفصل بين الجسد والنفس.فهو يصور الجنس على انه رغبة وإحساس داخلي يملكه الطرفان المرأة والرجل ثم تنطلق هذه الرغبة من الداخل إلى الخارج لتحدث الانسجام والتوافق بين جسدين (اسندت هند باسترخاء وجهها المدور على كتف سرمد وهي تقول له هامسة: - هل تحبني يا سرمد؟اجابها مبتسما وهو يتحسس خداها الطريين النعامين: - وماذا وجدت بعد كل هذا الوقت الطويل الذي جمعنا روحين مأتلفتان جميلتان...كان كلامه قد اشعرها بالاحراج مما دعاها تقترب من سرمد وتطوق وجهه بيديها وغرقا في لحظة جنونية وسط زحمة الظلام وصمت المكان) (ص 28-29). وإجمالا فأن كتابة الجسد والجنس بورنغرافيا عند الغراوي ربما تعني البحث عن الجسد الأنثوي الغائب،ورغبة محكوم عليها أن تبقى جائعة،وشريك يفتقده على الدوام،ولهذا كان لكتاباته طعم آخر يتجاوز حدود اللذة بل يكتب الوصال بلغة الألم أيضا، ساعيا إلى تحقيق الرغبة على مستوى المتخيل، وهذا النوع من الكتابة يدعونا إلى إعادة النظر في علاقة الجسد بالكتابة البونوغرافية، فهل الكتابة عن الجنس تحقق فعلا جنسيا؟ وهل يحصل الإنسان على لذة تشبه الفعل الجنسي عند كتابة أو قراءة هذا النوع من الكتابة؟