هذه اللحظة التي تلت خطاب الفهم المطلق المتأخر لواجبات الرئيس والخدمات الرئاسية المنوطة بالمنصب لرعاية مصالح الشعب هي لحظة عالمية على مستوى البشرية بشكل عام و الإنسان العربي على وجه الخصوص فهي نافذة فتحت للحرية من القاع ولم تهبط من السماء بأيدي الكادحين المتعاضدين المثابرين المؤمنين بأن للشعب يقين يهديه ، و فهم ينجيه ، ورب إن وعى يشد على يديه ويحميه . هذه اللحظة شرعت الآمال لكل المكلومين و المظلومين و المستضعفين في الأرض فدبت الروح في الشعوب الموات ، وسرى الأمل في شراينهم الطموحة الدؤوبة , فاهتزت و ربت و أنبتت من كل عز ٍ مهيب فهزت دول و دكت عروشا ، وتنبه الغافلون وأصلح المفسدون وفي قلق بات من هم في غيهم يعمهون ، وفي ريبة يتوجسون ، يحسبون كل صيحة عليهم هي ثورة الشعب المدعوم بأن الحق تدعمه سنن وضعها الله في الكون والتاريخ و الأحلام والنهى . لحظة كان قبلها كل الطواغيت مجتمعون لعقود كحبات مسبحة في عقد الخزي والعار وانفرطت ، وماعاد لجامع رذيلة على الإنسانية دخيلة ، من حيلة . خلقنا بشرا كراما مهما اختلفت عقائدنا و مفاهيمنا و قيمنا ، و فرطنا بتلك الكرامة حتى أذن مؤذن أن حيا إلى بعث الشموخ الآدمي ، وكانت يوم أن فر لا يلوي على شيء ، فكبه التاريخ و أمثاله من عليائهم على مناخرهم في صحاف القمامة وعلينا أن نعي ونتعامل و نعلم و نورث لمن خلفنا معنى الكرامة ، و الحقوق الآدمية ، كيما لا يتسلط علينا و من بعدنا في غفلة ، من يستخف بها فيكون على كل ما قدم من تضحيات السلامة. ( فاستخفوا قومه فأطاعوه) ترجمها المصريون بمثل شعبي طريف حقيق ( يا فرعون من فرعنك ، قال ملقتش حد يلمني) لنتنبه و نقيم و نحاسب ، نقول للمحسن أحسنت و للمسيء أسأت. ولعل فيما يروى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه مايستأنس به ، فالتاريخ كالظواهر تتكرر إن تماثلت الظروف ، و لقد خطب يوما في الناس (إن رأيتم في إعوجاجا فقوموني. فيندب له رجل من عامة المسلمين يقول: لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بحد سيوفنا. فما يزيد عمر على أن يقول: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد سيفه.) و بما أننا نحيا بمجتمعات كأفرقاء متباينين أحيانا ، فلا يؤمن كل من فيها بكل مايؤمن به شريكه في الوطن ، وتختلف مشاربه ليكن القانون أو الدستور هو فيصل الشعب المراقب لضمان الحقوق و درأ انخراط المسؤول في دروب التعسف و الاستكبار و التعالي الموصلة لتضخم الأنا ، وتخمة الاستبداد المطلق بالمناصب ، والانتهاء بنفق بالدكتاتورية المظلمة آمل أن نعي لأجيال الدرس ، و نفطن للسنن د.ندى إدريس أستاذ علم الأكروسات المشارك كلية العلوم جامعة الملك عبد العزيز بجدة