"شقة تتكون من غرفة نوم وقاعة جلوس ومطبخ وحمام: الثمن 70 ألف دينار".. "شقة تتكون من ثلاثة غرف في الطابق الرابع الثمن: 80 ألف دينار".. "شقة للبيع ثمن المتر المربع الواحد مائة وخمسين دينارا".. "ستيديو وسط العاصمة الثمن 50 ألف دينار".. "منزل مستقل يتكون من ثلاث غرف ومأوى سيارة قريب من محطة المترو الخفيف الثمن مائة وأربعين ألف دينار" .. هذه عينات من الأسعار المقترحة لمساكن قديمة بالعاصمة يرغب أصحابها في بيعها عن طريق أحد الوسطاء العقاريين أما المساكنالجديدة فأسعارها أرفع من هذا بكثير؟ كما أن أسعار المساكن الاجتماعية أصبحت بدورها لا تناسب المقدرة الشرائية لكثير من الراغبين في اقتناء مسكن.. وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن أسعار المساكن المعدة من قبل الشركة الوطنية العقارية للبلاد للتونسية (سنيت) تراوحت بين 27 ألف دينار في قرية بالمحمدية إلى ما يزيد عن 119 ألف دينار بحدائق المنزه.. أما الثمن التقديري للمساكن المعروضة للبيع خلال السنة الجارية من قبل شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية "سبرولس" فكانت بداية من أربعين ألف دينار بالسيجومي و تراوحت من 52 ألف دينار إلى 71 ألف دينار بوادي الليل منوبة وبداية من 45 ألف دينار بدوار هيشر منوبة وبداية من ستين ألف دينار بالمدينة الجديدة 3 ببن عروس وبداية من 40 ألف دينار بمنزل بورقيبة وتراوحت بين 33 و50 ألف دينار بحي الرياض الخامس بسوسة.. والطريف أن هذه المساكن من الصنف الاقتصادي الجماعي والاقتصادي الاجتماعي الجماعي والاقتصادي نصف جماعي وتحتوي على غرفتين وقاعة استقبال وقلة منها تحتوي على ثلاث غرف وقاعة استقبال.. ولاشك أن غلاء أسعار المساكن هو الذي جعل امتلاكها حلما صعب المنال خاصة بالنسبة للراغبين في الاستقرار بالعاصمة والمدن الكبرى حيث يشتغلون.. ولكن رغم ذلك فإن ملكية المسكن تعد ضرورية لدى الأغلبية الساحقة من التونسيين. رغبة جامحة في امتلاك المسكن تشير دراسات اجتماعية أجراها مختصون في علم الاجتماع بالجامعة التونسية إلى أن عدم امتلاك المسكن هو سبب جل الخصومات التي تنشب بين الأزواج والتي تنتهي في كثير من الأحيان بالطلاق وتشتت شمل العائلة.. كما أضحى امتلاك "قبر الحياة" في نظر جل العائلات التونسية الضامن الوحيد لحياة زوجية أكثر استقرارا وأمانا.. ورغم أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن السواد الأعظم من العائلات التونسية تمتلك مساكنها فإن الهاجس الوحيد للذين لا يمتلكون مساكن هو الظفر "بقبر للحياة" مثل بقية الناس خاصة وأن امتلاك مسكن في نظر المجتمع التونسي هو عنوان على النجاح الاجتماعي مثله مثل النجاح في الدراسة أوفي الحصول على الوظيفة القارة ذات الدخل المحترم أو امتلاك سيارة.. بل أصبح امتلاك المسكن هو أهم شرط ويمكن أن يكون الوحيد الذي تشترطه العائلة التونسية على من يرغب في مصاهرتها.. فقبل السؤال عن الأصل والنسب والمستوى الثقافي يسألون الخاطب الراغب في بنت الحسب والنسب :"عندك دار؟". ونظرا لهذا الهوس بامتلاك المساكن والتهافت على اقتنائها فقد تضاءلت خلال السنوات الأخيرة فرص الظفر بها خاصة مع ارتفاع الكلفة التي يعتبرها الكثير من الناس "مشطة" ولا تناسب المقدرة الشرائية للمواطن.. هذا إضافة إلى قلّة الأراضي المهيأة لهذا الغرض وإلى إحجام المستثمرين عن بعث مشاريع سكنية معدة للكراء وتراجع عدد المساكن الاجتماعية المعروضة للبيع وتواصل ارتفاع ضغط الطلب على المساكن الموجهة للفئات الاجتماعية محدودة الدخل داخل الأقطاب العمرانية الهامة.. وأمام هذا الضغط وقبل مطلع العام الجديد تشهد شبابيك الوكالة العقارية للسكنى وشركة النهوض بالمساكن الاجتماعية والشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية ازدحاما ملحوظا من قبل العديد من المواطنين الراغبين في الاستفسار عن كيفية امتلاك مقسم معد للسكن أو سكن اجتماعي و للسؤال عن الأسعار المقترحة لكل صنف.. والملاحظ أن الكثير من التونسيين لا يحبّذون فكرة اقتناء أرض وبنائها بأنفسهم ويعتبرون أن الكلفة ستكون أكبر خاصة مع ارتفاع أسعار مواد البناء وكلفة اليد العاملة لذلك تجدهم يحبذون اقتناء مسكن جاهز كما أنهم يفضلون السكن المنفرد على السكن الجماعي لأن السكن الجماعي يحرمهم من إمكانية التوسعة.. لكن نلاحظ أن جل المشاريع الجديدة للسكن الاجتماعي هي من الصنف الجماعي وليس الفردي كما أن هناك توجهات لتكثيف السكن العمودي..