تونس الصباح: تبين من خلال تقييم تدخلاتها أن الوكالة العقارية للسكنى تواجه صعوبات عديدة تحول دون تمكنها من اقتناء الأراضي الصالحة للسكن وهو ما أدى إلى تقلص نسبة تهيئة العقارات نتيجة ندرة الأراضي الصالحة للبناء وتقلص مساحات هذه الأراضي من سنة إلى أخرى إضافة إلى طول إجراءات التسوية العقارية الرضائية وتشعب الملكية.. كما تتمثل أهم الصعوبات في الأثمان المشطة المقترحة من قبل المالكين.. ولا يقتصر ارتفاع الأسعار على الأراضي بل ينسحب على المساكن الاجتماعية المعدة من قبل الشركات العقارية الوطنية خاصة إذا ما تعلق الأمر بالمشاريع المقامة في العاصمة والمدن الكبرى. ونظرا لأهمية السكن الاجتماعي.. وأمام ما لاحظوه من ارتفاع في كلفته خلال السنوات الأخيرة فقد استرعى هذا الملف اهتمام نواب الشعب خلال مداولات ميزانية الدولة لسنة 2009. وأقيم بمناسبة هذه المداولات معرض وثائقي للتعريف بالمشاريع المبرمج انجازها خلال السنوات القادمة أو المشاريع المعروضة للبيع.. ولعل ما يلفت الانتباه في هذا المعرض ارتفاع الأسعار.. إذ يتجاوز أدناها الأربعين ألف دينار.. ويطالع زائر المعرض في الركن المخصص لشركة النهوض بالمساكن الاجتماعية وتحديدا ما يتعلق بالمشاريع المعروضة للبيع أن الثمن التقديري للمساكن الاقتصادية النصف جماعية المتكونة من غرفتين وقاعة استقبال بمنطقة وادي الليل بمنوبة يتراوح من 52 إلى 71 ألف دينار وهو في حدود 41 ألف دينار بمنطقة دوار هيشر. أما في منطقة المدينةالجديدة 3 ببن عروس فإن أسعار المساكن الاقتصادية الجماعية المتكونة من غرفتين أو ثلاث غرف مع قاعة استقبال تتراوح بين 65 و90 ألف دينار. وتنخفض قيمة المساكن نسبيا في مدن أخرى ففي منزل بورقيبة حدد الثمن التقديري للمسكن الاجتماعي الجماعي المتكون من غرفتين وقاعة استقبال بنحو 40 ألف دينار وهو يتراوح بين 33 إلى 63 ألف دينار بحي الرياض الخامس بسوسة. ولئن تبرر وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية ارتفاع الكلفة بارتباطها بمعيارين أساسيين هما كلفة الأراضي المخصصة للبناء وكلفة عمليات البناء في حد ذاتها فإن المواطن يتوق إلى اقتناء مسكن يناسب مقدرته الشرائية ولا يرهق كاهله بالديون.. القروض لا تكفي إذا اعتبرنا أن السواد الأعظم من الموظفين من فئة الإطارات يلتجئون إلى البنوك لاقتناء قروض سكنية فإن القيمة التي توفرها لهم البنوك بعد النظر في بطاقات خلاصهم وبعد التمعن في ما يحصلون عليه من أجور لم تعد تفي بالحاجة.. وتكفي الإشارة مثلا في هذا الصدد إلى أن توفير مسكن اجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا التجأت الأسرة الواحدة إلى الحصول على قرضين بنكيين وذلك لتسديد معلوم ذلك المسكن الاجتماعي أي عليها اللجوء إلى قرض يحصل عليه الزوج وآخر تحصل عليه الزوجة.. وعليهما شهريا التخلي عن أكثر من نصف مرتبيهما لتسديد قيمة هذين القرضين.. فالموظف الذي يتقاضى نحو 750 دينارا شهريا يمكنه الحصول على قرض بنكي لا تتجاوز قيمته 36 ألف دينار. وهو مبلغ لا يفي بالحاجة وعليه أن يبحث عن موارد أخرى أو إرهاق كاهل القرين بقرض آخر لاستكمال تسديد معلوم المسكن.. أما إذا رغب في الحصول على قرض سكني من الصناديق الاجتماعية فإن المبلغ الذي يحصل عليه لم يعد يكفي حتى لاقتناء غرفة واحدة بمسكن اجتماعي.. إذ تبلغ قيمة القرض 15 ألف دينار وللحصول عليه يشترط أن يكون الراغب في الانتفاع به مباشرا للعمل عند تقديم المطلب وله أقدمية في الانخراط بالضمان الاجتماعي لمدة لا تقل عن خمس سنوات. فأمام تواصل ارتفاع كلفة البناء وقلة الأراضي المهيأة لهذا الغرض إضافة إلى إحجام المستثمرين عن بعث مشاريع سكنية معدة للكراء وتراجع عدد المساكن الاجتماعية المعروضة للبيع وتواصل ارتفاع ضغط الطلب على المساكن الموجهة للفئات الاجتماعية محدودة الدخل داخل الأقطاب العمرانية الهامة أصبح من الضروري التفكير في صيغ جديدة لتوفير السكن الاجتماعي.. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار عند تشييد المساكن المقدرة الشرائية لأغلبية طالبي السكن.. إذ تبين بالكاشف أن مئات المساكن التي شيدت منذ مدة مازالت شاغرة نظرا لارتفاع أسعارها ولعجز طالبي السكن على اقتنائها.. ولئن حظي قطاع السكن بعدة مشاريع خلال فترة المخطط الحادي عشر.. فإن المطلوب هو الاستجابة إلى انتظارات المواطنين.. ولا يكفي أن يبشر تقرير هذا المخطط ببناء حوالي 300 ألف وحدة سكنية منها 260 ألف وحدة سكنية لتلبية الطلبات الإضافية للسكن و10 آلاف وحدة سكنية لتخفيف الاكتظاظ و30 ألف وحدة سكنية لتعويض المساكن القديمة. بل يجب أن يكون هناك توافق بين العرض والطلب وبين أسعار المساكن والمقدرة الشرائية لطالبيها حتى لا يتواصل تشييد مساكن تظل فارغة لسنوات عديدة في وقت يعاني فيه آلاف التونسيين من مشكلة السكن.