بقلم الأستاذ بولبابه سالم المواجهة مع الارهاب و ضد كل من رفعوا السلاح في وجه الدولة و المجتمع لا يكون الا بالسلاح و تلك هي مهمة الجيش و قوات الامن . لكن الحرب ضد الارهاب لها أبعاد مختلفة تحصينا للجيل الحاضر و للأجيال القادمة و تلتقي فيها المقاربة الامنية مع الجانب التربوي و الديني و فعاليات المجتمع المدني . و لئن اطنبنا سابقا في الدور الذي يجب أن تقوم به المنظومة التربوية لترسيخ الناشئة في هويتها العربية الاسلامية و ضرورة العناية بالمواد الاجتماعية و الانسانية لتحقيق بناء ثقافي متين للتلاميذ يبعدهم عن استقطاب الجماعات التكفيرية التي تعتمد تقنيات عصرية عبر شبكات الانترنيت او دغدغة المشاعر الدينية ، فإننا نسجل اليوم انخراط الدولة عبر وزارة الشؤون الدينية التي كانت أسبق من وزارة التربية في مكافحة الارهاب ، و تبدو تحركات الوزير محمد خليل لافتة للانتباه عندما اعلن عن البدء في مشروع تحفيظ القرآن الكريم ل100 ألف طفل و دعا النخب المثقفة الى الاهتمام بالقرآن الكريم و عاب عليها عدم حفظها حتى لأجزاء من كتاب الله تعالى . تصريحات وزير الشؤون الدينية أثارت ردود افعال ايجابية باركت هذه الخطوات لأنه من واجب الأئمة و الخطباء الدخول الى صلب المعركة التي تخوضها تونس ضد عدو ارهابي غادر يستعمل الدمغة و الخطاب الديني المتطرف و السطحي للتأثير على الشباب . لكن هذه التصريحات استحسنتها بعض النخب و لم تعجب البعض الآخر و كانها تؤكد كلام الوزير بل و تقول ما سكت عنه لأن الكثيرون يعلمون موقف هؤلاء من القرآن و الاسلام عموما وهم الذين وصفهم الدكتور محمد الطالبي بالانسلاخسلاميين في كتابه "ليطمئن قلبي" بل سماهم بأسمائهم في كتابه الاخير "قضية الحقيقة " و فضح نفاق بعضهم الذين يرددون عبارة "كلنا مسلمين " للتلبيس على الرأي العام و لا يصارحون الناس بموقفهم الحقيقي من الاسلام الذي يحفظ لهم الحق في عدم الايمان به او برسوله كما قال .(محمد الطالبي /قضية الحقيقة ص 56). حفظ القرآن الكريم دون فهمه لن يقدم حلولا لمواجهة الظاهرة الارهابية و تبدو الرؤية المقاصدية هي الاقرب الى روح العصر ضمن فهم يستلهم الأبعاد الحضارية و الرسالة الكونية للاسلام ، رسالة تدعو الى المعرفة "اقرأ" و بناء الحضارة "مسؤولية الاستخلاف " و التعايش بين جميع الناس دون اعتبار لاختلافاتهم الدينية و الثقافية "وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا" . اسلام يدعونا الى الاقتداء بالرسول الاكرم صلى الله عليه و سلم ، قال تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " . صحيح أن القرآن حمال أوجه فقد استغله الخوارج في الفتنة الكبرى للخروج عن الامام علي بن أبي طالب عندما أولوا آية "إن الحكم إلا لله " فرد عليهم بالقول "كلمة حق أريد بها باطل " ثم أضاف "هؤلاء هم اعراب بكر و تميم ضلوا و أضلوا " (الفتنة /هشام جعيط ). ما حدث في الماضي نعيشه اليوم مع خوارج العصر الذين يركزون على مقولة المظلومية و الحاكمية الالهية و كأن ابصارهم لم تع ابداع الثورة التونسية التي ازالت الدكتاتورية بالنضال السلمي المدني و دخلت به البلاد عصر الحداثة السياسية . القرآن هو مأدبة الله الى عباده و على رجال العلم و الأئمة ان يكونوا في مستوى اللحظة التاريخية التي تمر بها تونس ، "ففضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب " كما يقول الحديث الشريف . لقد كان القرآن الكريم منطلقا لحضارة عظيمة و دخل قلوب ملايين البشر عبر اخلاق المسلمين ، وهو اليوم اقدر على مواجهة المتاجرين به . كاتب و محلل سياسي Publié le: 2016-03-22 21:45:26