أبو مازن اسمع يا هذا، ضبطوك في عديد المنابر تشحت الناس عودة المخلوع بدموع و ألم لعلّ قلوبهم ترقّ فيستمعون لقولك ويستحسنونه ذات مرة. الكل يعلم أين كنت مختبئا أول أسابيع الثورة، كنت في سراديب الخوف يتصبب عرقك و يزداد هلعك و يخفت صوتك ولا يسمع لك أنينا ولا ضراطا بل كنت متنكرا في سفساري أو في جبة بالية كلما دعت الحاجة للخروج وسط الزحام. سواء كنت قوادا صرفا أو مخبرا يبيع الأهل و الأصحاب لمجرد الحصول على كشكول أو متملقا لا تصطف في صفوفنا الطويلة و تمر أوراقك وملفاتك من وراء الجدران أو كنت من رواد الشعبة ومن مزوقيها كلما اقترب شهر نوفمير أو كنت ممن يبيع شهادات الشكر التافهة. لا يهمّ يا هذا فمهنكم العديدة التي بقيت في الذاكرة مقرفة تثير الاشمئزاز و الشعب التونسي تغاضى بطيبته عمّا اقترفتموه من أعمال قذرة وشارككم الخبز والماء و هاهو ينتظر عدالة السماء بعد أن تباطأت عدالة الأرض فلا حقيقة عرفت ولا كرامة استردت الى حد الآن. لا تدر ظهرك لشعب عفا عنك و سلمك شهادة حسن السلوك بعد أن تناولت من ثمار الثورة التي تسبها وأسست حزبا أو عينت بمنصب فالشعب لا يحب الحقد والكره والبغض ولا يبادلك الاحتقار الذي مارسته عليه كلما اجتمعت فلولكم في مثل هذا الشهر ليسمع نفس الأغاني ونفس الخطاب ونفس الأشخاص ونفس اللباس ونفس التحية ونفس اللقطات ولا يرى الكواليس وما أدراك ما الكواليس التي كانت تنبئ بالثورة على نظام مترهل تعبان أغرق البلاد في التبعية و الاستبداد. لقد فهم المواطن البسيط رغم الألم و القهر وقلة الحيلة كنه الدولة فحافظ عنها رغم ما يعانيه وصبر عن آثام الأصهار و سطوة مرغته التراب حتى قامت الثورة الهادئة فطردت مخلوعكم بأقل ثمن ممكن. لكنك لا تفهم بعد ستة سنين أن البلد أصبح غير البلد الخانع وأنّ الناس سئموا التلحيس والمناشدة وأنّ أقصى شطحات مفكري المخلوع ومناشدوه قد تعرت منذ أمد ولم يبق لهم ما يقدمونه الى هذا الشعب التواق للحرية. قال رئيس الجمهورية الحالي في أول حديث له بعد الثورة أن المخلوع "زرطى" بلغة العسكر ويستحق عقابا لذلك. فكيف تريد استقدامه استقدام الأبطال وكأن من استشهد لم يمت بل هو بين أهله و خلانه، و من جرح لم يجرح بل يمارس أعماله كعادته. كيف تريد بمجرد منبر حوار أو برنامج أو تدخل مشبوه أن تطوى صفحات مؤلمة عجزت العدالة على انصاف المستحقين الى الآن و تخلدت برقبة مخلوعكم أحكام بمئات السنين سجنا اذا اجتمعت. اعلم أن كل مستبد نجا بجلده اثر ثورة قضى باقي حياته منفيا أو تحت اقامة جبرية أو مسجونا حفاظا على نفسه وعلى البلد الذي غادره. كذلك كان حال تشيلي و رومانيا و غيرها من الدول فكيف لتونس أن تخرج عن هذا الأمر المعهود. قد يشتكي الناس حالتهم بعد الثورة والقلق الذي ألمّ بهم بعد سنوات عجاف من الانتقال الديمقراطي ولكنهم قطعا لا يرحبون بعودة المخلوع وان تعالت الأصوات لأن سياسته الفاشلة و صناديق الاقتراع المغشوشة عمّقت الجراح فافتقدوا الثقة التي لن تعود مهما أوغلت التقلبات السياسية في نسق الحياة وغيرتها. لأنهم ببساطة يملكون قدرا من سلطة القرار فهم ينتخبون و يتظاهرون و يحتجون ويعبّرون على رأيهم دون خوف ولا رعب. لقد مُنح مخلوعكم ثقة الشعب في ظرف دقيق فنال أغلب الأصوات ولكنه لم يفعل شيئا عدى اغراق الشباب في الضياع والتيه والبطالة رغم الشهائد المنهمرة كالمطر ولم يطور بنية تحتية غير تلك المناطق التي يمر منها ركبه وركب أصهاره ولم يطور آلة الانتاج بل يهب اليها ليعطلها بالاستحواذ على خيرات انتاجها. نصائح بالجملة تختصرها الأمثال العربية والعامية التي خطها الأجداد حين قالوا : "لا ينفع العقار فيما أفسده الدهر" و "لا يستقيم الظل والعود أعوج" و "ذيل الكلب حطوه مائة سنة في قصبة طلع أعوج". عزاء هذا الشعب الصبر على نعيق ونقيق هؤلاء في ظل ما منحتنا الثورة من قبول للتعدد والاختلاف السياسي والثقافي.