أبو مازن هل نجح أهل البلد في رفع كل التحديات الوطنية العاجلة والآجلة و حلّ كافة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية و تحقيق أهداف الثورة و غيرها من المفردات والمصطلحات التي لا يخلو منها خطاب الساسة والمتسلقون لسلّمهم. لماذا بتنا نصنّف اليوم هذا شهيد و ذاك لا وكأننا نمتلك علم الساعة أو أننا نصّبنا مراقبين للصراط أو حجّابا لجنّة عرضها السموات والأرض يلجها من نال رحمة الله ومغفرته. الشهادة لغة هي الاخبار ومنها الشهادة البيّنة والشهادة الزور وفي المصطلح هي الموت دون وجه حق تنكيلا أو تجويعا أو كمدا لأجل غاية سامية عادة ما ترتبط بالموطن أو الهوية أو الفكرة أو غيرها من العناوين المتصلة بحقوق الانسان. الشهيد عند الاغريق "مارتيروس" وعند اللاتين "مارتير" وفي دول أسيا الوسطى "شهيد" بنطق مختلف وعند الروس و أغلب دول الشرق الأوربي "مشنوق". الشهادة اصطلاح ينسب تكريما للانسان الذي فارق الحياة عند عديد حضارات العالم و لغاتها فتمنحه تكريما خاصا وعرفانا بالجميل ليبقى مثالا يحتذى في الوطنية والشجاعة والتضحية. أما الاسلام خاتم الأديان فقد رعا هذا الاصطلاح بالرفعة والأجر الحسن و مجاورة الأنبياء في أعلى عليين. قال الله تعالى "وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ" وقال أيضا بيانا لعلو مقامهم عند الله "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۞ فرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ۞. انّ ما قيل اثر جلسات الاستماع التي أذيعت أخيرا و ما حفّ بقضايا شهداء الثورة والاغتيالات التي تلتها من حديث و تيه في المفاهيم ونسْب للشهادة أو عدمه لأمٌر محيّر يدلّ على شحناء غريبة تسري في عروق بعض الناس من أقصى اليمين الى أقصى اليسار و ممن لم يشملهم يمين و لا يسار. بيننا أقوام يبخسون استشهاد خيارنا تحت آلة التعذيب أو غدرا بالرصاص أو بأي صورة تظهر بشاعة كامنة في شواذ يقاسموننا الهواء والماء. يستكثرون لفظ شهيد بإذن الله لمن قضى نحبه ظلما وعدوانا و كأنّ اللفظ سيكلفهم أموالا مرصودة أو عقارات أو بساتين شاسعة. هنا انقسم المجتمع أصنافا أبرزها : 1) أهل العُهر الفنّي و الاعلامي: وهم قلة قليلة ممن اشتهر من الفنانين و الاعلاميين. هؤلاء لا يتخذ رأيهم دليلا ولا حكمة لسفاهة أصابتهم منذ أمد بعيد فبعضهم اشتهر لوضاعته ولأدوار مبتذلة تقلدها أو لتدوينات تقطر حقدا و كرها لبعض اهل البلد أو جلّهم. زد على ذلك الألم الذي بات لا يفارقهم حزنا على ولي النعمة الفارّ الذي يزجي لهم العطايا و المنح. قالوا مسرحية سيئة الاخراج وقالوا بكم كيلو النضال لكن دموع الضحايا و عوائل الشهداء أصابت أهل العهر الفني و الاعلامي في مقتل فلم يعرهم المجتمع أيّ اهتمام أو تقدير. 2) الأزلام المتململون: يغيضهم تقليب الماضي وهم جزء فاعل فيه باركوا وأيدوا و ناشدوا ثم تظاهروا في كل كبوة للثورة المباركة الى أن حدثونا بحديث الندم والتوبة فلا يؤاخذنا المخلوع اذا رجع ويشفعون لنا عنده. الشهداء باذن الله قتلوا دون مقاومة ولا قتال بل أعدموا بدم بارد تحت رعاية الطب شرعي و شهود الزور وهم كثر. الأزلام يخسرون درب الثورة المضادة التي تسارعت خطاها منذ أمد غير بعيد. سوف يحملهم ذلك الى الاعتذار و لو كان كاذبا والتطبع بأخلاق الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان. 3) أطراف اليمين المتزمت الذين يخلطون مفاهيم الشهادة فيحصرونها في القتل في سبيل الله وينسون حديثا للمصطفى صلى الله عليه وسلم " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " . وقوله أيضا صلى الله عليه وسلم " الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله". لماذا اذن تستنقصون لقب الشهيد لكل من خالفكم الفكرة أو الايديولوجيا وقد اغتيل و قُتّل فتيتّم أبناؤه أتستنقصون رحمة الله التي وسعت كل شيء أو جناته التي يلجها الناس والخلائق بعطف منه. من اطلع على الغيب وعلم يقينا أن فلانا كُتب شقيا أو سعيدا في الدار الآخرة؟ تالله انكم تحاسبون الناس والله محاسبهم لا محالة فيثيبهم بالخير ان شاء وهو الغني. 4) أطراف اليسار الراديكالي الذين يصرّون على نسب الشهادة لفقيد عزيز دون غيره اعتمادا على المصطلح الكوني للشهادة في سبيل قضية عادلة قد تخالف المفهوم الديني الاسلامي. هناك تختلف الفكرتان و تضطرب المشاعر و يكثر اللغط و يلج المتطرفون من كلا الفريقين في السب والشتم والحال أن الشهداء عند ربهم في الرفيق الأعلى و هو المتفرد بالإطلاع على حالهم. لا ينسى أحدكم أنّ الأعزاء الذين افتقدهم الوطن تحت نير التعذيب و التنكيل أو في مقارعة الارهاب المجرم هم عند ربهم جميعا يحيون حياة البرزخ ينتظرون دعوة بالرحمة والمغفرة و ينتظر أهليهم و عوائلهم رعاية خاصة من الدولة والمجتمع. تلك هي المهمة الأساسية للأحياء بعد أن استفادوا من نور شمعة احترقت و أضحوا يتمرّغون في حرية و خير وليتركوا الجزاء لصاحب الجزاء تعالى وهو الرحمان الرحيم الغفور الحليم.