تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترشيداً لثورة تونس وتيمناً بها
نشر في الحوار نت يوم 10 - 01 - 2011

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين،
{وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}
فلا تركنوا، لا تركنوا، لا تركنوا، لا تنتحروا انما {سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر، أمره ونهاه، فقتله} كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم.
أيها الأهل في تونس،
اليوم تسجلون سبقاً تاريخياً أمام شعوب المنطقة وتمثلون مثالاً يحتذى في الثورة على الظلم وإرادة الحياة، يتظافر جهاد الكلمة مع العمل على التغيير غير مبالين بالخطر. اليوم يعتقل المئات ويقتل العشرات برصاص قوات "مكافحة الشعب" بأمر من رئيس عصابة مصاصي الدماء. اليوم قد إرتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 35 على أقل تقدير -وهو عدد مرشح إلى المضاعفة- منذ أن أشعل محمد البوعزيزي -رحمه الله- النار في نفسه، إلى حدود اليوم الأحد 9/1/2011. فقد اقامت قوات مكافحة الشعب المجازر وأرهبت السكان طمعاً في اخضاعهم وأنى لهم ذلك. فقد إتسع الرقع على الراتق وإفتضح قبح وجه النظام المستبد المختلس لأموال الناس وأملاكهم وإرتكب ما لا يمكن إصلاحه أبداً: الوقوع في دم المسلمين وإستباحته. وفي هذه اللحظات من ليل الأحد الإثنين 10/1/2011 تخضع الكثير من المدن إلى حصار تهدد فيه قوات مكافحة الشعب، أي إجتماع لأكثر من أربعة أشخاص بإطلاق النار. وتتوسع المواجهات إلى مدن ساحلية.
أيها الشباب المبارك، أيها الأهل الأكارم، أيها المسلمون،
إن تحديكم للمخاطر ومكافحة قوة الظلم الغاشم إن كنتم تريدون منه تحقيق مطالبكم، لا بد له من حكمة ثم شروط {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40) الحج}. ولقد لحظنا العديد من النقاط التي لا بد من التوقف عندها لتوضيحها:
ظاهرة الإنتحار:
ونحن نبارك ثورتكم وكفاحكم، فإننا نألم لكل قطرة دم تسقط. ولكن إذا إقتضى سقوطها فليكن في سبيل الله لا إنتحاراً والعياذ بالله. يقول العزيز الجبار: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} 30- 31 النساء
فإلى أي مصير يلقي بنفسه هذا الذي يحاول قتل نفسه؟ ونسأل الله الرحمة والمغفرة لمن أساء لنفسه.
ويقول الفتاح الرزاق العليم عز وجل:
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} الأنعام
فلا نقتل أنفسنا أو اولادنا من فقر أو حاجة. انما الرزاق هو الله. انما الفتاح هو الله. {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم (60)}العنكبوت
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ(3)} فاطر
فلا، ثم لا، ثم لا للإنتحار.
قيمة الشهادة في سبيل الله:
{ولا تركنوا إلى اللذين ظلموا} {قال ابن جرير عن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن أي لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم}. فكيف بكم إن رضيتم؟! وقد جعل الإسلام خير الجهاد وأفضله كلمة حق تقال لحاكم جائر ظالم: { :أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر}. ومن يمت فهو شهيد، بل وأي شهيد، إنه سيد الشهداء
{سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر، أمره ونهاه، فقتله} كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وأي أجر للشهيد:
{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} آل عمران
فإلى الشهادة، نعم، ثم نعم، ثم نعم للشهادة في سبيله.
لا للتكسير لا للتخريب:
تعمد عصابات مص الدماء من التجمع وأنصار النظام وأصحاب المصالح المرتبطة به إلى توريط الحركة الإحتجاجية وتشويهها على أمل إثارة طائفة من الشعب ضدهم وذلك بالتكسير والتهشيم والحرق المتعمد للعديد من المؤسسات حتى يتسنى لهم نقل ذلك كما فعلوا على شاشات التلفزة من أجل التحريض. وهو لمن عايش الثمانينات سيناريو قديم قد يكون ينطلي على الناس لولا وجود بوابة للمعلومات اسمها الانترنات. فقد صرح أحد الشهود وهو الحاج طه يوم الأحد بأن قوات مكافحة الشغب كانت تخلع المتاجر وتكسرها ويحسبون ذلك على المحتجين الذين لم يقوموا بغير الإحتجاج في تالة مثلاً ولكنهم جوبهوا بالرصاص الحي في بادرة يبدو أنها متعمدة لتلقين درس وإعطاء عبرة لبقية المدن.
كذلك يتسرب عناصرعصابات مص الدماء من التجمع وأنصار النظام وأصحاب المصالح المرتبطة به إلى الشبكات الإجتماعية على الأنترنات من أجل التحريض على العنف والتخريب والدفع بالحركة الإحتجاجية إلى الوقوع أكثر في الفخ القديم الجديد من أجل الإلتفاف عليها.
الحركة الإحتجاجية يجب أن تحافظ على رقيها وعلى هدفها الأساسي ألا وهو التغيير الجذري، لا تحيد عنه مهما بلغت التضحيات.
فقليل من النباهة يرحمنا ويرحمكم الله. فهذا الذي يكسر سيتم إصلاحه بأموال الشعب. ثم لا فائدة من التخريب. كل قوى الإحتجاج يجب أن تنصب نحو تليين الحاجز المادي الذي يحول بينهم وبين قلب النظام وتحصيل التغيير من أجل تحييدهم. ولم يعد بالإمكان أن تكون ثورة بيضاء بعدما أراق زعيم السراق من الدماء، ولكن يمكن الحد من أعداد الضحايا.
أغاني الراب الملتزم بقضايا الأمة:
من أهم المستجدات المواكبة للأحداث وهي من إبداع الشباب التونسي تحميل الراب قضايا الشعب التونسي التي هي نفسها قضايا الأمة والتعبير عنها من خلاله. وهو ما يغيض النظام وينظر إليه نظر المغشي عليه من الموت. فيعلم المغنون قيمة تأثيرهم في الحركة الحالية وبأنهم مسؤولون أمام الله عن أمانة الكلمة التي ائتمنهم عليها في توجيه الناس إلى الحل الصحيح لكل قضاياهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)} الأنفال. وليجعلوا غايتهم وقمة سعادتهم نيل رضوان الله فرضاء الناس غاية لا تدرك، ورضاء الله غاية الإدراك.
سب الجلالة والتفحش في القول:
هناك بعض الجهال الذين يبارزون الله بالكفر ويجاهرون بسبه جل في علاه، سبحانه، ولا شك أنهم، بتماديهم في ذلك يمثلون أكبر عالة على التونسيين وهذه الثورة المباركة وعلى المسلمين جميعاً. فهل يفلح من يكفر بالله خالق الأكوان ومقسم الأرزاق ويسبه؟! سب للجلالة منهمر في بعض مقاطع المناطق وقد منع قوم موسى المطر لوجود رجل من بين قومه يبارز الله بالمعاصي! فما بالكم بمن يسب الجلالة! استغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذا عدا الفحش في القول: "إن الله لا يحب الفحش والتفحش"!
أيها الشباب، انما النصر -إن اردتم أن تخرجوا من ذل عبودية الحديد والنار الذي يحكمكم به بن علي وحلاقته وعصابة السراق التي يقودانها- فعليكم بأول شيء لن تقوم لكم بدونه قائمة: تقوى الله والإستعانة به: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)} آل عمران
فاستغفر لذنبك أيها الشاب الذي سب وتب إلى بارئك وتطهر وعد إلى سواء الصراط لعل الله يرحمكم ويرحمنا.
الحاجة إلى العنصر السياسي التأطيري:
يبدو جلياً عفوية المظاهرات ونوعها. فهي قد نبعت من الشعب مباشرة وكانت مطلبية بالأساس وهو ما يفسر غياب العنصر السياسي عنها. ولكن معرفة بالوضع السياسي في تونس، فإن غياب العنصر السياسي قد يكون أفضل من حضوره. فالمستوى السياسي الذي عليه جميع القوى المعارضة في البلاد وإن اجتمعت فهو رديء جداً ولا يعبر عن مكنونات الشعب وما يخالجه. وهو ما يفسر تأخر غياب المبادرة السياسية فأصبح الشعب بالتالي هو من يقود الأحزاب المعارضة التي أصبحت عبئاً عليه لا تحسن حتى ترديد مطالبه. ولذلك، فإن المطالب الشعبية تسيست، ولكن هل يكفي التسييس؟ المطالب أصبحت عشوائية تتراوح بين الإطاحة بالنظام الحاكم وفتح الحوار من أجل الإستجابة لبعض المطالب. وبالتالي فإنه من الصعب في هذه الحالة إنتاج حركة سياسية بناءة يمكنها إحداث التغيير.
وجوب التغيير يبدو حتمياً ولكن قبل ذلك وجب التفطن إلى كون الأزمة أعمق من مطالب صغيرة من مثل التشغيل أو الحاجة إلى حق التعبير. فنظام بن علي نظام قائم على المحسوبية والفساد والإفساد بمحاربة مظاهر الإسلام في الحياة العامة إستجابة لعديد الأجندات الخارجية. وهو يطبق نظام رأسالمال -في أحسن الأحوال- المهتريء المتهاوي. فيأخذ من الفقير ليسد جشع الغني. وينظر إلى الرعية نظرة الأرقام والنفعية زيادة على النظرة الدونية الجاهلية لبعض جهات البلاد. فلا يقوم بالإنجازات إلا في المدن الكبرى وحيث يكون الربح أكبر. فنظرته نظرة المضارب وليس نظرة الراعي. لقد تمثلت اجراءات إصلاح نظام رأسالمال اللاخلاقي تعريفاً إبان الأزمة الإقتصادية العالمية الأخيرة في إدخال بعض القيود الإخلاقية على الممارسات والأنشطة المالية، قد أوجدوا بعضها من نظام التمويل الإسلامي. وهو ما يعد نهاية نظرية لنظام رأسالمال العفن. فهل سيشمر الشعب التونسي قاصداً الرأسمالية والناس عزوف عنها؟!
إن الله قد أنزل لعباده كتاباً فيه ما يلزمهم: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)} النحل. والنظام الإقتصادي الإسلامي ودولته دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هم البديل الوحيد والأوحد لنظام رأسالمال في العالم أجمع. فدولة الخلافة دولة رعاية "كلكم مسؤول وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته...". فلكل مسلم الحق في الرعاية الأساسية من بيت مال المسلمين. فالتعليم والصحة والمسكن من واجبات الدولة توفيرها. ولا جباية في دولة الإسلام. بل هي زكاة طاهرة على الأغنياء دون الفقراء. والمسلمون تقسم عليهم عائدات الطاقة مثلاً ف"الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار". وفي دولة الرعاية هناك ثلاث ملكيات بدل إثنين في دولة الجباية دولة السراق: الملكية عامة، الملكية الخاصة وملكية الدولة. الملكية العامة هو كل ما تكون ملكيته لجميع المسلمين. الملكية الخاصة هو ما يمتلكه الأفراد، وملكية الدولة هو ما يكون على ملكية الجهاز التنفيذي للمسلمين أي الدولة. ولكن في دولة رأسالمال دولة السراق وقطاع الطرق، هناك ملكية الدولة والملكية الخاصة ومن جشع الرأسماليين والسراق الذين هم في الحكم أنهم يستغلون خصخصة أملاك الدولة تحت ذريعة تحسين الخدمات من أجل تحويلها إلى مشاريع خاصة.
فالتغيير الحقيقي هو التغيير الذي يأتي بنظام الإسلام كاملاً إلى الحكم، ترعى به كل شؤون الحياة.
إنتهازية عناصر تدعي المعارضة وركوبها على الأحداث:
لا حديث عن المعارضة الصورية فهي تحاكي ولا زالت دور المعارضة وهو ما يجعلها شريكاً أساسياً في نظام المافيا طيلة عقود. ولكن هناك العديد من العناصر المضطهدة التي لا زالت في تونس تحت عهدة بعض السفارات الأجنبية أو التي فرت إلى خارج البلاد قد بدأت تشرئب أعناقها وتطل بأكثر تردد من خلال نافذة الأنترنات لتلقي بحبائل جديدة. فهؤلاء الأشخاص يجب أن يعلموا أن البديل الذي يبحث عنه ليس شخصاً وإنما هو نظام. ولا يتراءى إلى حد الآن من المشرئبة أعناقهم غير شخوصهم وبعض من الإنتهازية والوصولية.
البديل؟
البديل يستدل عليه تلقائياً من خلال صحته أولاً ثم من خلال مطابقته لعقائد الناس وطموحاتها وأمالها الموائمة لمبدئها الذي هو الإسلام. و"إعرف الحق تعرف أهله". الحل في دولة الرعاية دولة الخلافة وليس في دولة الجباية والسراق كدولة بن علي والطرابلسية أو التي يدعو لها بعض الإنتهازيين وما يسمونها ب"الجمهورية الثانية"، تقليد القردة لفرنسا وجمهورياتها. الحل في نظام الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة الموعودة، و"لن يخلف الله وعده". الحل في دولة الخلافة التي تحاسب الرئيس كما تحاسب المرؤوس. وتعيد لدم المسلم حرمته الذي هو أشد من حرمة الكعبة، وتعيد للإنسان قيمته التي يتمحور حولها المجتمع ونظامه، وتوزع الثروات توزيعاً عادلاً. فالناس شركاء في ثلاث "الماء والكلأ والنار" والطاقة بكل انواعها -بترول، غاز، شمس،...- تدخل تحت تصنيف النار.
الحل كما نراه ويراه أغلب الناس الذين يثورون اليوم على اوضاعهم هو في الإسلام وليس في الإسلاميين. الحل في الخلافة الإسلامية التي هي وعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولن يخلف الله وعده. وكل مسلم، كل مسلم، معني بإسمه بالعمل الجاد والمتواصل لإيجاد دولة الرعاية دولة الخلافة الراشدة.
فإلى البديل الجدي والتغيير الجذري ندعوكم أيها الأهل، إلى دولة الخلافة هلموا. حي على الفلاح في الدنيا والآخرة.
خالد زروان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.