يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة اعتذار و طلب صفح الى الحكماء الذين قاموا بمعاينة و تشريح الشّهيدين فيصل بركات و رشيد الشّمّاخي
نشر في باب نات يوم 07 - 12 - 2016


خالد مبارك
أيّها الأطبّاء التّونسيّون الأفاضل ،
صدر إذن قرار ختم البحث في قضية الشّهيد فيصل بركات بعد خمس سنين من التّقاضي . وها هو موظّفٌ آخر يضعُكم محلّ اتهام ويزجّ بكم في قائمة أساطين الإجرام و جلاوزة التّعذيب الذين سوف يتوهّمون أن يهوِّنَ عليهم وجودُكم بينهم مُصابَهم بما كسبتْ أيديهم، لأنّ المصيبة ، كما يقال ، إذا عمّت خفّت ... على أنّ هذا لا يمنع القاضي المعنيّ من أن يؤسِّسَ التّهمَ الموجّهة الى الجلاّدين على عمَلِكم وعَنَتِكم ثمّ هويُشيدُ بكم لما أنَرْتُم به العدالةَ من عِلْمكم و خبرتكم . فلم تعدْ التّهمُ الموجّهةُ إليكم "المشاركة في التّعذيب والتزوير و الإدلاء بشهادة طبّيّة مزورة بمقابل (هكذا ! )" كما هو مكتوب بدون أدنى حياء في قرار الإتّهام ، بل صارتْ التّهمة "عدم ذِكْر التعذيب بلفْظه" أسْود على أبيض ، ممّا مكّن الجُناة حسب هذه النّظرية الفلسفية من الإفلات من المساءلة سنين طوال و بقوا بذلك في مأمن من عدالة الجنرال بن علي ... ومن حقّكم والحالة تلك أن تسألوا من جاء بهذه الدّعوى الفريدة أين كان في اللّيلة الفاصلة بين 8 أكتوبر 1991 و 14 جانفي 2011 .
ايها الدكاترة الأكارم ،
ما كنت أتصوّر يوما حتّى في أشدّ الكوابيس أن يصيبَكم منّي أو بسببي مكروه بهذه الفداحة و بِطول هذه المدّة ولا زلتم تَأْلمون منها الى يومنا هذا . سُجنتم و انتُهكت حرْمتكم و طُعِن في شرفكم المهنيّ و الشّخصي وأُصِبْتم في نفسيّاتكم و في أبدانكم جرّاء سلوكات لاعقلانيّة تخريبية لبعض أقارب الشّهيدين من جهة، ودسائس المجرمين القتلة المتحصّنين بالفرار والمحتمين بجهاز الدّولة من جهة أخرى، في تحالف موضوعيّ جهنّمي يهدف إلى أن يجعلكم أكباش فداء باعتباركم الحلقة الأضعف في عالم الإجرام الذي فضحْتم فِعالَه بمجرّد أداء واجبكم المهني،لأنّكم أطبّاء الصّحّة العمومية و لايحقّ لكم رفض إجراء التشريح إذا طُلِب منكم حسب الصّيغ القانونية ، في حين كان بإمكانكم من زمان الفرار إلى القطاع الخاصّ و جمع ثروات لا تُقارن...
هذا و أنتم لسْتم مناضلين سياسيين و لا تمارسون النشاط الحزبي ولا الجمعياتي و سمعتكم نظيفة في وجدان مرضاكم ولدى الرأي العام في الوطن القبلي و في الأوساط الأكاديمية الطّبية وعند طلبتكم و زملائكم و قبل هؤلاء جميعا عند نظام الحكم السّابق الذي لم يجرُؤْ أبدا على أن يطلب منكم خدمة صغيرة تفُكّون بها الطّوق الذي ربطه الشّهيد على عنق الحاكم بأمره الى اليوم .
بهذا المعنى فإنّ عهد الثّورة قد نال منكم ما لم يستطعه نظام الجلاّدين وهذه وصمة لتونس لا تمّحي .
لذلك و بعد أن زالت الموانع بصدور قرارَي ختم البحث و تغيُّرِ المشهد السّياسي ، فإنّي سعيد أن أهديكما هذه الصّورة التّذكارية التي جمعتكما وحرَمَيْكما بالدّكتور محمد المنصف المرزوقي في لقاء بقصر الجمهورية بقرطاج حرِصْنا على أن لا نُعلنه ما دامت القضية في طور البحث و لكنّنا كنّا نعرف الحقيقة.
لذلك فأنا أشهد لكم اليوم ، أيّها الحكماء ، أن لا و جود إطلاقا لأيّ شيء اسمه "قضية الشّهيدين" دون العمل الطّبّي الممتاز الذي تمكّنت به من إقامة الحجّةَ على الجلاّدين وعلى كبيرهم . لكنّي أيضا ، بسبب غول التّعذيب الماسك بأحشاء الدّولة و تصرّفات بعض أقارب الشّهيدين ، فتحْتُ عليكم بابًا للمتاعب لا يزال مُشْرَعًا من نظام عدليّ غريب الأطوار حتى لا أقول أكثرمن ذلك في الوقت الحاضر.
وأنا أحيّي صبْركم وثقتَكم بأنفسكم و ابتعادكم عن الدّخول في مهاترات يستغلّها الجهلة و القتلة والسُّذُّج لإظهاركم بمظهر المدافع الضّعيف أو الخائف . وإنّي أرجوكم مخلصا البقاء عاليا فوق المعمعة وأن تتركوا عِلْمَكم و شجاعتكم و خلُقكم تنبئ عنكم زمنَ كان الطّبُّ التّونسي خانعا وربّما مازال كذلك أو أكثر ; "آبوليتيك" كما يحلو للبعض أن يتشدّق ، حيث واجهتم وصمدْتم أمام عبد الله القلاّل كأتعس الوجوه البنعليّة و أكثرها إجراما على الإطلاق ولا بدّ أن تستيقظ ضمائر زملاءَ كثْرٍ في النّقابة و العمادة و في أوساط مناهضة التّعذيب و خاصّة تلك التي أمضت سنوات تتبنّى عملكم و تبني عليه و تتّخذه مضرب مثل ثمّ هي تبدي تميّعا ولامبالاة ظالمة وغير مفهومة ولا مقبولة عندما يتجرّأ عليكم من لا يَعقِل فنَّكم أوهو يعرفه و يستنقصه لإضعاف سلطتكم المعنوية و إسقاط اختباراتكم المُدينة لمحترفي التعذيب و القتل وذلك من أهمّ أسباب الهجوم عليكم منذ 2011 .
لذلك فعند مجيئ الدّكتور درّيك باوندر لمتابعة إخراج رفاة فيصل كممثّلٍ للشّاكي و للعائلة ، كانت ثاني وجهة يمّم شطرها الأستاذ الخبير، بعد زيارته للخالة خيرة في بيت الشّهيد بمنزل بوزلفى ، هي بيتُكَ د. الصادق ساسي في نابل ، حيث كان لي عظيم شرف حضور لقاء القمّة ذاك بين من أخذ الصّورة و من نشرها للعالمِين بعد اثنين و عشرين عاما من تلك الوقائع . ومن الغد كان ضيف تونس عند رئيس الجمهورية آنذاك الدّكتور منصف المرزوقي الذي كان يتابع معي القضية في جنيف منذ انطلاقها .
عندما سلّمني المرحوم الهادي بركات والد فيصل ، المتوفّى في مثل هذا الشّهر من سنة 1995، نسخةَ من ذلك التّشريح الطبّي التّاريخي بُعَيْد حصول الجريمة ، خطرلي احتمالُ أن يستهدفَكم بن علي و زبانيته كما كان يمكن أن يستهدفوا أهلي لو أخرجت تلك القرينة الدّامغة الى النّاس و قد نكّلوا فعليّا بالشّهود الذين ذكرْتُهم و قد كنتُ وعدت نفسي واللّجنة الأممية ، التي شكوْت اليها ما أصابهم و ساءَلَتِ المندوب التّونسي غير ما مرّة ، بأن أتوسّلَ عفْوَهُم هم أيضا حال ما يتيسّر ذلك وقد فعلت.
لكنّي رغم كلّ المخاوف حينها قرّرت المضيّ قُدما في كشف الواقع المفزع الذي عاينْته في المجتمع و في السّجن و الذي كان تقريرُكم شاهدَ إدانة له و هي إدانة لا يمكن لأحدٍ تنسيبَها. فلمّا بلغني نبأ سَجْنكم و كنت بصدد دراسة الأرشيف المتعلّق بالقضيّة في رئاسة الجمهوريّة ، أدركت أنّ هنالك مسعى خبيثا لكسر الطّوق عن المجرمين بالهجوم على الأطبّاء وهم شهود الإدانة الوحيدون . و بقدر ما كنت أدرك فداحة التّحوّل في طبيعة القضية من التعذيب الى الأخطاء الطّبّية بقدرما كنت أستفظع الإستراتيجية المُبتَكَرة لتنفيذ "السيناريو" الذي أفردْتُ به قاضي التحقيق على أساس أنّه على حسن نيّة و تعشّمت أن يقوم ببحثه حسب الأصول بهدف وحيد هو الحقيقة و لا شيء غيرها .
السيناريو أيّها السّادة المحترمين هو خطّة دقيقة وضعها أعوان الجنرال بن علي بتوجيهه و إشرافه المباشر، أنشرها اليوم على باب النّات ليكون الرّأي العام التّونسي و الدّولي المعني بالموضوع على نفس مستوى الإطّلاع الذي حرصتُ أن يبقى للقاضي وحده طيلة مدّة التحقيق .
السيناريو هو اعتمادٌ نهائي لمقولة حادث المرور المتبوع بالفرار ومراحل فرض تلك المقولة مُثْبَتة بأدلّةٍ سوف يجري إعدادها أوّلا بأوّل كابتداع الوقائع المادّيّة للحادث الموهوم و الوثائق الإدارية المصاحبة (برقيات الإعلام ، محضر البحث ، وثائق التخابر مع مصالح الهاتف...) و الشكوى التي يرفعها الوالد هادي بركات (الذي استغلّوا ضعفه ليستعمروا إرادتة استعمارا) ، ثمّ تنظيم المحاكمة التي حدّدوا تواريخها لتنسجم مع تواريخ انعقاد الدّورات نصف السّنوية للجنة مناهضة التّعذيب ومع توقّع احتمال ما يمكن أن أردّ به على أطروحاتهم...
السيناريو أيّها الدّكاترة النّزهاء هو تداول سلطات الدّولة ، من رئاسة الجمهورية الى وزارات السّيادة كافّة وسفارات بالخارج ، بقيادة رئيس الدّولة بذات نفسه في برنامجِ إخفاءِ جريمة والإيهام بأخرى و محْو أدلّة و تزوير شهادات . السّيناريو هو إجرام الدّولة كممارسة إدارية مُقَنّنة . السّيناريو هو الحمض النّووي (ADN) لدولة التّعذيب التي أسميتُها ، بهذا التّوصيف ، "التورسيوقراطية" أو حُكم الجلاّدين الذي يعشّش بالكتمان و الصمت و الخوف و الصّغارة والتّملّق و سواها من ضروب ازدواج الشّخصيّة للمجتمع بكامله. ولذلك فإنّ المرْسَل إليه الختاميّ لهذه الوثائق هي محكمة الجنايات الدّولية أو ما يعادلها، ولو بعد حين...
ولكنّ هذه الآلة المُحكمة وقَعَت فيها ، بتقرير د. الصّاق ساسي ، قطعةُ هَشيمٍ لم تكترثْ لها الدّولة لفرط اعتدادها بمطلق سلطانها فصارت الآلة عند مُقارعَتي لها على درجة من الإرتباك جعلتها كلّما تبادلنا الرّسائل كلّما زاد غرقها في تناقضاتها التي أوصلتْها الى حافّة القطيعة الدّبلماسية مع اللّجنة الأمميّة التي حكمَتْ في شكايتي بعد خمس سنوات من النّقاش . تلك القشّة التي تفطّنْت إليها في حينها فوضَعْتها تحت مجهر منظّمة العفو الدّولية التي أدخلَتْها الى مُختبر الأستاذ ديرّيك باوندر الذي بدوره أخرج لنا من المعطيات الطّبّيّة شريطا وثائقيّا عن ساعات التّعذيب التي قاساها الطّالب الأعزل قبل أن تُمسِكَ روحُه الطّاهرة بالجنرال بن علي من ربطة عنقه منذ ذلك الحين ألى اللّحظة التي تقرؤون فيها هذه الأسطر ...
فأنتم إذن أيّها الدّكاترة قُمتم بالواجب في حينه كما أثبته الخبراء الثّلاثة الذين درسوا و ثيقتكم و خلُصوا إلى نفس الإستنتاجات التي ذهب إليها زميلهم السكتلندي (POUNDER)دون أن يتشاوروا بينهم أبدا في الأمر. ولذلك فقد صار إنجازكم هذا الذي فرضتموه فرْضا على سلطة الحاكم بأمره في البلاد آنذاك ،من الأدلّة الجارية و مضرب المثل في ما أسمَتْه مسؤولة منظّمة العفو الدّولية حسيبة حاج صحراوي "الدّور الحيوي(rôle crucial) الذي يستطيع أن يلعبَه الأطبّاء الشّرعيون في التّحقيقات حول قضايا التّعذيب ." (أنظر الرّابط)
https://www.amnesty.be/je-veux-m-informer/actualites/article/tunisie-justice-doit-etre-rendue
ولقد بيّنت الأحداث كم كان تصرُّفكَ د. صادق ساسي ، من الحكمة و الذّكاء بحيث يفرض على الأجلاف أن تكون الإجراءات سليمة وخاصّة من حيث توفير التّسخير القانوني و تكليف طبيب آخر للقيام بالتشريح ، ممّا غلَّ أيدي الآثمين و جعلهم في القضيتين يعوّلون على الغافلين والمُغفّلين ليصدّقوهم ولا يقْدِرون على شيء أمام حُجّتكما أنت و د. عبد السّتّار حلاّب في أنّه من المحال الإقتراب من وثيقة التّشريح بعد أن تمّ تحريرها و إمضاؤها .
ولذلك فقد سحبْت النّظر منذ مدّة عن مطالبة العمادة أو الأوساط الطّبّية الدّولية بأن تعقد لجنة شرف مهنيّة تنظر في كلّ الجوانب التقنية و العلمية . ذلك أنّه لا يمكن ان توجد لجنة أصدق و لا أعدل و لا أشرف من رباعي الدّكاترة السكتلنديَيْن باوندر POUNDER و نايت KNIGHTو الفرنسي فورنيي FOURNIER و الدّنمركي THOMSENطومسن .
والأمر أوضح في قضية الشّهيد رشيد الشّمّاخي ،حيث أنّ السّلطة المغرورة دوما زمن الصادق شعبان أجابت العفو الدّولية التي أخضعتْها للسّؤال في حينه كما فعلت قبل 20 يوما مع فيصل ، بأنّ الشّابّ مات بسبب "قصور كِلَويٍّ حادٍّ " حسب ما ورد في تقرير التّشريح للدّكتورين بعينهما أي الثّنائي ساسي/حلاّبو هما يعودان إلى نظام الحكم كلعْنة سماويّة يجلبها على نفسه بنفسه. فردّت المنظمة بعد استشارة الطّبيب بأنّها تودّ مدّها بالتقريرالمذكور كاملا حيث اشتكت بعد ذلك من أنه لم يُسلَّمْ إليها أبدا رغم الطلبات المتكرّرة . ثم انقطع أثر تلك الوثيقة من الوجود الى أواخر 2012 عندما استدعى القاضي د. صادق ساسي لاستجوابه وكان يبدو مًجيَّشا ضدّه بأفكار مسبقة وإدانة ناجزة، حيث تحدّى القاضي مخاطِبه أن يأتيه بالتسخير القانوني وبتقرير التّشريح اللّذين صرّح المُستَجوَب أنّهما بحوزته و هما الوثيقتان اللّتان تُبعدان قضيّة الشّهيد عريس الشّهرين عن العدم الذي كان يتهدّدها .
و فعلا سلّم د. سضيثن ساسي الوثيقتين الى القاضي الذي اشتكى من أنّه لا أثر لملفّ الضّحيّة بما فيه التّشريح ... فما كان من موظّف العدليّة إلاّ أن اغتنم أقرب فرصة لإرسال الطّبيب الى... السّجن بعد إذ كنت جلست إليه مطوّلا طالبا الإستماع إلى أقوالي كمواطن متابع للقضيّة عن قرب منذ انطلاقها كما أرسلت إليه نسخة من ملفّ الشّهيد الذي وجدته في أرشيف رئاسة الجمهورية عن طريق السيد وزير العدل ... مرّة أخرى تجد السّلطة نفسها مُكبَّلة بتقرير لم يظهر منه للعموم إلاّ نصف سطر و بيّنت بقيته أن ّ الشّاب المظلوم حُرِّق تحريقا بألوان العذاب السّديّة ولكنّه صمد للموت حتى وصوله مستشفى نابل حيث استقبله وأسعفه و سجّل قياساته الحيوية طبيب الدّوام علي عياد قبل أن يحيله الى السيونفيل بعد أن أخطر الطّبيب المختص المداوم جمال الدّين سويلم الذي امتنع عن التنقّل اليه حتّى الصّباح حيث وجده قد أسلم الرّوح فحرّر فيه تقريرا بعد الوفاة ، حسب تصريحات صحفيّة أدلى بها د. سويلم نفسه .
و بما أنّني أتحدّث عنك سيّدي د. علي عيّاد ، يهمّني هنا أن أتوجّه إليك و إلى عائلتك بأصدق اعتذاراتي على ما لحِقَك من آلام وعذابات السّجن لأنّني سبّبتها لك بتمكين القاضي من وثائق من أرشيف رئاسة الجمهورية كنتُ اطّلعْتُ عليها وهي متناسقة تماما مع نتيجة التشريح الذي أجراه الثنائي ساسي /حلاّب و لا أدري الى اليوم لماذا أمر موظّف العدليّة بك أن تُسْجن وقتها ثمّ سَحَب اسمَك من القضيّة أصلا ، ولوأنّه قام بعد ذلك أيضا بسحب الدّكتورين ساسي وحلاّب من قائمة المتّهمين وثمّن عملَهما في سبيل إظهار الحقيقة في تقريره لختم البحث... وهذا بالتّأكيد عودة الى الفضيلة تُحسب له .
مع العلم أنّه في نفس الفترة حصل ما قيل إنّه فرار من مكتب القاضي من طرف العقيد عبد الفتاح الأديب، فصار الجلاّد حرّا والخبير-شاهِدُ الإثبات سجينا و بدأ بذلك يكتمل سيناريو قلب الطّاولة بتكتيك دفع الأطبّاء الى موقع الإدانة كما كنتُ توقَّعْته تماما وكما كان خَطَّط له الصّادق شعبان منذ يوم 16 أكتوبر 1992 . إلاّ أنّ منظّمة العفو الدّولية أطبقت على السّلطة بتلك الجملة العجيبة التي زرعْتَها، سيّدي الدكتورالصّادق ساسي ، في خاتمة تشريحك للضّحية رشيد : "قصور كلويّ حاد"، فأطلقَتْ "نداءا طبّيّا"médical Appel و هو أسلوب تدخّل سريع تلجأ إليه المنظّمة عندما تكون أمام حالة فيها بُعْدٌ طبّيّ واضح يمكن أن يكون محدِّدا في إثبات الجريمة . وطلبَتْ المنظّمة من منخرطيها ، "خاصّة إذا كنتَ طبيبا" ، كما أهابت بهم ، أن يسألوا الحكومة كيف يمكن أن تتوقّف الكِلَى عن العمل فجأة عند شابّ يتمتع بصحة جيّدة وليست له سوابق صحّية ؟ عندها نشرَت الحكومة بلاغا كارثيّا عن طريق وكالة الإتّصال الخارجي تعلن فيه أنّ الشّهيد مات "بقصور كلوي قديم لم يُعالَجْ " كي تستقيم فرضيّة الموت من فشل كلوي ولكنّ السّلطة كانت بذلك قد كذبت مرّتين .
سادتي الدّكاترة المبجّلين ،
إنّي إذ أشدّ على أياديكم وأثمّن تفهّمكم لموقفي اليوم و أنتم تُستهدَفون و الأمس وأنا "أُورِّطُكم" في ما لم يكن ممكنا أن أستشيركم فيه ، أؤكد لكم أنّي قضيت عشريتين و نيّفا أقارع صقور بن علي و أشدَّهم على الشعب وأوقعت بهم الإدانة الدّولية لتبنّيهم "ثقافة التّعذيب" التي رفعْتُ عنها الغطاء و التي ندّدَتْ بها اللجنة الأممية لمناهضة التّعذيب و طيف واسع من الرّأي العام الدّولي.
إلاّ أنّ التعامل مع هؤلاء كان أرحم ألف مرة من التّعامل مع بعض أقارب الشّهيدين ممّن اتّخذوا مواقف غير محسوبة ونهشوا اليد التي امتدّت لتنقذ قضيتهم من الزّوال و أدخلوا هذه القضيّة العادلة في مداخل غامضة و ربّما أحيانا مشبوهة و حسابات خفيّة تفضي الى اجهاضها حتما و فتح الطريق الى سقوط الحقوق والإفلات من العقاب.أمّا المتطفّلين على القضيّة و خاصّة عندما يصرّون و هم على حسن نيّة فهم أثقلُ حِملٍ علينا وعليها . نسأل لهؤلاء و أولئك جميعا من الله الهداية .
أيّها الحكماء الأخيار ،
عندما ينتهي كلّ شيء ويطوي الزّمن كلّ هذه الوقائع سوف لن يبقَ إلاّ ما أنجزناه سويّا فارفعوا رؤوسكم و انظروا في عين عدوّكم و لا تبالوا بخذلان من تعتبرونه صديقكم . سوف يأتي يوم قريب تكرمكم فيه تونس الخير على أن قدّرها اللّه لتنجبكم .
أخوكم محبّ الشّهيدين الذي يرجو رحمة اللّه و صَفْحَكم :
خالد مبارك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.