بقلم: شكري بن عيسى (*) خلال 23 سنة، اي طيلة حكم بن علي، "كنت محراث خدمة".. اما اليوم ف"أنا بطّال". كانت هذه أبرز رسالة تم تقسيمها على جزئين، ليبرز احد اذرعة نظام الدكتاتورية والفساد انه لا يملك اليوم أي "فلس" ليطالبه به الشعب والدولة، وقبل ذلك واساسا ليرسّخ فكرة انه اكتسب كل امواله ب"كفاءته" و"اجتهاده"، ولم يكن بحال مجرما ينهب اموال الوطن افسد البلاد وخرّب الحياة السياسية والاقتصادية وتسبب مع منظومة الاستبداد في مآسي البلاد والشعب، "خطأه" الوحيد انه كان "صهر الرئيس"، واليوم بكل وقاحة هو من يطلب استرجاع "حقوقه". قوّة اتصالية رهيبة، من ثعلب ماكر صنع ثروة بعشرات مليارات الدنانير بطريقة السطو والنهب، مرّر بدراية ودهاء كبير رسائل متعددة مسمومة، وحقق في بلاتو غير متوازن ولا يستجيب للمستوجبات الاعلامية، كثير من الاهداف خاصة وانه تم تمكينه من الاسترسال في الكلام لعشرات الدقائق، وصياغة مقدمة طويلة وخاتمة مدروسة، مع "جينيريك" للحوار موضّب سلفا من القناة بلحن حزين لاغنية ام كلثوم "وقسوة التنهيد.. والوحده والتسهيد.. لسه ما همش بعيد.. وعايزنا نرجع زي زمان.. قول للزمان ارجع يا زمان.." لاستثارة العواطف، ما يطرح عشرات الاستفهامات حول حياد القناة ونزاهتها المالية في الخصوص، خاصة وانها اعدت بالتوازي حصة كاملة لفائدة عائلة الطرابلسية. "وان مان شو" مارسه صهر المخلوع الفار على اغلب توقيت "الحوار" المباشر الذي دام لما يزيد عن ساعتين ونصف، مع "اسئلة" استفسارية توضيحية لا احراج ولا مواجهة ومحاججة تذكر فيها، أغلبها كانت تسهيلية مع ابراز التأثر "الواضح" ل"المنشط" و"الكرونوكير"، والمقدمة والخاتمة لعبت على العواطف لتقمص دور "الضحية" التي انتهكت حقوقها بعمق، وخطاب النهاية كان للاخوة والعائلة برسالة "شد الازر" بأن ما حصل "ابتلاء"، في ثلاث رسائل ماكرة منها اثنتين لاستدرار استعطاف "عميد المحامين" السبسي و"الشيخ" الغنوشي بان لا يسمحوا باستمرار "المظلمة" عليه. احدى يخوت بلحسن ونفس الشيء ولكن بطريقة اخرى بالنسبة لخطاب "الدخلة" بمقارنة مع الشهادة العلنية لاحد ضحايا الحوض المنجمي في هيئة الحقيقة والكرامة، واظهار ما تعرض له اخوته من ادعاء اظطهاد وحتى قتل وعنصرية وحرق منازل وحرق قبر امه، معرّجا على ابنته وحالتها "النفسية" التي قال انها حُرمت من التسجيل في الجامعة في كندا بعد نجاحها المتميز، والسبب هو التهم الملاحقة لوالدها. والاعداد يبدو انه كان محترفا بالاضافة لقدرات المعني في الخداع والمكر، والتركيز على لعب دور الضحية باستثارة العواطف حول الابناء والاخوة والتنكيل المزعوم، كان مبرمجا بدهاء عالي لتمرير كل المضامين ولتحقيق الغاية المنشودة من الظهور، وفي النهاية خرج "بطلا" يستحق "التعاطف" ويستأهل "الاعتذار" من الدولة التي "اهانتهم"، فالرجل خسر "ممتلكاته" و"ثروته" وصودرت "منجزاته"، بعد ان تم اسقاط نظام بن علي عبر "التآمر" بين قيادات الجيش والحرس الرئاسي و"البات"، مثلما اراد ان يسوّق كذبا. احدى يخوت بلحسن اعتماد المنطق السردي بشكل كثيف ومركّز، كان الهدف منه خلق حالة تاثر لدى المتلقي لتمرير المغالطات بعناية، اما الهجوم على رشيد عمار والطرهوني وسيك سالم والسرياطي، فلابراز خيانتهم الاخلاقية والمهنية لصهره وللنظام، قصد اخراج العائلة والنظام في وضع الشرعية، وكسب مشاعر وشفقة وسند المتفرج (المستمع في الحقيقة)، والحبك الروائي كان عاليا من مجرم تلاحقه عشرات القضايا الخطيرة والاحكام القضائية، "برع" في رفع كل خطأ عن نفسه بدرجة اساسية وعلى رموز الفساد في عائلته والمنظومة الحاكمة. تشكيك في القضاء وتشكيك في العدالة الانتقالية، وتفصي كامل من المسؤولية الجزائية والسياسية والاخلاقية، وتوجيه الادانة للغير دون حياء، ورفض للعودة ووضع نفسه على ذمة العدالة، والمراوغة بطلب لجنة تحقيق مكونة من خبراء لتعويم القضية الاساسية، ولطمس الجرائم التي لا تستحق اصلا اثباتا، بل ان اندلاع الثورة وشعار "لا لا للطرابلسية اللي نهبو الميزانية" اكبر ادانة في الصدد، واللعب اليوم واضح على مشروع قانون "المصالحة الاقتصادية" الذي اعيد اثارته الاسبوع المنقضي، والهدف للتستر على الاموال المنهوبة المهربة التي لم يقع التركيز عليها في "حوار" شركاء الماضي في "كاكتوس" (بن غربية) وفي النظام (بسيس). أنكر حتى اعداده لقائمة المناشدة (65 شخصية "وطنية") ، ولو انه اقر بجلبه مجموعة المناشدين من "الاصدقاء المقربين" مثل فتحي المولدي (صاحب مقولة لحمي قشعر) وهند صبري، ورمى بحملها على على المرحوم بن ضياء، والمهم انه ذكرنا بهذه القائمة التي كانت احدى المحطات السوداء في التاريخ الوطني، بها تم العمل على توطيد اركان الاستبداد ممن يدعون صفة "النخب"، وانكر سطوه الصارخ على التلفزة الوطنية عبر شركة انتاجه "كاكتوس"، كما انكر سطوه على عقارات الدولة والخواص وتحويلها لمقاسم صالحة للبناء، ولم يقر باي تجاوز او جريمة واراد اظهار نفسه وعائلته في المحصلة في موقع "كبش الفداء". في الذكرى السادسة للثورة في الوقت الذي تنتشر فيه الاحتجاجات في الجهات التي لم تغنم من الثورة سوى مزيد التهميش، حتى المكسب الوحيد المتمثل في حرية التعبير يتم تجريفه بقوة عبر هيمنة لوبيات الفساد على وسائل الاعلام، ويتم اجتياح البلاطوات برموز الفساد في التنشيط والتحليل، وبكل صفاقة تظهر تباعا العائلات النافذة في منظومة الفساد، من شيبوب الى صخر الماطري واليوم بلحسن بتعال وخداع ماكر، مدلّسا للحقيقة ومزوّرا للواقع وللتاريخ، متنكرا لفظاعات حقبة كاملة، ولم يبق له في النهاية الا طلب اعتذار الشعب!! (*) قانوني وناشط حقوقي