بين حكومة ابو مازن وحركتي المقاومة الاسلامية حماس والجهاد الاسلامي، وانما ارهابا نفسيا للحركتين لاجبارهما علي وقف كل اعمال المقاومة المسلحة دون تلبية اي من مطالبهما المشروعة في الافراج عن الاسري، ووقف كل عمليات الاغتيال ضد المدنيين. فالمشكلة لم تعد في الاحتلال الاسرائيلي ولا مشاريعه الاستيطانية المتواصلة، كما انها ليست في الحصار الخانق والعقوبات الجماعية، وانما المشكلة اصبحت حركة حماس . ولهذا تتوجه كل الضغوط الفلسطينية الرسمية والعربية لتطويعها، ونزع هويتها الوطنية الاساسية التي تستمد منها شرعية وجودها اي المقاومة المسلحة. الوفد الامني المصري الذي يزور قطاع غزة، ويشارك في الضغط علي حماس والجهاد الاسلامي يقول انه لا يملك اي ضمانات، ويطالب بهدنة مفتوحة لمدة ستة اشهر، وتسأل ما هو المقابل، يرد رئيس الوفد، نائب رئيس المخابرات العامة المصري بالقول لا مقابل غير وقف عمليات الاغتيال الاسرائيلية لنشطاء المقاومة. وتسأل مرة اخري: ماذا عن الاسري، وهناك أحد عشر ألف أسير منهم، يرد مرة اخري بان عليك التنفيذ ووقف اعمال المقاومة، وبعد ذلك لكل حادث حديث. الفلسطينيون سيدفعون الثمن في الحالين، فاذا نجح الحوار، وتحولت حركة حماس الي جمعية لتحفيظ القرآن، وألقت السلاح جانباً، فان هذا يعني انتصاراً لشارون وسياسة العصا الغليظة التي اتبعها، مثلما يعني ايضاً وقف الانتفاضة، ودون اي ضمانات بالتجاوب مع المطالب الفلسطينية، اما اذا فشل الحوار، فان هذا يعني ان الفلسطينيين هم الذين افشلوا خريطة الطريق، واصروا علي الارهاب وعليهم ان يتحملوا النتائج. والاخطر من كل هذا عملية الخداع العلنية التي تمارس حالياً علي الشعب الفلسطيني، ويساهم فيها بعض المسؤولين الفلسطينيين ببراعة غير عادية بهدف تسويق الشروط الاسرائيلية الامريكية. فالقول بان اسرائيل مستعدة للانسحاب من قطاع غزة مقابل قبول حماس بالهدنة ينطوي علي مغالطة كبري، لان القوات الاسرائيلية لا تحتل قطاع غزة، بل جزءا صغيرا لا تتجاوز مساحته عشرة كيلومترات مربعة في طرفه الشمالي، وبالتحديد في منطقة بيت حانون، وبهدف منع اطلاق صواريخ القسام البدائية علي المستوطنات الاسرائيلية في سدروت الواقعة قرب الحدود. البداية اعلان هدنة، ثم تسليح الامن الفلسطيني واعادة بناء مقراته وتعزيز قدراته القمعية، وبعد ذلك تبدأ عملية نزع اسلحة حركتي حماس والجهاد الاسلامي، واحكام القبضة علي عناصرهما، ويكون حالنا مثل الذي خرج من المولد بلا حمص. فلا افراج عن الاسري، بل اضافة آلاف جديدة منهم، ولكن في السجون الفلسطينية. فعندما تطلب حكومة ابو ماون 400 مليون دولار من الاتحاد الاوروبي لاعادة بناء قواتها واجهزتها الامنية، فان هذه الاموال ستنفق علي بناء سجون ومعتقلات جديدة، وشراء اجهزة تعذيب متقدمة، وادوات جديدة لقمع المظاهرات. هذا الارهاب الذي يمارس علي حماس والجهاد الاسلامي من اطراف دولية وعربية لم يأت من فراغ، وانما بسبب التأثير المدمر لعمليات الحركتين علي الدولة العبرية. فالهدف هو انقاذ شارون من ورطته الامنية والاقتصادية، واحداث الانقسام في صفوف الشعب الفلسطيني. نقطة التحول الرئيسية التي ارعبت شارون وانصاره في الادارة الامريكية هي العملية الثلاثية المشتركة التي نفذتها ثلاثة فصائل (حماس والجهاد وشهداء الاقصي) عند حاجز ايريز شمال قطاع غزة بعد يومين من قمة العقبة، واسفرت عن مقتل اربعة جنود اسرائيليين. هذه العملية جسدت الوحدة الوطنية الفلسطينية مثلما اكدت دخول تنظيم فتح بقوة الي واجهة المواجهة. والمقصود هنا فتح ياسر عرفات في مواجهة فتح ابو مازن . فالرئيس الفلسطيني اراد توجيه رسالة الي واشنطن وتل ابيب والقاهرة، بانه ما زال قادراً علي تخريب ما يمكن تخريبه طالما انه ما زال معزولاً ومهمشاً. ابو مازن ادرك انه لا يستطيع نزع اسلحة حماس والجهاد، والدخول في مواجهة معهما دون غطاء حطة ياسر عرفات، ولهذا، وبعد العملية الثلاثية، والعملية الاستشهادية التي تلتها في حافلة القدسالغربية، عاد الي جادة الصواب، وتحول في غمضة عين، من بديل الي موظف يجلس الي يمين الزعيم اثناء الاجتماعات الاخيرة لمجلس الامن القومي الفلسطيني الذي جري تشكيله علي عجل ليكون موازياً، وحاضنة اكبر لوزارة الداخلية الفلسطينية. الحوار لن ينجح لانه جاء املاء لشروط شارون، ولانه حوار ينطلق من قاعدة خاطئة وهي التسليم بانتصار سياسة القبضة الحديدية التي مارسها ويمارسها حاليا، انه حوار يأتي من فوق، ويريد اقناع حركتي حماس و الجهاد بانهما هزمتا في هذه المواجهات، وعليهما الفوز من الجمل باذنه فقط، ويكفي ان تنجو قيادتهما بارواحها فقط، وهذا تنازل كبير من شارون. نحن لا نعتقد ان قادة حماس و الجهاد يؤثرون السلامة، والا لما اختاروا طريق المقاومة والفداء. والامر ليس بحاجة الي وساطة ووسطاء وحوارات مهرجانية تلفزيونية، فيكفي ان يوقفا المقاومة، واعلان التخلي عن العمليات الاستشهادية، والتحول الي اعمال الخير لكي تتوقف سياسة الاغتيالات التي يمارسها شارون. القضية الفلسطينية لم تكن ابداً قضية امنية، وانما قضية سياسية، قضية شعب محروم من ابسط حقوقه في العيش الكريم علي ترابه الوطني. ومن المؤسف ان هناك من يحاول تقزيمها. فاذا كانت السلطة حريصة علي اعادة بناء اجهزتها الامنية فعلا، فان هناك أولويات اخري اكثر اهمية من قمع الانتفاضة والقضاء علي طابعها العسكري وترويض المعارضة. هناك ظاهرة العملاء التي مكنت شارون من اصطياد صفوة هذه الامة واغتيالهم بدم بارد. هناك وباء المخدرات والجريمة وانعدام الامن والرذيلة وكلها امراض دخيله علي الشعب الفلسطيني. نريد اهتماما بأمن الانسان الفلسطيني وتوفير الحماية له، بدل اعطاء الأولوية المطلقة لامن المستوطن الاسرائيلي، وكيفية انتعاش اقتصاده، وتهيئة كل السبل لاستمتاعه بما سرق من ارض وعرق الشعب الفلسطيني علي مدي السنوات الخمسين الماضية.