يمثل انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة نصف رد الاعتبار للديموقراطية الأميركية العظيمة الرائدة، وسيكون النصف الثاني محاكمة مجرمي الحرب في ادارة جورج بوش الابن، فهم قتلوا مليون عربي ومسلم بين العراق وأفغانستان وباكستان، وكل مكان استطاعوا الوصول اليه على مدى ثماني سنوات عجاف. هذا رأيي، إلا أنني أطمئن القارئ بسرعة الى أنه ليس رأي عربي متطرف، وإنما هو رأي أفراد وجماعات حقوق انسان في الغرب، وبعض المنادين بمحاكمة جورج بوش وديك تشيني وبقية العصابة هم من أبرز الشخصيات السياسية والأكاديمية، وقد استقبل بوش في كل بلد أوروبي زاره بلافتات تقول إنه مجرم حرب. أجد نفسي أكثر اعتدالاً فأنا لا أدين الرئيس وأركان ادارته، وإنما اتهمهم وأطالب بمحاكمتهم أمام محكمة جرائم الحرب الدولية، وأقبل سلفاً قرار المحكمة، تبرئة أو إدانة. في الأيام الأخيرة، ربما توقعاً للمطالبة برأس ادارته بعد رحيله من البيت الأبيض، أدلى جورج بوش أخيراً بتصريحات عجيبة في مقابلات تلفزيونية وخطابات وغيرها. وواضح أن عصابة الحرب التي جعلت منه أقل الرؤساء شعبية في تاريخ أميركا، هي التي كتبت له ما قرأ، فهو لا يستطيع أن يجمع جملتين بالانكليزية من دون خطأين في اللغة. الرئيس بوش قال رداً على سؤال في مقابلة تلفزيونية إن أكبر أسف في رئاسته كلها فشل الاستخبارات في العراق. لن أحفظ مقام رجل لم يحفظ مقامه، وأقول إن كلام الرئيس كذب مئة في المئة، فأجهزة الاستخبارات تحفظت، وكانت هناك آراء مخالفة، إلا أن الادارة كتمت كل تشكيك، وحذفت «ربما» و «الأرجح» و «يُحتمل» لتجعل وجود أسلحة الدمار الشامل أكيداً. والمدعي العام الأميركي المشهور فنسنت بوغليوسي صدر له هذه السنة كتاب عنوانه «الادعاء على جورج بوش بتهمة القتل» وضع فيه جنباً الى جنب تقارير الاستخبارات الأصلية وكيف تلاعبت بها الإدارة وحجبت ما لا يفيد. وكل هذا من دون أن نشير الى الاستخبارات البديلة وتأسيس مكتب الخطط الخاصة في وزارة الدفاع برئاسة المتطرف دوغلاس فايث وتحت اشراف بول وولفوفيتز واستعمال معلومات ملفقة من منشقين عراقيين مثل أحمد الجلبي لتدمير العراق. جورج بوش قال في مركز سابان التابع لمؤسسة بروكنغز الراقية إن سبب فشل عملية السلام كان أن ياسر عرفات ارهابي وآرييل شارون توسعي. عرفات مناضل والارهابي هو شارون وشريكه هو بوش وإدارته، وعرفات على رغم أخطائه لم يقتل مليون انسان بريء، ثم استمر في قتل المدنيين في أفغانستان وباكستان. وهو لم يشكر بوش، مثل ايهود أولمرت، على خدمة اسرائيل باطاحة صدام، فالسبب ليس الارهاب أو أسلحة الدمار الشامل وإنما اسرائيل والنفط. جورج بوش لا يزال يصرّ على أن مهاجمة صدام حسين كانت قراراً صائباً على رغم عدم اكتشاف أسلحة الدمار الشامل لأنه يهدد جيرانه ويكره أميركا. وهذا أيضاً كذب مئة في المئة، فصدام حسين بعد سنوات الحصار لم يكن يشكل خطراً على أي جار، وإذا كانت إدارة بوش ستهاجم كل بلد يكره أميركا بسبب تصرفات هذه الإدارة فلن يبقى بلد في العالم بمأمن من هجوم أميركي. وأريد أن أختار نقاطاً من فقرة واحدة في خطاب بوش: - قال إن الشرق الأوسط أصبح أكثر حرية منه يوم تسلّم الحكم سنة 2001، وأقول إن هذا الكلام كذبة أخرى. - قال إن لبنان حرّ من النفوذ السوري، وأقول إن ثورة الأرز لم تكن لها أدنى علاقة ببوش وإدارته، وما حدث كان شيئاً محلياً خالصاً. - قال إن البحرين والإمارات العربية المتحدة تبرزان كمركزي تجارة، وأقول إنهما كانتا كذلك قبل قدومه، وإن إدارته تهدد التجارة حول العالم كله. - قال إن ايران تواجه ضغطاً أكبر من الأسرة الدولية. وأقول إن احتلال العراق زاد قوة ايران في المنطقة، وأصاب بأذى كبير دول الخليج الصغيرة التي تواجه أطماع ايران. - قال إن القاعدة والمنظمات الإرهابية الأخرى حُجّمت. وأقول إن الارهاب زاد حول العالم منذ أعلن بوش الحرب عليه، وهذا بإجماع الخبراء، وأيضاً أجهزة الاستخبارات الأميركية نفسها، ثم إن القاعدة أصبحت «قواعد». وأعود الى البداية، فإدارة جورج بوش ارتكبت جرائم حرب هناك أدلة كافية عليها، وقد استردت الولاياتالمتحدة نصف سمعتها بانتخاب باراك أوباما رئيساً، وبقي أن تسترد النصف الثاني بمحاكمة المجرمين، فدماء الضحايا حول العالم تصرخ مطالبة بالعدالة. جهاد الخازن